دخول باريس على خط مرحلة انتقالية في الجزائر يثير ردود فعل غاضبة

الجزائر- أخذ ترويج باريس لمرحلة انتقالية سياسية جديدة في الجزائر أبعادا مثيرة، لاسيما بعد دخول سفيرها بالجزائر في اتصالات مع شخصيات وجمعيات ووسائل إعلام، التي اضطلعت بإطلاق بالون الاختبار خلال الأيام الأخيرة، بغية سبر ردود فعل الشارع والطبقة السياسية، خاصة وأن غياب الرئيس عبدالمجيد تبون بات مقلقا ومنذرا بأزمة سياسية في البلاد.
ودخل السفير الفرنسي في الجزائر، فرانسوا غويات، في سلسلة اتصالات غير معلنة مع شخصيات وجمعيات ووسائل إعلام محلية، لم يعلن عن مضمونها لكنها صبت في وعاء بلورة مرحلة انتقالية سياسية في البلاد، بحسب الإشارات المتداولة في بعض الدوائر الضيقة.
وجاء النشاط المشبوه للسفير الفرنسي في أعقاب التصريح المثير للرئيس إيمانويل ماكرون لمجلة “جون أفريك” حول دعمه للرئيس تبون في المرحلة الانتقالية في الجزائر، وهو ما اعتبر مؤشرا على تحول لا زال مبهما، لكنه يرجح فرضية سيناريو العودة إلى مرحلة انتقالية في الجزائر، بعد فراغ ستتركه استحالة عودة الرئيس عبدالمجيد تبون إلى مهامه الدستورية بعد الوعكة الصحية التي ألمت به منذ الـ15 أكتوبر الماضي.
وتحدث متابعون للشأن الجزائري عن دخول البلاد في مرحلة ما بعد تبون، نظرا لمعطيات تشير إلى استحالة عودته الطبيعية إلى ممارسة مهامه في قصر المرادية، حيث لا زال الغموض يكتنف وضع الرجل إلى حد الآن، رغم أن الإعلام الرئاسي يتحدث في كل مرة عن “تماثل الرجل للشفاء ومغادرته المستشفى ودخوله في مرحلة نقاهة، تحسبا لعودته قريبا إلى البلاد”، وتم طرح عدة سيناريوهات في الأفق الجزائري.
وصرح الخبير الدستوري المتعاطف مع الحراك الشعبي، رضا دغبار، عن ثلاثة سيناريوهات متداولة لدى السلطة الفعلية في البلاد، ويقصد بها المؤسسة العسكرية التي فرضت المسارات السياسية التي أعقبت تنحي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة عن السلطة في مطلع أبريل 2019، بضغط من قيادة الجيش.
وذكر “السيناريو الأول، ويتمثل في تفعيل البند الدستوري 102 لمعالجة الشغور الرئاسي، بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، لكن العائق هو غياب الإجماع حول مرشح معين للسلطة. أما السيناريو الثاني فيتمثل في تكرار سيناريو الرئيس السابق، وإدارة البلاد خلف الستار باسم الرئيس تبون، لكنه خيار يصعب تنفيذه بسبب عدم اقتناع الرأي العام الداخلي والشركاء الكبار للجزائر. في حين يتمثل السيناريو الثالث في بلورة مرحلة انتقالية بمساعدة باريس لربح المزيد من الوقت إلى غاية العثور على مرشح يساهم في امتصاص الفجوة مع الشارع ونيل رضا شركاء الخارج”.
ولا يستبعد محللون أن يكون طرح المرحلة الانتقالية المتداول في الآونة الأخيرة، ودخول باريس على خط الترويج لها، قد تم بالتوافق بين الطرفين، غير أن حساسية العلاقات الجزائرية – الفرنسية بدأت في إفراز ردود فعل ومواقف رافضة لأي تدخل فرنسي في الشؤون الداخلية للبلاد، ولم تصدر من طرف مؤسسات رسمية أو شبه رسمية، كما كان الشأن مع لائحة البرلمان الأوروبي، إلا أن انحدار أصحابها من أحزاب سياسية موالية للسلطة، كالتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة التحرير الوطني، يؤشر على أن المسألة لن تكون بالسهولة التي يتصورها دعاة المرحلة الانتقالية.
وذكرت النائبة عن دائرة الجالية الجزائرية بأفريقيا والعالم العربي، أميرة سليم، في تدوينة لها في حسابها الرسمي على فيسبوك، بأن “السفير الفرنسي يستغل فراغ حياتنا السياسية لنشر الفوضى والتحريض.. لا للمرحلة الانتقالية مهما كان الثمن، والبرلمان سيقف له بالمرصاد”.
وأضافت “السفير يقوم باستقبال المروجين للمرحلة الانتقالية في مقر سفارته تحت حجة دعم حق التعبير السياسي الحر والدفاع عن حقوق الإنسان، وأطالب باستدعاء السفير الفرنسي من قبل وزير الخارجية والاحتجاج على سلوكه غير المقبول، ويجب أن يفهم أن الجزائر ليست جمهورية من جمهوريات الموز”.
وفي سياق متصل، قال النائب السابق عن جبهة التحرير الوطني، كمال بن العربي، في تغريدة “لفت انتباهي حديث متكرر لوسائل الإعلام نقلا عن جهات سياسية بوجود تحركات مشبوهة ولقاءات سرية مع أطراف سياسية وإعلامية للسفير الفرنسي الجديد بالجزائر”.
وأضاف “أطالب السلطات بمن فيها وزير الخارجية بالتدخل والتحقق من هذه المعلومات وتفاصيلها، لأن هذه القضية يجب ألا تمر مرور الكرام، فالأمر يتعلق بسيادة الدولة الجزائرية غير القابلة للمساس”.
ويبدو أن التصورات السياسية في الجزائر تتضارب حول المرحلة الانتقالية، ففيما كانت مرفوضة من طرف السلطات التي خلفت نظام الرئيس السابق بوتفليقة، وتمسكها حينذاك بالمخارج الدستورية للأزمة، باتت الآن أحد الخيارات المطروحة لدى السلطة ولو جزئيا، في حين كانت أحد مطالب المعارضة السياسية، لكنها الآن لم تبد أي موقف منها.