دعوات إلى مراجعة أزمة منظومة الأدوية في تونس

الصعوبات المالية للصيدلية المركزية تعيق استيراد الأدوية.
السبت 2024/02/10
بعض أنواع الأدوية مفقود

تشهد تونس منذ سنوات عديدة نقصا في الأدوية، بسبب المشاكل الاقتصادية والمالية المتفاقمة في البلاد، فضلا عن استمرار الوضعية الصعبة للصيدلية المركزية المشرفة على توزيع الدواء، وهي وضعية تهدد حياة الآلاف من المصابين بأمراض مزمنة.

تونس - لا تزال الوضعية الصعبة للصيدلية المركزية في تونس تراوح مكانها، بسبب تفاقم مشاكلها المادية وديونها لدى المؤسسات الاستشفائية، ما يجعلها غير قادرة على استيراد الأدوية من الخارج، وهو ما يستدعي حسب الخبراء تدخلا عاجلا من الدولة ومراجعة منظومة الأدوية برُمّتها في البلاد.

وحسب تقارير صحفية محلية واستنادا لتصريحات العاملين في القطاع الطبي، فإن الصيدلية المركزية التونسية تعاني عجزا ماليا كبيرا بسبب الديون المتراكمة من المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين الصحي.

وعلى الرغم من وجود تحذيرات سابقة من قبل الخبراء من سيناريو انهيار وضعية الصيدلية المركزية ومن ورائها كامل منظومة توزيع الأدوية، لم تتدخل السلطات إلى حدّ الآن لمعالجة الأزمة.

وتستورد تونس الأدوية عبر الصيدلية المركزية المملوكة للدولة، والتي توفر الأدوية للمستشفيات والصيدليات في جميع أنحاء البلاد.

وتتصرف الصيدلية المركزية في حدود 4 آلاف نوع من الأدوية، صنف منها يوزع بين أدوية حصرية التوريد من الخارج وأخرى يتم إنتاجها على المستوى المحلي، فضلا عن وجود صنف ثالث متأت من مسالك توزيع المصانع الخاصة.

الهاشمي الوزير: الدولة عليها أن تتدخل لإنقاذ وضعية الصيدلية المركزية
الهاشمي الوزير: الدولة عليها أن تتدخل لإنقاذ وضعية الصيدلية المركزية

وعمّقت الإمكانيات “الضعيفة” للمستشفيات العمومية، خصوصا بسبب غياب التجهيزات والوسائل وعجزها عن تسديد ديونها تجاه الصيدلية المركزية الأزمة، فأصبحت بعض الأدوية مفقودة وأخرى يتم تهريبها.

وأكد مهدي الدريدي الرئيس المدير العام للصيدلية المركزية، أن الصعوبات والتوازنات المالية للمؤسسة أثرت على المخزون الوطني للأدوية الذي يترواح بين 3 و6 أشهر، مستثنيا من ذلك الأدوية الحياتية، نافيا “وجود نقص حاد فيها مثلما يروج”، مشددا على أن “الحل يكمن في الأدوية الجنيسة (الأدوية المتشابهة)”.

وقال الدريدي في حوار للإذاعة الوطنية في تونس، إن “موضوع نقص الأدوية موضوع كبير ولا يهم بلادنا فحسب، وهناك إشكال عندما يكون عدد الأدوية كبير أو عندما يتعلق الأمر بنوعية الأدوية، أي عندما تكون أدوية حياتية أو خاصة بأمراض سرطانية أو غيرها، ويجب فهم أسباب نقص الأدوية وهي أسباب عديدة ومتعددة، فنحن نتعامل مع مادة معقدة وصعبة وتتطلب المرور بمراحل صعبة حتى نتوصل لاستيرادها أو لتصنيعها، والظرف العالمي صعب، كما أنه يتعين لتصنيعها توريد المواد الأولية والتي أصبحت صعبة المنال”.

وتابع الدريدي، “الصيدلية المركزية التي تختص باستيراد الأدوية تمر بفترة صعوبات مالية تجعلها غير قادرة على الحصول على كميات الأدوية التي تستحقها السوق التونسية، وفي بعض الأحيان يوجد نقص، خاصة أنه من المفروض أن يكون لنا مخزون من 3 إلى 6 أشهر، رغم أنها مؤسسة تحقق أرباحا لكن للأسف مشاكل السيولة تحول دون أن يكون لنا مخزون وطني”، لافتا أن “سعر الأدوية في تونس من أرخص الأسعار في العالم، وهذا ما يجعل المصنع يجد نفسه في إشكالية عند صنع الدواء، وبالتالي يحصل نقص في الأدوية، لذلك يجب أن ننتبه دائما إلى نقص الأدوية لتلافي ذلك، ويجب التفكير في الأدوية الجنيسة”.

