دعاء إبراهيم: على النقاد التوقف عن كتابة المقالات

الكاتبة المصرية دعاء إبراهيم ترى أن الغرائبية في أعمالها أصدق في التعبير عن الواقع المحيط بالإنسان بكل ما فيه من غرابة من أي تصور.
الجمعة 2020/10/02
الأدب يطرح الأسئلة ويقدم الإجابات معا

تبدو الحكايات المُدهشة نموذجا جديدا لتقديم سرد مُتميز لافت في سوق أدبي مُزدحم بكتابات لا حصر لها، ما يجعل الانتقاء منها صعبا ومعرفة الغث من الثمين مستحيلا. والكثير من الأدباء يتجهون إلى تجريب مناطق جديدة ومختلفة لاستمالة القراء. وبعضهم يتجه مثلا إلى الفانتازيا على غرار الكاتبة المصرية دعاء إبراهيم، التي التقتها “العرب” في الحوار التالي.

تجد بعض الأصوات الجديدة في الغرائبيات، وكسر الواقع، والخروج عن نطاق السرد التقليدي، ضرورة للوصول إلى عقل القارئ وكسب شغفه، والتدليل على الموهبة الفذة والتفرد الحقيقي.

ودعاء إبراهيم واحدة من أصحاب الإطلالات غير التقليدية في السرد العربي، حيث تميل رغم قلة أعمالها وحداثة سنها إلى الخروج من القوالب المعتادة للرواية والقصة، وتجاوز كافة الحدود، والتحرر من القيود في ظل تكرار ونمطية الكثير من الأعمال الأدبية الحديثة.

الواقع والخيال

صدرت لدعاء إبراهيم مؤخرا عن دار “إيبيدي” بالقاهرة رواية جديدة بعنوان “ست أرواح تكفي للهو”، كما صدرت لها من قبل مجموعة قصصية بعنوان “نقوش حول جدارية”، ومتتالية قصصية بعنوان “جنازة ثانية لرجل وحيد”، التي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة ساويرس للأدب في دورتين متتاليتين، وكانت سببا في تعرف جمهور القراءة عليها، فضلا عن رواية أخرى بعنوان “لآدم سبع أرجل”.

وتعمل الكاتبة طبيبة، وتقيم في مدينة الإسكندرية، شمال القاهرة، وهي من مواليد سنة 1988، وتخرجت في كلية الطب منذ تسعة أعوام.

إبحار بالسرد إلى فضاءات المهمشين غير الطبيعيين
إبحار بالسرد إلى فضاءات المهمشين غير الطبيعيين

تقول دعاء إبراهيم لـ”العرب”، إنها تميل إلى الغرائبية في أعمالها، لأنها تراها أصدق في التعبير عن الواقع المحيط بالإنسان، الذي يعتبر في بعض الأحيان أكثر غرائبية من أي تصور.

هناك هاجس يدفعها إلى التجريب والتركيز على صناعة الدهشة، وتقديم المحاولة تلو الأخرى في هذا الشأن، هروبا من العبارة الموجعة التي تتردد على ذهنها كثيرا للشاعر الراحل محمود درويش: “قيل ما سأقول” تدليلا على تكرار الإبداعات، أو توقعها.

ويطرح ذلك لديها وعند جيل واسع من المبدعين وقراء الأدب السؤال الهام البسيط عما يُمكن تقديمه لقارئ سريع الملل، قليل الصبر، يكره القصص المكررة والمعتادة، والمتعة لا تولد إلا في ظل تطور واختلاف ومغايرة لما هو معروف، والذائقة لا تنتعش إلا بإطلالات أكثر إدهاشا.

ورأى بعض النقاد أن رواية الكاتبة الأحدث “ست أرواح تكفي للهو” تمثل إبحارا بالسرد إلى فضاءات المهمشين غير الطبيعيين، لكنها تقول لـ”العرب” إن اتساع سماء الدهشة في العالم جعل من المهمشين أناسا طبيعيين، فبطل الرواية مريض نفسي يطرح تساؤلات حول العقل والجنون، لكن يبدو في حقيقة الأمر أن الجميع مثله دون أن يدري أحد.

إذا كان البعض يرى في كتابات دعاء إبراهيم تأثرا بالغا بكتابات فرانز كافكا، فهي ترى أن ذلك ليس مقصودا بقدر ما هو بحث عن سحر جديد يُمكن أن يكون مدهشا، ففي روايتها “لآدم سبع أرجل” حاولت الكاتبة تخيل ما الذي يجعل رجلا مثل “جريجور” بطل رواية “المسخ” لكافكا يستيقظ في الصباح ليجد نفسه حشرة دون مقدمات مسبقة، ويتعايش مع الأمر بصورة عادية، ودفعها ذلك إلى أن تتساءل كيف كانت حياته قبل التحول؟ وهل كان هناك صراع داخلي حول هويته قبل أن يستسلم لهذا التحول؟

تشير الأديبة المصرية إلى أن حياتنا تجعلنا أشبه بحشرات ضئيلة كل ما حولها كبير، وهو ما يدفع الإنسان ليصبح في النهاية أشبه بحشرة.

وتؤكد أن فكرة الانمساخ فكرة قديمة قدم الميثولوجيا الإغريقية، حيث كان الانمساخ بمثابة عقاب الآلهة للمخطئين، فعلى سبيل المثال تحوّل نرسيس -ابن الإله- في الأسطورة اليونانية الشهيرة إلى زهرة نرجس، وفي الأديان أيضا كان المسخ بمثابة العقاب.

