دول تمعن في تجنيد جواسيسها بين الصحافيين

المراسلون في دائرة الاتهام لامتلاكهم الغطاء المثالي لجمع المعلومات.
الاثنين 2021/02/08
ما وراء الأسوار يثير فضول الصحافيين والجواسيس

تعتمد الأجهزة الاستخباراتية للعديد من الدول على الصحافيين للقيام بعمليات التجسس، باعتبارهم غطاء مثاليا لجمع المعلومات والبيانات المختلفة، معرضة بذلك الصحافيين الحقيقيين للرقابة، ووضعهم في دائرة الشك باستمرار من قبل الدول الأجنبية الأخرى التي يعملون فيها.

لندن - طردت بريطانيا ثلاثة جواسيس صينيين عملوا في المملكة المتحدة بصفة صحافيين خلال العام الماضي، وقالوا إنهم يعملون لحساب وسائل إعلام صينية مختلفة، في حادثة تتكرر في أنحاء العالم حيث تعتبر الصحافة غطاء مثاليا لجمع المعلومات والبيانات في الدول الأجنبية.

وذكرت صحيفة ديلي تلغراف، أن الجواسيس الثلاثة هم من رجال الاستخبارات التابعين لوزارة أمن الدولة الصينية، ونقلت عن مصدر حكومي أنه “تم الكشف عن هوياتهم من جانب وكالة الاستخبارات الداخلية البريطانية أم.آي.5، وأجبروا على العودة إلى الصين”.

وتشهد العلاقات البريطانية الصينية المزيد من التوتر، في وقت انتقدت فيه بريطانيا بكين على خلفية القمع في هونغ كونغ وشينجيانغ، وحظرت معدات هواوي من شبكاتها الداخلية للجيل الخامس لمخاوف متعلقة بالأمن.

وقال متابعون إنه ما من شك أن هذه الحادثة ستتسبب بمضايقة ومراقبة للصحافيين الصينيين الحقيقيين في أماكن مختلفة من العالم وليس فقط في بريطانيا، وقد أفاد الباحث الإيطالي جيانكارلو إليا فالوري المتخصص في الشأن الصيني بأن “أجهزة المخابرات الصينية لديها أسلوب وطريقة عمل مختلفة تماما عن أجهزة استخبارات الغرب”  للحصول على معلومات.

وأضاف في تحليل نشر على موقع “مودرن دبلوماسي” أن “أجهزة الاستخبارات الصينية تتمتع بميزة كبيرة، حيث يمكنها استخدام صحافيين حقيقيين وأكاديميين حقيقيين بشكل قانوني”، الأمر الذي يختلف في الغرب والذي يحظر استخدام “الصحافيين ورجال الدين والبرلمانيين وأعضاء المجالس البلدية” كوكلاء.

وتمارس طهران سياسة مشابهة لبكين بخصوص تجنيد صحافيين في عمليات التجسس، وينظّم الجواسيس الإيرانيون حملات متقنة لإرباك الصحافيين، حتى أنهم يظهرون بمظهر الصحافيين عند استهدافهم جماعات الخبراء والمشرعين، بحسب ما ذكرته مجلة “وايرد” الأميركية.

حكومات وجهت تهمة التجسس للمراسلين الأجانب كوسيلة للانتقام منهم، بسبب نشر تقارير مزعجة للسلطات

وقد سبق أن اعترف وزير الاستخبارات الإيراني الأسبق علي فلاحيان، بأن جهاز الأمن في بلاده يرسل عملاءه إلى الخارج لجمع المعلومات بصفات أخرى مثل صحافيين ورجال أعمال.

وقال فلاحيان في مقابلة صحافية “إن وزارة الاستخبارات في فترة التسعينات، قامت بنشاطات اقتصادية من أجل تغطية نشاطاتها الاستخباراتية لجمع المعلومات في الداخل والخارج”، مضيفا أن هذه الطريقة لا تزال مستمرة لكن بوتيرة أقل من السابق.

ووضّح “لا يمكننا أن نبعث أحد عملائنا للخارج، مثلا إلى ألمانيا أو روسيا والولايات المتحدة، بصفته الاستخباراتية، نرسل عناصرنا إلى الخارج بصفة رجال أعمال أو صحافيين لجمع المعلومات”.

ووضعت هذه الممارسات الصحافيين أمام دائرة الاتهام، ووجهت تهمة التجسس للمراسلين عند قيامهم بعملهم في دول لديها علاقات متوترة مع دولهم، وأحيانا استعملت التهمة كوسيلة للانتقام من المراسلين الذين ينشرون تقارير مزعجة للسلطات.

وفي سبتمبر الماضي، نشر موقع “Tourkikanea” اليوناني تقريرا إعلاميا يونانيا اتهم صحافيي فريق وكالة “الأناضول” التركية شبه الرسمية في أثينا، بأنهم “جواسيس لأجهزة الاستخبارات التركية”، وتساءل عن سبب سماح السلطات اليونانية للفريق بزيارة الجزيرة التي وصلتها مؤخرا قوة عسكرية يونانية، الأمر الذي تسبب بغضب تركي واسع.

