دونالد ترامب هازم النساء

هزيمة هيلاري كلينتون وكمالا هاريس لا تعني أن المجتمع الأميركي غير منفتح على تولي النساء للحكم. سبب الهزيمة هو عدم وثوق الناخب في تجربتهما السياسية وقدرة ترامب على كسب ود الناخبين.
الثلاثاء 2024/11/12
هكذا تحدث ترامب

فن التلاعب بالعقول، وفن إدارة الأزمات والابتزاز العاطفي، هما طريق السيطرة على الوعي العام للجماعات والمجتمعات، وقيادة الشعوب لاتجاهات محسوبة. هكذا خاطب دونالد ترامب الأميركيين بعد الفوز حين قال “سنعيد الأمن لبلادنا، ونقوّي الاقتصاد، لتكون أميركا عظيمة ونحمي حدودنا. لقد كنت الرئيس الخامس والأربعين يوماً، واليوم أنا الرئيس السابع والأربعون”.

بدءاً بهيلاري كلينتون التي خسرت سباق الرئاسة في عام 2016 أمام ترامب، وانتهاءً بكمالا هاريس التي تفوّق عليها بفوز كاسح في الانتخابات الأخيرة، ليست المشكلة في رفض المجتمع الأميركي فكرة تولي النساء مقاليد الحكم بقدر ما هي صلابة الموقف ومخاطبة العقول بما يتناسب مع طموحات الشعب. فرغم تفوق هيلاري على ترامب في انتخابات 2016، إلا أن المجمّع الانتخابي كان له القول الفصل في من يسكن البيت الأبيض.

الصورة مغايرة في الانتخابات الأخيرة؛ كان هناك ما يقارب 5 ملايين صوت فارق بين المرشحين في الانتخابات الأخيرة لأسباب سوف أذكرها في سياق هذه السطور. غير أن ما لا يُستغنى عنه لفهم حالة التكرار وما يردده الآخرون من محللين ومراقبين، حتى عامة الناس، هو أن الحرب الأخيرة في غزة هي التي أثرت على مجريات الانتخابات الأميركية. لقد جاءت نسبة التصويت العالية لترامب من باب الانتقام من الديمقراطيين لدعمهم الكبير لإسرائيل على جميع الصعد. لكن هذا لا يشكل نسبة عالية، خصوصاً ونحن نتكلم عن الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة التي لا يتجاوز من يحق لهم الانتخاب فيها مليون ناخب. كانت رسالة شديدة اللهجة للديمقراطيين فقط دون تأثير ملموس على نسبة التصويت، حسب التعبير الشعبي “قرصة أذن”.

◄ لا توجد لدى الرئيس المنتخب عصا سحرية لكي يستطيع في غضون أربع سنوات التغلب على أهم المشاكل التي تواجه البلاد، ومنها الاقتصاد والحدود

الدافع السلوكي وراء انتخاب ترامب هو كيف استطاع أن يؤثر على عقول الأميركيين في ما يتعلق بالاقتصاد والهجرة، وقد صور لهم بأن الاقتصاد في عهده كان على ما يرام، وفي المستقبل سيتحسن بشكل كبير. كما تطرق لقضية الهجرة، وهذا الموضوع أيضاً مهم بالنسبة إلى الناخب الأميركي.

ما تنبغي الإشارة إليه هو المناظرة التلفزيونية بين دونالد ترامب وجو بايدن في وقت سابق، والتي زادت من أسهم المرشح الجمهوري، وقللت من نسبة الفوز للديمقراطي بايدن. لهذا ضغط الحزب الديمقراطي بعد المناظرة على تنحي بايدن بعد أن شعر بخطر الهزيمة، لتحل مكانه نائبته كامالا هاريس، التي خاضت المعركة الانتخابية بكل ما تملك من قوة. ساورها شك في بداية الدعاية الانتخابية بأن حظوظها في الفوز قليلة، ومع هذا استمرت تقاوم حتى الرمق الأخير.

