دعوة الأزهر لخفض تكاليف الزواج تصطدم بطقوس أسرية تصعب قبولها

الكثير من الآباء ينظرون إلى المهور على أنها تعكس قيمة البنت عند أسرتها.
الثلاثاء 2022/06/14
التكاليف الباهظة للزواج لا تعني حياة أسرية مستقرة

يشير خبراء علم الاجتماع ومستشارو العلاقات الأسرية إلى صعوبة تحقيق مبادرة مؤسسة الأزهر التي تدعو إلى ترشيد نفقات الزواج والتخلي عن البهرج الزائف لدى إقامة الحفلات، لأن هناك قناعة راسخة لدى العديد من الأسر بأن التساهل مع الشباب في متطلبات الزواج يعني أنها تتنازل عن بناتها. ومن شأن هذه المبادرة أن تقلل من نسب العزوف عن الزواج لدى الشباب.

القاهرة - أفرزت المبادرة التي أطلقها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في مصر أخيرا حول سُبل مواجهة التكاليف الباهظة للزواج ردود أفعال إيجابية من جانب العديد من الشباب وبعض الأسر، في انعكاس لتقبل شريحة من الأهالي لفكرة الترشيد في تجهيزات الزواج وعدم الممانعة في تخفيضها مراعاة للظروف الاقتصادية الراهنة.

وحدد الأزهر جملة من المحاور والأهداف التي يجب تنفيذها للقضاء على العادات التي تتبعها غالبية الأسر المصرية في الزواج، داعيا إلى مواجهة المغالاة في تكاليف تأسيس العلاقة الزوجية والتركيز على كيفية إنشاء أسر مستقرة آمنة بعيدا عن الاهتمام فقط بالمظاهر الخادعة والتباهي بين الأسر بعظمة التجهيزات والمهور المرتفعة.

تفاعل كثيرون مع دعوة الأزهر وطالبوا بنشر هذه الثقافة من خلال وسائل الإعلام والمساجد والكنائس وتدشين حملات توعية ميدانية لدفع الآباء إلى التخلي عن فرض شروط تعجيزية على الشباب المتقدمين لخطبة بناتهم مراعاة للظروف التي يمرون بها وعدم قدرتهم على توفير كل متطلبات الفتاة، وألا يكون الأب سببا في عنوسة ابنته.

ولا تزال بعض الأسر تتشدد في اشتراطات الزواج وتفرض على الشاب المتقدم للفتاة قائمة طويلة من المطالب التي يصعب الالتزام بها في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، مثل المهر المرتفع والسكن الفاخر والمستلزمات المنزلية المبالغ فيها واشتراط شكل مثالي لحفل الزفاف، ما تسبب في عزوف شباب عن الزواج.

مبادرة الأزهر جاءت في توقيت بالغ الصعوبة، وهي تحتاج إلى استدامة نشرها بخطاب بسيط يصل إلى الشريحة المستهدفة

وتتضمن مبادرة الأزهر عدة مراحل، الأولى خلال فترة الخِطبة، لتقتصر مراسم الخطوبة على قراءة الفاتحة وارتداء الخواتم والتقليل من الهدايا المتبادلة لتظل رمزا للمودة لا المفاخرة، ولا تكون ضغطا على أحد الطرفين، مع عدم إطالة فترة الخطوبة لمنع حدوث مشكلات.

وتشمل المرحلة الثانية المبادرة بالإعداد للزواج وأن يحصل الشاب والفتاة على دورة مكثفة في التأهيل الأسري، والاقتصار على كتابة المنقولات الفعلية التي يؤسس بها بيت الزوجية دون مبالغة، واختيار مسكن الزوجية بالتوافق بين طرفي الزواج على حسب الاستطاعة من دون تدخل الأسرتين أو وضع شروط غير ضرورية.

ودعا الأزهر إلى الاتفاق على الذهب بالقيمة وليس بالغرامات وتأجيل ما يمكن تأجيله من أثاث حرصًا على التخفيف والتيسير، وشراء الأجهزة الضرورية للمنزل بلا اشتراطات خاصة، وإلغاء الأجهزة الكهربائية التي ينتج عنها المزيد من التكاليف الخاصة بأسعار فواتير الكهرباء شهريا.

وترتبط المرحلة الثالثة بمرحلة الزواج نفسها، حيث طالب الأزهر بإقامة مراسم الزفاف بصورة بسيطة وعدم التقيد بمظاهر ومغالاة مرهقة وإلغاء عادات تكاليف الضيافة الباهظة أثناء العرس، والكف عن السفر لقضاء شهر العسل، وعدم المبالغة في الهدايا المرهقة أثناء التهنئة بالزواج من جانب أسرتي الشاب والفتاة.

ورأى عماد السيد، وهو رب أسرة يقيم بالقاهرة ولديه ثلاث فتيات، أن مبادرة الأزهر جيدة، لكنها تصطدم بالثقافة الأسرية المتجذرة حول طقوس الزواج ولا بديل عن تغيير قناعات الآباء والأمهات تجاه عادات صارت عبئا على الشباب المقبل على الزواج، مضيفا “عن نفسي لن أضع شروطا تعجيزية، فالعبرة في تحمل الشاب للمسؤولية”.