جاء طرحها الجديد متمحورا حول السؤال عما إذا كان المسخ اختيارا حرا ورغبة صادقة في التحرر من الواقع ومن السجن، ومن الناس وقيودهم وأحكامهم، وما إذا كان الانمساخ قناعة وهوية؟

لا حدود للفانتازيا

تجريب وتركيز على صناعة الدهشة
تجريب وتركيز على صناعة الدهشة

لا ترى دعاء إبراهيم حدودا للفانتازيا المقبولة في الأدب، بل تتحفظ على المصطلح نفسه، وتلفت إلى أنه لا حدود لأي شيء في الأدب، فالكاتب في تصورها لا ينبغي أن ينشغل بتقبل أو تحفظ الجمهور على ما يطرحه من أفكار غير معتادة.

 وأوضحت الكاتبة في حوارها مع “العرب” أن مهمتها ككاتبة أن تجد خلقا فنيا، ولا يعنيها تقبل أو رفض ذلك المخلوق الفني، فربما ينبت لون إبداعي جديد في غير أوانه، فيستغربه الجمهور ويرفضه ثم يحتفي به ويعيد اكتشافه، وليس أدل على ذلك من مسرح العبث الذي لم يكن متقبلا لزمن طويل، ثُم اعتبره النقاد فيما بعد مُدهشا ومبهرا ومستحقا لكل تقدير.

وفي تصورها، أن الأدب يطرح الأسئلة ويقدم الإجابات معا، قائلة “أعتقد أن الأعمال التي تعنى بالإجابات فقط أعمال سطحية، لأن الحياة بأكملها لا تقدم إجابات، وعلى كل شخص أن يجد إجاباته عن الأسئلة التي يطرحها على نفسه، فلا توجد حقيقة واحدة، ونحن من نصنع الحقائق وفقا لقناعاتنا، ولا توجد إجابة واحدة شافية لما يؤرقنا”.

حول اختيار عناوين أعمالها التي يراها البعض غريبة مثل نصوصها، تقول لـ”العرب” “إن العنوان يمثل تحديا صعبا للغاية لدى المبدع، وهو عتبة النص الأولى. ومن المنطقي إن كان النص غريبا أن يكون العنوان غريبا”.

وتضيف “هناك نصوص لمعت عناوينها في ذهني أثناء كتابة النص. وبعض العناوين كانت تطرح بعد مناقشات مع الناشر والأصدقاء وبعد شهور من انتهاء العمل”.

 وترى دعاء إبراهيم أن حركة النقد الأدبي في العالم العربي تحتاج إلى المزيد من الجهد لمواكبة هذا الكم الهائل من الأعمال التي تصدر كل عام، فالسوق الأدبية مزدحمة بالفعل بأعمال لا حصر لها لكتاب غير معروفين، ويصعب لأي ناقد الإلمام بها جميعا، فحركة النقد قد تكون موجودة، لكن بشكل محدود للغاية، ما يدفع إلى الاشفاق أحيانا على النقاد أمام كل هذه الإصدارات.

كما أن اتساع منصات التواصل الاجتماعي وتطور التكنولوجيا الحديثة يزيدان من الضغط على النقاد، فليس شرطا أن كل ما يعجب الجمهور ويشيد به يمثل طرحا مقبولا لدى النقاد، وهناك أعمال أدبية عديدة تلفت النظر لأسباب قد لا تتعلق بالأدب ذاته مثل السياسة أو الظواهر الاجتماعية العابرة.

وتتابع الأديبة المصرية “ينبغي على الناقد الخروج من كتابة المقالات التقليدية كوسيلة شبه وحيدة للتعبير، ولا بد لحركة النقد أن تصل إلى القارئ عبر وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الفيديوهات أو اللقاءات المباشرة، وليس فقط من خلال الأعمال والمقالات المقروءة”.

وترى أن لغة الروائي تعتمد على الموهبة وتراكم الخبرات والقراءة ومحاولات التجديد والتجريب ومعاصرة المبدع لمفردات عصره ولغته.

الجوائز وتأثيرها

صراع داخلي حول الهوية
صراع داخلي حول الهوية

 تشدد دعاء إبراهيم على أن الجوائز الأدبية لها دور مهم في الإشارة إلى الأعمال الجيدة وزيادة قراء كل عمل، مع ذلك قد تتسبب في حصر الأدب في الأعمال التي تفوز بجوائز وفقا لآراء لجان التحكيم، ما يُمثل توجيها للفن الأدبي، وهو غير مطلوب في ظل اعتبار التحرر أساس الإبداع.

وحول العلاقة بين مهنة الطب والأدب، ورأيها في ظهور الكثير من الأدباء والمبدعين من رحم مهنة الطب، تقول لـ”العرب” “قد لا يعني ذلك أمرا بعينه، لكن مهنة الطب عموما قاسية وضاغطة وربما الأصعب بين كافة المهن، خصوصا مع اتساع علم الطب وتطوره يوما بعد آخر، ففي كل عام تخرج أبحاث تلغي ثوابت قديمة أو تجددها وعلى الطبيب متابعة ذلك”.

وتلفت إلى أن “الإبداع أمر بالغ الصعوبة مع ساعات العمل الطويلة، لكن ربما أبرز الطب عن غيره لأنه مهنة إنسانية في المقام الأول، وتكشف لنا مع الوقت الضعف البشري أمام ثنائيات الموت والحياة، وتضع الطبيب في مواقف قد لا يتعرض لها غيره، ودون شك مواقف شديدة الخصوصية والتعقيد”.

ومن أهم شواغلها كمبدعة، أن تطور لغتها، سرديا، وإبداعيا، وتمنح مساحة أكبر للأدب في حياتها، فلديها الكثير الذي تستطيع تقديمه للقارئ، وهي مشغولة بجوانب عديدة تمثل نقاطا مضيئة في مجال الإبداع.

15