واتهم رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية فخر الدين ألطون، في تغريدة نشرها على حسابه في تويتر، السلطات اليونانية بـ”استهداف فريق الأناضول من خلال موقع إلكتروني فاشي”.

ورغم أن المسؤول التركي ندد باستهداف حرية الصحافة من خلال اتهام فريق الأناضول بالتجسس في اليونان، إلا أن حكومته بالمقابل لديها سجل حافل في توجيه الاتهامات للصحافيين بالتجسس، وخصوصا الأجانب من أصل تركي الذين يعملون لوسائل إعلام دولية، من بينهم الصحافي الألماني التركي دينيز يوجيل المتهم بـ”التجسس لصالح برلين” وسجن لعدة سنوات قبل الإفراج عنه بسبب ضغوط ألمانية مكثفة، وجان دوندار رئيس تحرير صحيفة جمهورييت اليومية، وإرديم جول مدير مكتب الصحيفة في أنقرة، وقد تم اتهامهما بالتجسس عقب حديثهما عن أن المخابرات التركية أرسلت أسلحة إلى مسلحين في سوريا.

بدورها طهران كثيرا ما استهدفت الصحافيين الأجانب بتهمة التجسس بسبب عملهم لصالح وسائل الإعلام العالمية، أو لاستخدامهم كورقة ضغط في ملفات سياسية، كما حدث مع مراسل صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية جيسون رضايان، الذي أثارت قضيته ضجة كبيرة وخضع للمحاكمة بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة، قبل أن يتم الإفراج عنه بصفقة سياسية.

العديد من الصحافيين يقرون أن عملهم أصبح يتداخل مع أساليب الجواسيس، إذ أنهم بحاجة إلى تعلم تكتيكات وأساليب الجواسيس، من أجل حماية مصادر معلوماتهم حتى في الدول الديمقراطية

وذكرت تقارير إخبارية أن الصحافي الإيراني روح الله زم الذي أعدمته طهران في ديسمبر الماضي بعد استدراجه من باريس إلى بغداد، ساهمت صحافية إيرانية تعمل لصالح الحرس الثوري باستدراجه والإيقاع به.

ويرى خبراء إعلام أن بعض الصحافيين قاموا بالإساءة لمهنتهم بسبب قيامهم بأنشطة لصالح الاستخبارات أو أحزاب سياسية، بينما لا يزال الجدل متواصلا حول العملاء السريين أمثال الأميركي إدوارد سنودن والسويدي جوليان أسانج بشأن الدور الذي قاموا به والتقارير التي نشروها، هل تندرج في إطار العمل الصحافي أم التجسس والإضرار بالأمن القومي.

وقال مراقب مهتم بالشأن الإعلامي “ألا يجدر بنا كصحافيين أن نسائل أنفسنا لماذا ننصب الفخاخ للآخرين، نصب الفخاخ للآخرين بأي حال من الأحوال، هل هو مهمة العملاء السريين أم الصحافيين؟”.

وأضاف “دعونا نبحث عن تفسير يقنع الجمهور بمعنى ‘صحافيين سريين’؟ حتى إذا كان لهم ما يشبه المعنى في زمن ما، فإنهم اليوم تلاشوا في الزمن الرقمي المفتوح، بعد أن صارت الصحافة دورا وليست مهنة يمارسها الجميع، المواطن الصحافي لا يمكن أن يكون سريا وإلا فقد صفة المواطنة، والصحافي عندما يكون عميلا سريا لا يجد من يثق بما يكتبه”.

وقال بيتر بريستون رئيس تحرير صحيفة الغارديان لعشرين عاما (1975 – 1995)، “إذا مارس الصحافي دور الشرطي السري فقد سقط في كسب ثقة نفسه، ومارس سلوكا غير أخلاقي يؤثر على الجمهور”.

في المقابل، يقول العديد من الصحافيين إن عملهم أصبح يتداخل مع أساليب الجواسيس، لاسيما في ميدان الصحافة الاستقصائية، إذ أنهم بحاجة إلى تعلم تكتيكات وأساليب الجواسيس، من أجل الصمود والحماية من التجسس واستهداف الحكومات وحماية مصادر معلوماتهم حتى في الدول الديمقراطية.

وتعمل بعض الدوائر الاستخباراتية على تغذية التشويش وسوء الفهم عندما يتعلق الأمر بأدوات الحماية والممارسات المأمونة في العمل الصحافي وعلاقة المراسلين بمصادرهم. فهي تحاول ربط الحاجة إلى الخصوصية بالفعل الخاطئ مثل التجسس، وهذا الربط يجعل من رغبة الصحافيين في حماية أنفسهم ومصادرهم أمرا أكثر صعوبة.

وفي بعض الحالات، تتسبب عملية إظهار الأدوات الآمنة بمظهر المشكوك فيه، في تعريض المصادر التي تعيش في بيئات أقل تساهلا للخطر، كما هي الحال بالنسبة للمعارضين الذين يعيشون في الصين، ما يحطم من قدرة الصحافيين على القيام بدور حراس الحقيقة.

18