دستور تونس الجديد يؤسس لدولة القانون

يتطلع التونسيون إلى الدستور الجديد لسد الثغرات الخطرة التي تضمنها دستور 2014، والتي أدت بالبلاد إلى حالة من الانسداد، ويراهن الكثيرون على أن يكون الدستور الذي تجري صياغته انطلاقة فعلية لتونس على صعيد تكريس أسس الممارسة الديمقراطية الحقيقية التي تنهض بالبلاد وليس ديمقراطية زائفة شرعنت للفساد.
تونس- حمل مشروع الدستور التونسي الجديد قبل أيام من عرضه على الرئيس قيس سعيد، تساؤلات لدى الشارع بشأن حقيقة تكريسه لدولة القانون والمؤسسات واحترام النصوص التشريعية، كما أثار جدلا حول مسألة التوازن بين السلطات، فضلا عن دلالات “الرئيس الذي سيكون أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية”.
وأكّد رئيس الهيئة الاستشارية المكلفة بصياغة الدستور الصادق بلعيد السبت أنه سيسلم مشروع الدستور الجديد للرئيس سعيد يوم الاثنين المقبل مضيفا أن “دستور قرطاج سيكون ديمقراطيا”.
وكان بلعيد، أستاذ القانون السابق، صرح في وقت سابق أن “الدستور سيكون فيه الرئيس أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية”.

رابح الخرايفي: يمكن للبرلمان عزل الرئيس عبر المحكمة الدستورية
وأوضح في تصريح للقناة الوطنية الرسمية أن “الرئيس في الدستور الجديد ستكون له مهمة اختيار وتعيين رئيس الحكومة، التي ستصبح بدورها هيئة حُكمية لتقديم المبادرات ومهمتها ليست تنفيذية”.
وقال بلعيد إنه “لا داعي لإدراج الهيئات الدستورية والمحكمة الدستورية (المعنية بمراقبة مشاريع تعديل الدستور، والمعاهدات ومشاريع القوانين) في الدستور”.
وفسّر خبراء القانون مسألة التوازن بين السلطات بعدم تكريس نظام “دكتاتوري” يجمع السلطات في يد شخص واحد، أو الاستفراد بصناعة القرارات السياسية في السلطة، مؤكّدين على ضرورة الرقابة وضمان مبدأ دولة القانون والمؤسسات.
وقال رابح الخرايفي، أستاذ القانون الدستوري والنيابي، إن “المقصود بالتوازن بين السلطات، هو ألاّ تستفرد السلطة التنفيذية بجميع الصلاحيات، وهناك تقسيم وظيفي داخلي متوازن، أي هناك جسم قضائي سيقوم بمهمته من حيث الحكم والرقابة، والهيئة التشريعية لتشريع القوانين”.
وأكّد في تصريح لـ”العرب” أن ” التوازن يعني أنه يمكن أن تكون لرئيس الجمهورية إمكانيات لحلّ البرلمان، وكذلك يمكن أن تكون للبرلمان إمكانية عزل رئيس الجمهورية عبر المحكمة الدستورية”.
وبخصوص دلالات أن يكون الرئيس أعلى من الهياكل الدستورية والحزبية، أوضح الخرايفي أن “الطرح مغلوط، وبكل بساطة هو تأويل غير دقيق، والمقصود بذلك أن الرئيس سيحافظ على مكانة السلطة التنفيذية، وهو الضامن لاستمرارية مؤسسات الدولة بعدم اختراقها، وهذا مؤشر من مؤشرات النظام الدستوري”.

