ذبابة إلكترونية كبرى

تحتاج إلى ذبابة إلكترونية بحجم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كي تُلفت انتباه الغرب إلى قضاياك. لم يتوقف ترامب عن الطنين، منذ أن تم ترشيحه للرئاسة وخلال جلوسه إلى مكتبه في البيت الأبيض. لكي يسكت ترامب بعد خسارته سباق الرئاسة لصالح جو بايدن، استدعى الأمر تدخلا من القائمين على تويتر. شطبوا حسابه، بعد أن أمعن في ترويج أنّ خسارته الانتخابات الرئاسية كانت نتيجة مؤامرة. بادرت المؤسسات الإعلامية بمقاطعته، كما سبق وأن قاطعها خلال رئاسته واتهمها بالكذب والتلفيق، ثم تبعت منصات التواصل الاجتماعي قرار مؤسسات الإعلام وتم تعليق حسابات ترامب واحدا بعد آخر. وفيما عدا بعض المنابر الإعلامية اليمينية وحديث ترامب، كملياردير وليس كسياسي، عن إطلاقه مؤسسته “الحرة” الخاصة التي تحاكي تطبيقات التواصل الاجتماعي، فإن طنين الذبابة ترامب قد خفت.
هذا لا يعني أن هناك الكثير من الطنين في الغرب. أمثال ترامب كثيرون، لكنهم في أحسن الأحوال هامشيون. رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون كذاب محترف، ومغرد صاحب حضور على تويتر. لكنه، على العكس من ترامب، كاتب متمكن وخطيب مفوه. تمكّن من تمرير الكثير من الأكاذيب برشاقة لغوية لافتة، وبخفة دم في كثير من الأحيان. كان حريصا جدا على ألّا يكون “ذبابة إلكترونية”. وإذا كان ترامب قد هُزم سياسيا بسبب عنجهيته وإسفافه، فإن جونسون سقط في فخ أكاذيبه بعد أن نسي أهم قاعدة للكذب؛ كل كذبة تحتاج إلى مئة كذبة للتغطية عليها. وعليك أيها الكذاب أن تتذكر كل هذه الكذبات. وبمجرّد أن تنسى واحدة ويزلّ لسانك، يتم اصطيادك وتنتهي سياسيا.
للتأثير في الغرب تحتاج إلى معادلة حضور ذي مصداقية. المشاهير مثلا لديهم حضور مُكثّف. ثمة الملايين مِمّن يتتبعون تغريدات نجوم التمثيل والغناء. مصداقية الفنان هي فنه وما يقدمه. أصحاب الرأي لديهم حضورهم أيضا. هؤلاء يبنون مصداقيتهم على مدى سنوات طويلة من الكتابة والظهور الإعلامي عبر مؤسسات إعلامية حقيقية ذات مصداقية بدورها. السياسيون، من غير القادة والزعماء، يسجلون حضورهم بحذر. إذا كان ترامب يستهدف الملايين من الأميركيين ليصوتوا له، فعضو البرلمان البريطاني في منطقتنا لا يحتاج إلى أكثر من 20 ألف صوت كي يدخل عالم القرار السياسي في البرلمان. كان
مثل هؤلاء السياسيين يدقون الأبواب في الأحياء التي سيمثلونها ويتحدثون إلى الناخبين. الآن، يتواصلون بشكل أكثر فاعلية عبر الشبكات الاجتماعية.
قبل أن يطلق الناشطون العرب حملاتهم على الشبكات الاجتماعية الناطقة بالإنجليزية، عليهم أن يدركوا طبيعة العالم الغربي وكيف يفكر. لا يكفي أن تضع هاشتاغا بالإنجليزية ثم تبدأ بالحديث أو الشتم لكي يسمعك الغربي. قد تكون هذه الطريقة مفيدة في عالمنا -وأنا أشك في ذلك- لكنها بالتأكيد نشاط طنين عبثي لا قيمة له ولن يحقق أية نتيجة. ما فشلت فيه الذبابة الكبرى ترامب، لن يمكن لآخرين إنجازه.