دعم إقليمي ودولي لمساعدة تونس على تخطي أزمتها

بعد أن جمّد البرلمان وأقال رئيس الحكومة تمهيدا لمرحلة انتقالية، توجّه الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى فتح الملف الاقتصادي حيث تعاني بلاده من أزمة حادة بسبب تراكم الديون وارتفاع العجز المالي نتيجة فشل السياسات التي اعتمدتها الطبقة السياسية الحاكمة سابقا. وهو ما يحتم على الرئيس سعيد التحرك لانتشال البلاد من أزمتها، حيث أكد أن هناك اتصالات مع دول صديقة لخفض العجز المالي في تونس.
تونس - يتجه الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى حشد دعم إقليمي ودولي لانتشال بلاده من أزمتها الاقتصادية التي زادت من حدة الاحتقان الاجتماعي مؤخرا جراء السياسات الفاشلة التي اعتمدتها الطبقة السياسية الحاكمة وفي مقدمتها حركة النهضة الإسلامية طيلة السنوات الماضية.
وجاء ذلك في وقت لا يزال فيه الترقب سيد الموقف في تونس حول من سيتولى رئاسة الحكومة المقبلة والخطوات التي سيخطوها سعيّد لإجراء الإصلاحات اللازمة التي علق من أجلها عمل البرلمان وأقال رئيس الحكومة.
وأعلن سعيد ليل الثلاثاء – الأربعاء عن اتصالات مع “دول صديقة” لخفض العجز المالي للبلاد دون أن يذكر المزيد من التفاصيل وهو ما فتح الباب أمام التأويلات حول تلك الدول وحجم وتأثير الدعم الذي ستقدمه.
وأكد خلال لقاء جمعه بمحافظ البنك المركزي مروان العباسي “إيمانه بالقدرة على تجاوز العقبات بفضل إرادة الشعب وأيضا الوقفة الصادقة للدول الشقيقة والصديقة لسدّ الإختلالات في التوازنات المالية ومساعدة تونس على الوفاء بالتزاماتها المالية الداخلية والخارجية”.
ويرى خبراء اقتصاديون في تونس أن الوضع المالي الصعب الذي تشهده البلاد حتم على الرئيس سعيّد اللجوء إلى طلب دعم دول إقليمية بعثت برسائل بشأن استجابتها له.
وقال الخبير الاقتصادي عزالدين سعيدان إن “هناك استحقاقات كبيرة للدّيْن الأجنبي بالنسبة إلى تونس في هذه المرحلة قبل نهاية هذه السنة، وتونس لا تمتلك الموارد المالية الضرورية لمجابهة هذه المستحقات بشكل عادي، وإذا لم تسدد مستحقاتها في الوقت المطلوب فإنه قد يتم استدعاؤها إلى ما يسمى بنادي باريس بما تنطوي عليه الخطوة من مخاطر تطال حتى السيادة الوطنية”.
وتابع سعيدان في تصريح لـ”العرب” أن “هناك مستحقات يجب أن نواجهها خلال الأيام الثلاثة المقبلة وهي سداد 500 مليون دولار يوم الخامس من أغسطس وهي بضمان من الولايات المتحدة، وإذا لم تتمكن تونس من الدفع فإن واشنطن ستضطر للدفع مكانها وهو حدث سيء ستكون له تداعيات”.
واستدرك “لكن ما تم اقتراحه تم التجاوب معه سريعا من طرف الرئيس سعيد من خلال الاتصال برؤساء وملوك الدول الصديقة والشقيقة الذين استجابوا لتعبئة أموال سواء في صورة قروض أو هبات أو ودائع في البنك المركزي حتى تتمكن تونس من طمأنة الجهات المانحة دوليا”.
ويأتي ذلك في وقت يترقب فيه الشارع التونسي إعلان الرئيس سعيد عن خارطة الطريق للمرحلة المقبلة بعد أن علق عمل البرلمان وأقال الحكومة برئاسة هشام المشيشي ورفع الحصانة عن النواب في خطوة وصفتها حركة النهضة الإسلامية بالانقلاب فيما أيدتها أطراف سياسية أخرى.

ويرى مراقبون أن إنجاح المرحلة الانتقالية يبقى رهين تحقيق تعافٍ اقتصادي خاصة أن الأوضاع المأزومة هي التي قادت الشارع في تونس إلى الانتفاض ضد الطبقة السياسية الحاكمة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية.
واعتبر المحلل السياسي باسل الترجمان أن “مؤسسات مالية كبرى في العالم ودول شقيقة ستدعم تونس في المرحلة المقبلة وهو ما يعكس حجم الثقة بالخطوات التي اتخذت وعلى أهمية القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية لإنقاذ الدولة التونسية من الانهيار التي أوصلتها إليها منظومة الحكم السابقة الفاشلة”.
وأوضح الترجمان في اتصال هاتفي مع “العرب” أن هناك دعما دوليا كبيرا رغم محاولة العديد من الأطراف استغلال العلاقات الخاصة للإساءة إلى تونس، لكن هذه المحاولات فشلت، وهناك نجاح كبير بفضل الاتصالات المباشرة التي قامت بها رئاسة الجمهورية، وفق قوله.
وأضاف أن “هذا الدعم المرتقب سيساهم في تجاوز تونس لأزمتها المركبة خاصة أن كافة الدول أدركت أن عليها دعم إرادة الشعب التونسي عكس ما روجت له أطراف أخرى على أنه انقلاب”.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه تونس أزمة اقتصادية حيث ارتفع العجز المالي والدين العام بشكل حاد في العام الماضي نتيجة الوباء، وتجري الحكومة مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض.
ومنذ تعليقه أعمال البرلمان وإقالة الحكومة في الخامس والعشرين من يوليو الماضي بعد مظاهرات حمّلت الطبقة السياسية مسؤولية الأزمة التي تعرفها البلاد، ركز الرئيس سعيّد جهوده على الشأن الاقتصادي ما يشي بأن الأولوية في المرحلة المقبل ستكون للاقتصاد المتعثر.
والأسبوع الماضي دعا الرئيس التونسي البنوك إلى التخفيض في أسعار الفائدة قائلا إن هذه الإجراءات مطلوبة للمساعدة في تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
وقال لدى لقائه ممثلين عن البنوك إن “أناسا فاسدين تركوا البلاد على شفا الإفلاس”، مضيفا في اجتماع مع رئيس الجمعية المهنية التونسية للبنوك والمؤسسات المالية وعضوين بالجمعية “أدعوكم إلى الوقوف في نفس الجبهة مع الشعب التونسي وذلك عبر الحطّ قدر الإمكان من نسب الفائدة المعمول بها”.
كما دعا سعيّد في وقت سابق إلى استئناف إنتاج الفوسفات وهو ما تمت الاستجابة إليه سريعا حيث نُقلت شحنات فوسفات لأول مرة منذ سنوات حيث تضرر القطاع كثيرا بسبب تعطيل عملية نقله بواسطة القطار جراء الاعتصامات.
وكانت تونس في السابق واحدة من أكبر دول العالم إنتاجا للفوسفات المستخدم في تصنيع الأسمدة لكن حصتها السوقية تراجعت بعد انتفاضة عام 2011.