باسل الترجمان: التوازن بين السلطات سيوجد من خلال تحديد الأدوار والصلاحيات
ومن المنتظر أن يتولى رئيس الدولة في الدستور الجديد، اختيار وتعيين رئيس الحكومة إثر الانتخابات، وليس الحزب الفائز بالأغلبية البرلمانية مثلما كان معمولا به في الدستور السابق الذي أقر في العام 2014.
وفي هذا الصدد، أوضح بلعيد أن الحكومة ستصبح على شكل “هيئة حكمية” لتقديم المبادرات والمراقبة، ومكلفة بالنظام الاقتصادي، وفي حال فشل الرئيس في اختيار الشخصية التي ترأس الحكومة، يمكنه تعيين شخصية ثانية لإدارتها، لكن إذا فشل في المرة الثانية فسيتخلى عن منصبه ويغادر الحكم”.
وحسب بلعيد، سيحافظ البرلمان على دوره التشريعي، فضلا عن إلغاء الهيئات التي تم إحداثها سابقا مقابل إحداث هيئات دستورية جديدة متوازنة.
ويرى مراقبون أن التوازن بين السلطات سيقطع آليا مع ممارسات العشرية الماضية التي غذّت الفساد، وسيؤسس لنظام جديد يضمن توزيع الصلاحيات والأدوار.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان أنه “لا يمكن لأحد أن يكون فوق السلطات، والمهم هو أن يكون هناك توازن بين السلطات وقطع تام مع منظومة الفساد التي جاء بها دستور 2014 وأدت إلى الخراب”.
وقال الترجمان في تصريح لـ”العرب”، “هناك مطالب حقوقية تدعو إلى عدم الخلط بين السلطات، لأننا شاهدنا في السابق حكومات تحكم وتمارس كل الصلاحيات ثمّ تقول إنها ليست مسؤولة، ومن ثمّة وجب تكوين أسلوب جديد يؤدي إلى تسيير حقيقي للسلطات”.

زهير حمدي: الدستور الجديد سيضمن وحدة السلطة التنفيذية
وأضاف الترجمان “هذا التوازن بين السلطات سيوجد من خلال تحديد الأدوار والصلاحيات وليس عبر الخلط والفوضى”، مفسّرا المقصود من الرئيس فوق السلطات بمعنى أن “الدستور الجديد سيتضمّن التنصيص على النظام الرئاسوي وليس أن يكون فوق المحاسبة أو فوق القانون أو محاولة لفرض نظام دكتاتوري”.
وتقول أطراف سياسية مشاركة في الحوار الوطني إن الدستور الجديد سيكرّس الممارسة الديمقراطية، وسيقطع مع ما جاء في دستور 2014 الذي كان قائما على تقاسم السلطة بين مكوّناتها وفق ترضيات ومصالح سياسية.
وأكّد زهير حمدي الأمين العام للتيار الشعبي (قومي) الذي شارك في الحوار الوطني، أنهم “دافعوا عن وجهة النظر التي تحث على التوازن بين الدولة التي تلعب دورا تعديليا واستراتيجيا وبين السوق الذي يجب أن يبتعد عن الفساد، فضلا عن التكامل بين القطاعين العام والخاص وعلى الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للفئات المهمشة”.
وأضاف حمدي في تصريحات إعلامية أنهم ” شددوا خلال نقاشات الحوار الوطني على ضرورة إقامة شراكات اقتصادية مع قوى جديدة صاعدة وعلى أن التنمية يجب أن تكون مستقلة غير تابعة للمنظمات المالية المانحة”، معتبرا أن “الدستور الجديد سيبني ويؤسس للمستقبل وأنه ليس من مصلحة سعيد أن يخلق وفقه نظاما دكتاتوريا أو دستورا يكرس للاستبداد”.
واستطرد “الدستور سيضمن وحدة السلطة التنفيذية والتوازن بين السلطات والحقوق والحريات كما سيضمن النظام الديمقراطي وفقا لنظام رئاسي”.
الرئيس في الدستور الجديد ستكون له مهمة اختيار وتعيين رئيس الحكومة، التي ستصبح بدورها هيئة حُكمية
وفي وقت سابق قال رئيس الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور “الجمهورية الجديدة” إنه “سيعرض على الرئيس قيس سعيّد مسودة لدستور لن تتضمن ذكرا للإسلام دينا للدولة، بهدف التصدي للأحزاب ذات المرجعية الإسلامية على غرار حركة النهضة”.
وينص الفصل الأول من الباب الأول للمبادئ العامّة لدستور العام 2014 أن “تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.
وفي الرابع من يونيو الجاري انطلقت في تونس جلسات الحوار الوطني بدعوة من الرئيس سعيد، تمهيدا لتنظيم استفتاء على دستور جديد في الخامس والعشرين من يوليو القادم، بهدف الخروج من الأزمة السياسية في البلاد.