رئاسة بايدن للولايات المتحدة تحيي آمال الإخوان في تغيير طبيعة النظام بالكويت

صعود جو بايدن الوريث الطبيعي لسياسات باراك أوباما في منطقة الشرق الأوسط إلى سدّة الحكم في الولايات المتّحدة، هو أحد العوامل المناسبة التي سيعمل إخوان الكويت على اغتنامها لتجديد محاولاتهم تعظيم دورهم في حكم البلد، إلى جانب الأزمة المالية التي تجعل شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد التي يرفعونها مغرية على نحو استثنائي، فضلا عن استشعار الإخوان لملامح ضعف في السلطة قياسا بما كانت عليه في عهد الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.
الكويت - توقّعت مصادر سياسية كويتية أن يشجّع صعود جو بايدن إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة، الإخوان المسلمين على تكثيف ضغوطهم على طاقم الحكم الجديد في الكويت بقيادة الأمير الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح بهدف تعظيم دورهم في السلطة ومحاولة إعادة تفصيل النظام على مقاس توجّهاتهم ومصالحهم وتلوين سياسات الدولة بلونهم السياسي والأيديولوجي.
وكان الإخوان قد استبقوا التغيير الذي حدث آخر شهر سبتمبر الماضي على رأس هرم السلطة في الكويت، وكان متوقّعا بقوّة مع اشتداد مرض الأمير السابق الشيخ صباح الأحمد، للقفز إلى مقدّمة المشهد السياسي عبر وثيقة “للإصلاح الشامل” صاغها القيادي الإخواني المعروف عبدالله النفيسي بالتعاون مع السياسي المستقل عبيد الوسمي تحت مسمى “وثيقة الكويت” وتهدف إلى إطلاق عهد جديد من خلال تعديل نظام الحكم وإصلاح القضاء ومحاربة الفساد وتحسين الأداء الاقتصادي للدولة.
وقالت ذات المصادر إنّ وجود بايدن الوريث الشرعي لسياسات باراك أوباما على رأس الإدارة الأميركية، يمثّل حافزا إضافيا لإخوان الكويت للدفع بدعواتهم لـ”إصلاح” النظام الكويتي بزخم جديد بعد أنّ ظلوا طوال العشرية الحالية يصارعون السلطة التي انتبهت منذ سنة 2011 لمحاولتهم إدخال الكويت في مسار “الربيع العربي” وقد تمكّنت من لجمهم واحتوائهم بشكل ظرفي، متجنّبة خيار اجتثاثهم على غرار بلدان أخرى.
ويعتبر الإخوان أنّ سياسة أوباما في المنطقة، وبالنتيجة سياسة بايدن ملائمة للتمكين لهم في البلدان العربية على اعتبار أنّ الإدارة الديمقراطية التي واكبت انطلاق موجة الربيع العربي لم تبد أي اعتراض على انقلاب الإخوان على السلطة في أكثر من بلد وأظهرت استعدادها للتعامل معهم كحكّام لتلك البلدان.
يعرف الإخوان جيدا نقاط ضعف الأسرة الحاكمة وصراعاتها حيث أن بعض العناصر الإخوانية طرف في تلك الصراعات
ويأخذ إخوان الكويت أيضا في اعتبارهم صداقة الإدارة الديمقراطية الأميركية في عهد أوباما لقطر داعمة الإخوان في مساعيهم للاستيلاء على الحكم في أكثر من بلد.
ويلفت مراقبون إلى أنّ الدوحة تتوخّى الحذر في التعامل مع إخوان الكويت في إطار سعيها لاستمالة الكويت إلى صفّها في الصراع الذي تخوضه قطر ضدّ الدول الخليجية المقاطعة لها بسبب دعمها للتشدّد واتباعها سياسات مضادّة لاستقرار المنطقة، لكنّهم في المقابل لا ينفون إقامة القطريين علاقات وثيقة مع عدّة شخصيات قيادية في الفرع الكويتي من جماعة الإخوان المسلمين، واستبقائهم كورقة ضغط ممكنة في ظروف سياسية وأوضاع إقليمية مختلفة.
ويقول هؤلاء إنّ قطر مرتاحة إلى حدّ الآن في التعامل مع الكويت بقيادة الأمير السابق ثمّ الحالي، لكنّها ستكون أكثر ارتياحا لو نجح الإخوان في تعظيم مشاركتهم في قيادة البلد وتلوين نظام الحكم فيه بلونهم السياسي والأيديولوجي.