وأزمة الأدوية متوارثة منذ سنوات، مع غياب إستراتيجيات واضحة من قبل الدولة لإنقاذها، وتتعمق الأزمة في الصيدليات الخاصة أو في المستشفيات العامة، ما يؤشّر حسب خبراء على تدهور المنظومة الصحية برمتها.

وتعاني الصيدلية المركزية من ديون متراكمة تجاه المزودين تقدر بنحو 700 مليون دينار (219 مليون دولار).

الصيدلية المركزية في تونس تعاني من ديون متراكمة تجاه المزودين تقدر بنحو 700 مليون دينار (219 مليون دولار)

وأفاد مدير عام معهد باستور، الهاشمي الوزير أن ” الصيدلية المركزية هي الوسيلة الوحيدة التي تمكن تونس من اقتناء الأدوية من الخارج، لكن هناك نقص في الأدوية وخلل في طرق توزيعها في العالم”.

وأكّد في تصريح لـ”العرب”، أن “الإمكانات والسيولة المادية للصيدلية المركزية لا تكفي، باعتبار الديون التي تعاني منها ومتخلدة بذمة المستشفيات والصندوق الوطني للتأمين على المرض (كنام)، ما يتسبب في تأخير اقتناء الأدوية”.

ولفت الهاشمي الوزير، إلى أنه “من الضروري أن تتوفر الأدوية الأساسية والحيوية، لكن هناك صعوبات في توفير بقية الأدوية الأخرى، ومشاكل تتعلق بالأدوية الجنيسة”.

ودعا مدير معهد باستور إلى “ضرورة تدخل الدولة ووزارتا الصحة والشؤون الاجتماعية لإنقاذ وضعية الصيدلية المركزية من خلال توفير الإمكانيات المادية اللازمة

والتدخل لخلاص ديون المستشفيات لفائدتها”.

وتعاني المنظومة الصحية في تونس تدهورا حادا في البنية التحتية والخدمات الصحية والأجهزة تعمق بعد ثورة 2011، مع تعاقب حكومات أهملت الاعتناء بقطاع الصحة العمومية.

واختفت مئات الأدوية من رفوف الصيدليات في أرجاء البلاد منذ شهور، بما في ذلك علاجات مهمة لأمراض مثل القلب والسرطان والسكري.

وأصبح من الصعب الحصول على كامل أنواع الأدوية في الوصفات الطبية التي يقدمها الأطباء، ما جعل الصيادلة يلتجئون إلى تعويضها بالأدوية الجنيسة، مقابل فقدان أنواع أخرى تتعلق خصوصا بالأمراض المزمنة.

الصيدلية المركزية في تونس تعاني من ديون متراكمة تجاه المزودين تقدر بنحو 700 مليون دينار (219 مليون دولار)

وأفادت “ريم”، صيدلانية مساعدة (تقني محضر صيدلي)، أن “هناك أدوية حياتية مفقودة، وهناك أطباء لا يحبذون تغير الوصفة تماشيا مع الأدوية الموجودة التي يمكن أن تعوّض الدواء الأصلي”.

وأكدت في تصريح لـ”العرب”، أنه “في الفترة الأخيرة يوجد 4 أنواع أدوية من 6 ممكنة يطلبها المريض، وحتى الأدوية الجنيسة غير متوفرة في بعض الأحيان، وخصوصا تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة التي يتم استيرادها”.

وأشارت إلى أن “أزمة نقص الأدوية قائمة منذ سنوات، وهذا ما يمكن أن يؤثر أحيانا على علاقة المواطن بالصيدلاني الذي يعجز في بعض الأوقات على توفير نوع معين من الدواء لأشهر”.

وفي وقت سابق، أكدت وزارة الصحة إلى أنها تسعى إلى وضع إستراتيجية تتضمن إنشاء وكالة للدواء

ومستلزمات الرعاية الصحية، وقالت إنها “ستحسن منظومة خاصة لتسهيل إجراءات تسجيل الأصناف الجديدة وترويجها”.

ولا تقتصر الدعوات على إصلاح منظومة الأدوية من بوابة الصيدلية المركزية، بل إن الدعوات تتصاعد منذ سنوات وتطالب بضرورة مراجعة شاملة لمنظومة الصحّة بفرعَيها العمومي والخاص.

وإلى جانب أزمة الأدوية، تجد تونس صعوبات في دفع أثمان سلع أخرى وأهمها المواد الغذائية التي تُباع بأسعار مدعومة، مما تسبب في نقص دوري في الخبز ومنتجات الألبان وزيت الطهي والسكر والأرز.

4