دعوات لتشغيل المهاجرين في تونس تعمق الأزمة بدل حلّها

لا تزال أزمة توافد مهاجري أفريقيا جنوب الصحراء على الأراضي التونسية تراوح مكانها، حيث تصاعدت في الآونة الأخيرة أصوات تطالب بتشغيل هؤلاء بصيغ وقتية في انتظار البحث عن حلّ نهائي، وهو ما قوبل بالرفض القاطع من قبل البرلمان، لكونه مقترحا يغذي الأزمة بدل حلّها.
تونس- رفض مكتب البرلمان التونسي مقترحا ينصّ على توظيف المهاجرين القادمين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، كحلّ مؤقت لاحتواء أزمة الهجرة غير النظامية، وسط إقرار المراقبين بأن الفكرة لا تحلّ الأزمة في عمقها بقدر ما تساهم في تفاقمها.
وترى أوساط سياسية وحقوقية أن آلية التوظيف المؤقت وتوفير الحماية الاجتماعية، وإن كانت من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان، فإنها لا تناسب الوضع الصعب للمهاجرين في مزارع ضواحي محافظة صفاقس (شرق).
ولا تخفي تلك الأوساط تخوفها من أن يقود التوظيف الوقتي آليا إلى المطالبة بالإقامة الدائمة في إطار قانوني، خصوصا في وقت لا توجد فيه مؤشرات تؤكد على توقف تدفق المهاجرين نحو البلاد.
وتتقاطع دعوات التوظيف مع موقف السلطة التونسية الذي كثيرا ما يردده الرئيس قيس سعيد بأن “تونس لن تكون دولة توطين أو استقرار للمهاجرين”.
وتحدّث عضو مكتب البرلمان بدرالدين القمودي عن تقدّم نائبتين بمجلس نواب الشعب بمقترح توظيف المهاجرين الأفارقة من دول جنوب الصحراء لمدة 20 سنة تنتهي بترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية.
وأضاف في تصريح لإذاعة محلية أن “النائبتين اقترحتا تأسيس شركات للخدمات الأفريقية والاستعانة باليد العاملة لهؤلاء المهاجرين ضمن شركات المناولة والمشاريع الكبرى (2030 – 2050)، على أن تكون البداية بمعتمديتي جبنيانة والعامرة من محافظة صفاقس”، مؤكدا أنه “عند عرض هذا المقترح على مكتب المجلس تم رفضه من حيث الشكل والمضمون بشكل قطعي”، مشيرا إلى أن “حالة من الاستياء سادت بسبب هذا المقترح وتقرر إرجاع المراسلة إلى أصحابها”، وفق تعبيره.
وقال بدرالدين قمودي “من حق أيّ نائب أن يطرح رؤيته ومقترحاته، لكن في موضوع وجود مهاجري دول جنوب الصحراء بتونس، فإن مجلس النواب عقد جلسة عامة في الغرض منذ 10 أيام وأغلب النواب تدخلوا وتم التوصل إلى حالة إجماع في علاقة بالموقف حول الوجود غير المشروع في تونس والتي تنسجم مع رؤية السلطة التنفيذية على قاعدة أن تونس لن تكون ممرا أو مستقرا”.
وتابع “تمّ رفض المقترح المقدم من النائبتين ريم الصغير وأسماء الدرويش اللتين قدمتا رؤية كاملة ومخططا واقترحتا عقد مؤتمر لرجال الأعمال لإدماج جزء من المهاجرين وهذا يتقاطع مع موقف بعض الجمعيات ويتعارض مع الموقف الرسمي الذي تم تبينه في الجلسة العامة والقاضي بمنع إدماج أيّ مهاجر دخل تونس بطريقة غير شرعية”.
وأشار القمودي إلى “وجود أصوات من داخل البرلمان تطالب بضرورة فتح تحقيق في علاقة بالجمعيات التي تنشط في مجال توطين واستقبال أفارقة جنوب الصحراء”، مشددا أنّه “اقترح في العديد من الفرص غلق حدود تونس مع الجزائر وليبيا والتحاق الجيش للتصدي لدخول مهاجري دول جنوب الصحراء”.
وتستغل الشبكات الإجرامية المنظمة حالة الضعف للمهاجرين، وكثيرا ما تبدأ قصة استغلال المهاجرين عند شروعهم في البحث عن عمل لتأمين احتياجاتهم وتزامن ذلك مع بحث المشغلين عن يد عاملة بأجور منخفضة.
وفي أحيان أخرى، ينتحل بعض الوسطاء صفة تمثيل شركات توظيف ليجد المهاجرون أنفسهم في النهاية ضحية شبكة تجارة بشر.
وشهدت تونس وصول عدد هام من المهاجرين عن طريق وسطاء هجرة تلقوا مبالغ ضخمة مقابل عقود عمل مزوّرة وحجوزات نزل مزيفة ليكتشف المهاجرون فور وصولهم بأنهم كانوا ضحية عملية احتيال ويتم افتكاك جوازات سفرهم ويجبرون على العمل مجانا لأشهر عدة في شكل جديد من العبودية الحديثة.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت أن “وضع المهاجرين غير النظاميين في تونس هو وضع استثنائي، والصيغة الأنسب هي أن يكونوا في إطار معزول عن المجتمع لكن بتمويل أممي بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي”.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن “التوظيف المؤقت وتوفير الحماية الاجتماعية سيقودان إلى الإقامة الدائمة، وهذا لا يحل المشكلة، بل إن حالة المهاجرين تحتاج إلى إطار قانوني، وهناك خيارات سياسية صعبة، وقد تشكل مصدرا لعدم الاستقرار من الناحية الاجتماعية والثقافية، وليس لدينا أيّ ضمانات بأن تسربات المهاجرين ستتوقف”.
ودعا ثابت إلى “ضرورة أن تكون هناك معالجة أوسع وأشمل لظاهرة الهجرة غير النظامية”.
وأبرمت تونس والاتحاد الأوروبي، في يوليو الماضي، مذكرة تفاهم لإرساء “شراكة إستراتيجية وشاملة”، تركز على مجالات التنمية الاقتصادية والطاقات المتجدّدة ومكافحة الهجرة غير النظامية، وتهدف أيضا إلى مساعدة البلد المغاربي في مواجهة الصعوبات التي يمر بها اقتصاده.
ووصف الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان المقترح بـ”العبثي، وغير الجدي”، قائلا “إنه يعكس أن هناك أطرافا كانت تسعى أن تحول قضية المهاجرين إلى أمر واقع في بلد فيه أكثر من 650 ألف عاطل عن العمل”.
وأكد لـ”العرب” أن “القانون التونسي يمنع منح الإقامة لشخص دخل البلاد بطريقة غير قانونية، وهناك نجاح كبير في وقف تدفق المهاجرين، فضلا عن الانطلاق في عملية إعادة البعض منهم بشكل طوعي نحو بلدانهم”.
وأشار الترجمان إلى أن “أوروبا تبحث عن محتشدات ولا تريد أن تتحمل مسؤولية المهاجرين وهي أيضا تبحث عن إلقائها على دول أخرى مثل تونس”.
ويقول مراقبون إنه بينما تريد تونس حلولا جدية تعالج مشكلة الهجرة في دول الانطلاق، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى دعم الدور الأمني لمنع وصول المهاجرين من تونس إلى أوروبا، وهي مقاربة لا تمتلك مقومات النجاح لأن تونس ستحوّل كل جهودها إلى مهمة مقاومة الهجرة غير النظامية وتترك الاهتمام بقضاياها الأخرى.