ويركّز الإخوان ضغوطهم على السلطة في الكويت على دغدغة وتر الإصلاح ذي الوقع المؤثّر على نحو خاص في المجتمع، بالنظر إلى أنّ شيوع الفساد واستمرار الفشل الحكومي في إدارة شؤون الدولة والتحكّم بمواردها وحسن توظيفها من العوامل الواقعية التي لا يمكن إنكارها، بدليل أنّ الدولة ذات الـ4.5 مليون ساكن والغنية بموارد النفط دخلت في أزمة مالية حادّة بمجرّد تراجع أسعار الخام في الأسواق العالمية حتى وقفت على شفا العجز عن دفع رواتب موظفيها بحسب وزير المالية برّاك الشيتان.
ومن شأن مناخ الأزمة السائد في الكويت وما يرافقه من مزاج شعبي يتميز بعدم الارتياح للطبقة الحاكمة التي تلبّست بالكثير من رموزها شبهات الفساد، أن يساعد الإخوان في ضغوطهم على السلطة التي تبدو في موقف أضعف مما كانت عليه قبل الأزمة المالية وجائحة كورونا.
كما يلمس الإخوان، من جهة أخرى، ملامح ضعف في طاقم الحكم الجديد بقيادة الشيخ نواف الأحمد الذي لا يمتلك كاريزما سلفه الشيخ صباح الأحمد ولا خبرته في إدارة الأزمات وتجاوز المصاعب.
ومما يزيد في ضعف أسرة آل الصباح الحاكمة تسرّب الخلافات والصراعات بقوّة إلى صفوفها وخروجها إلى العلن في أكثر من مناسبة.
ويعرف الإخوان تلك الصراعات جيدا ويعلمون الكثير من تفاصيلها وأسبابها وحتى طرق تأجيجها، إذ أن الكثير من الشخصيات الإخوانية دخلت طرفا في تلك الصراعات بانحيازها إلى هذا الشيخ أو ذاك ودعمه ضدّ أبناء أسرته الموسّعة.
وخلال السنوات التسع الأخيرة من حكم الشيخ صباح لم يستسلم النظام الكويتي لتحركات الإخوان وضغوطهم واشتراطاتهم، على الرغم من أنّه تعايش معهم، لكن ضمن سقوف محدّدة، بحيث لم يستجب لمساعيهم لتغيير طبيعة النظام وتقليص صلاحيات الأمير ووضع السلطة الفعلية بين يد البرلمان.
حرص قطر على استمالة الكويت إلى صفّها لا ينفي إقامتها علاقات قوية مع الفرع الكويتي لجماعة الإخوان
بل إنّ الشيخ صباح وقف في بعض قراراته ضدّ الإخوان ومن ذلك قراره بتغيير نظام الاقتراع الذي يُعتمد في الانتخابات التشريعية من تعدّد الأصوات إلى تحديد صوت واحد لكل ناخب، رغم الاعتراضات الشديدة للإخوان وبعض حلفائهم في المعارضة والذين احتجّوا على ذلك التغيير بمقاطعة الانتخابات لدورتين متتاليتين قبل أن يعودوا عن مقاطعتهم في دورة سنة 2016 التي تمخّض عنها البرلمان الحالي الذي توشك مدّته على نهايتها.
ولم تغب المناسبة الانتخابية عن اعتبارات الإخوان وهم يدفعون بمقترحاتهم “الإصلاحية” ضمن “وثيقة الكويت”، وهم يعلمون مدى إغراء شعارات الإصلاح للشرائح الشعبية في فترات الأزمات.
وتشهد الكويت في الخامس من ديسمبر القادم انتخابات برلمانية يأمل الإخوان وحلفاؤهم في المعارضة، أن يرفعوا من خلالها مستوى حضورهم في البرلمان الذي يشكّل أفضل منصّة للضغط على السلطة من خلال حقّ النواب في استخدام آلية استجواب أعضاء الحكومة ومنحهم الثقة أو سحبها منها، بحسب أمزجة المستجوبين وميولهم وأهدافهم.
وتضمّنت وثيقة الكويت التي أعلن النفيسي والوسمي تقديمها للشيخ نواف عندما كان وليا للعهد وقُبيل تسلّمه منصب أمير البلاد، نقدا لاذعا لتجربة الحكم في الكويت واتهامات لها بنشر الفساد وحرف الدستور عن نصوصه ومقاصده، وذلك توطئة لتقديم مقترحات شملت إحداث تغييرات في النظام ذاته، حيث نصّت الوثيقة على تشكيل حكومة إنقاذ وطني ذات صلاحيات واسعة، تعمل وفق جدول زمني محدد على إيجاد البدائل لهيكلة مؤسسات الدولة، مؤكّدة ضرورة “التوافق الوطني على نظام انتخابي انتقالي يعكس التمثيل الشعبي الحقيقي وسلامة العملية الانتخابية، ومنع التأثير أو التدخل في خيارات الشعب”. كما دعا معدّا الوثيقة إلى “إعادة تشكيل السلطة القضائية ومؤسساتها العاملة وأجهزتها”.