متخصصون في العلاقات الأسرية يرون أنه من الصعب إقناع الأسر بأن الشروط التعجيزية التي تفرضها لن تؤمن مستقبل الفتاة بعد الزواج

وقال الأب لـ “العرب” إن أزمة الكثير من الآباء أنهم ينظرون إلى المهور وغيرها، باعتبارها تعكس قيمة البنت عند أسرتها، وهناك أسر تعتقد أنها إذا لم تفرض شروطا تعجيزية على الشاب المتقدم لخطبة الابنة، فإنها بذلك تبيعها بثمن بخس، كأنها تجارة، بالتالي فالدعوة لترشيد تكاليف الزواج تحتاج إلى جهد لإقناع الناس بها.

وتابع: “عندما قرأت مبادرة الأزهر سألت بناتي عن رأيهن فجاءت ردودهن مفاجئة بالنسبة لي، حيث أبدين موافقتهن على الزواج من شباب دون مطالب تعجيزية في الذهب أو مستلزمات المنزل وغيرها بدعوى أن هناك فتيات تزوجن دون حرمانهن من أي شيء وأقمن في منازل فاخرة وانتهى بهن المطاف إلى الطلاق وانهيار الأسرة”.

فتيات الأب عماد جزء من شريحة كبيرة من البنات في مصر لديهن استعداد للزواج دون تكاليف أو اشتراطات مبالغ فيها على الشباب المتقدم لخطبتهن، لكن المشكلة في الآباء والأمهات، حيث ينظرون لهذه المستلزمات كأساس لبناء العلاقة الزوجية أو هدمها قبل أن تبدأ، فقد تجد أسرة فتاة تفسخ الخطبة بسبب خلاف على جهاز كهربائي.

وسبق أن أجرى المركز المصري لبحوث الرأي العام استطلاعا حول مدى تقبل الفتيات لإلغاء عادات وطقوس في الزواج، فأبدت 62 في المئة منهن الموافقة على الزواج من دون “شبكة”، ولا مانع من ارتداء خاتم الخطوبة فقط، شريطة توافر الشاب المناسب، فيما وافقت 38 في المئة من الفتيات على الزواج دون مهر أصلا.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية صعوبة إقناع الأسر بأن الشروط التعجيزية التي تفرضها لن تؤمن مستقبل الفتاة بعد الزواج، لكن ذلك يتطلب إطلاق مشروع تثقيفي تتشارك فيه مختلف المؤسسات لنشر الوعي بأن العلاقة الزوجية تقوم على المودة والتراحم، ولا ترتقي بالذهب ولا تستمد السعادة من المهور.

Thumbnail

وقال هؤلاء إنه يجب التركيز على تغيير عادات وتقاليد الأسر المرتبطة بهوية من يحدد الشروط، فالأب والأم عليهما ترك هذه المهمة للفتاة لتتفق مع الشاب المتقدم لخطبتها على كل شيء، ولديها شخصية وشجاعة وجرأة على التخطيط لمستقبلها وتكوين عش الزوجية مع شريكها بطريقتهما الخاصة وهذا كفيل بتكوين أسرة مستقرة.

وأكد محمد هاني الباحث المتخصص في العلاقات الزوجية بالقاهرة أن مبادرة الأزهر جاءت في توقيت بالغ الصعوبة على الكثير من الأسر، ولامست الظروف المعيشية للشريحة الأكبر فتقبلها الناس، غير أنها تحتاج إلى استدامة نشرها بخطاب بسيط يصل للشريحة المستهدفة، ما يتطلب تكثيفا من الإعلام ودور العبادة والجمعيات الأهلية.

وأشار في تصريحات لـ “العرب” إلى أن هناك قناعة راسخة لدى العديد من الأسر بأن التساهل مع الشباب في متطلبات الزواج يعني أنها تتنازل عن بناتها، مع أن التنازل هنا يرتبط بتسهيل الإجراءات لمنع المشاكل المستقبلية، مدللا على ذلك بقوله “قد يقترض الشاب من البنك مبلغا من المال لإتمام الزواج نظرا للشروط الأسرية المجحفة ثم يقع في ورطة السداد فتدفع الفتاة فاتورة ذلك”.

ووفق كلام المختص الأسري، فإن الزواج الميسر يقود إلى سعادة مستقبلية، وأسرة متماسكة خالية من المنغصات والضغوط والديون، عكس الشروط التعجيزية التي تتسبب في زيادة معدلات عنوسة الشبان والفتيات بسبب المغالاة وهيمنة ثقافة التباهي على عقول الكثير من الآباء دون البحث عن شريك يتحمل المسؤولية.

إذا كانت الأسرة مرنة مع الشاب المتقدم لخطبة الفتاة، فإن ذلك يضع على عاتقه عبء تحمل مسؤولية الحفاظ عليها والظهور أمام عائلتها بأنه يستحق هذا التنازل، وهي ثقافة يتطلب نشرها بين أرباب الأسر لتغيير الطقوس البالية، وبالتالي تكون دعوة الأزهر بادرة لاستحداث تقاليد تناسب الشباب وظروفه لا تساير المجتمع وعاداته.

17