سياسة بايدن وعجزه عن تحقيق شيئين ملموسين في فترة حكمه على صعيد الاقتصاد والهجرة، وهذا ما يهم الناخب الأميركي، فضلاً عن ملامح الشيخوخة التي بدت على أسارير وجهه، كلها عوامل زادت من احتقان الشارع الأميركي ضده. عند أولي الألباب لا يُفسر فوز ترامب بأنه رجل المرحلة أو أنه يحمل عصا سحرية يقوي بها الاقتصاد، ويحقق كل ما يريده الشارع الأميركي، ولكن التفسير الوحيد هو تعلق الناخب بوعود على أمل أن يتحقق منها شيء.

أما لماذا هُزمت هيلاري أمام ترامب فهذا حديث آخر يختلف عن هزيمة هاريس. أداء هيلاري كلينتون عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية “خاطئ أو حتى كارثي” على حد وصف المراقبين، وهو موقف تعززه الاتهامات المنسوبة إلى المرشحة الديمقراطية بأنها من تتحمل المسؤولية عن زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط بعد فترة سميت بـ”الربيع العربي”، وتنامي قوة داعش في المنطقة. بينما اعتبر الأميركيون دونالد ترامب، نظراً لجهله بالحياة السياسية وخطابه الحاسم الذي وصفه لبكثيرون بالصريح، رمزاً لفترة التغييرات القادمة. فضلاً عن أن فشل هيلاري كلينتون نجم بشكل كبير عن استياء الأميركيين من سياسة الرئيس باراك أوباما، الداخلية والخارجية، كما أن وتيرة النمو الاقتصادي خلال ولاية أوباما كانت عند أدنى مستوياتها منذ ستينات القرن الماضي.

◄ الحرب الأخيرة في غزة هي التي أثرت على مجريات الانتخابات الأميركية. لقد جاءت نسبة التصويت العالية لترامب من باب الانتقام من الديمقراطيين لدعمهم الكبير لإسرائيل على جميع الصعد

لاحظنا أثناء الدعاية الانتخابية بين المتنافسين تمسك كل منهما بورقة إنهاء الحرب في غزة، وقد تعهد ترامب بعد فوزه بأن ينشر السلام في الشرق الأوسط، وكذلك فعلت هاريس. ولكن هل توضع نهاية للحرب كما وعد كل منهما وتتحقق مطالب الفلسطينيين، أم يتحقق ما يتطلع إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي سارع إلى تهنئة ترامب لكسب وده؟ على رأي المثل الشعبي “من جرب المجرب عقله مخرب”.

يبقى ضروريا التذكير أن في عهد ترامب تم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واعترف أيضاً بسيطرة إسرائيل على الجولان. وهناك تسريبات من مقربين من الرئيس المنتخب، منهم السفير الأميركي السابق في إسرائيل ديفيد فريدمان، بأن ضم الضفة الغربية على جدول أعمال ترامب حال فاز بالرئاسة. وتكرر مقولة “أنا أعمل على ضمان أن تنتهي الحرب، بحيث تكون إسرائيل آمنة، ويتم إطلاق سراح الرهائن، وتنتهي المعاناة في غزة، ويمكن للشعب الفلسطيني تحقيق حقه في الكرامة والحرية وتقرير المصير”.

هذه الإشارة الموجزة إلى سباق الانتخابات الأميركية، وهزيمة هيلاري كلينتون وكمالا هاريس أمام ترامب تؤكدان أن المجتمع الأميركي منفتح على تولي النساء للحكم، لكن السبب في الهزيمة هو عدم وثوق الناخب الأميركي بهما بحكم التجربة السياسية، فقدرة ترامب على كسب ود الناخب كانت أقوى وهي التي منحته الفوز مرة أخرى.

في المجمل، لا توجد لدى الرئيس المنتخب عصا سحرية لكي يستطيع في غضون أربع سنوات التغلب على أهم المشاكل التي تواجه البلاد، ومنها الاقتصاد والحدود.

8