دبلوماسية تونسية نشطة في دافوس بحثا عن دعم خارجي

تونس - شكلت الدورة الثالثة والخمسين لمنتدى دافوس الاقتصادي التي اختتمت فعالياتها الجمعة فرصة لرئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن لإجراء مباحثات مع قادة دول ومسؤولين في المؤسسات المالية الكبرى، في سياق البحث عن دعم مالي.
وتواجه تونس أزمة مالية واقتصادية خانقة، وهي تسعى للحصول على تسهيلات للاقتراض من صندوق النقد الدولي من أجل تجاوز هذه الأزمة في ظل انعدام الخيارات. وحمل لقاء رئيسة الحكومة التونسية بالمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا في دافوس أهمية خاصة، وسط حديث عن تفاهم لتسهيل حصول تونس على قرض مالي.
وتعوّل تونس على موافقة الصندوق على منحها قرضا بقيمة 1.9 مليار دولار لإصلاح توازناتها المالية وتمويل ميزانيتها وفتح الآفاق لإبرام اتفاقات مالية مع أطراف مانحة أخرى، مقابل الالتزام بحزمة إصلاحات تشمل نظام الدعم والمؤسسات العمومية المتعثرة والتحكم في كتلة الرواتب وغيرها من الإصلاحات الأخرى.
ووصفت بودن اللقاء بـ"الإيجابي"، حيث نوّهت المسؤولة الأولى عن هيكل التمويل الدولي بالتمشي والإصلاحات التي انخرطت فيها الحكومة التونسية.
وأوردت وكالة الأنباء التونسية أن المديرة العامة لصندوق النقد الدولي أكدت أنها "ستواصل دعم مسار التفاوض مع تونس إلى حين التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين". وقالت إنها "تتفهم الصعوبات التي تواجه تونس والناجمة، في آن واحد، عن جائحة كوفيد - 19 والحرب الروسية - الأوكرانية"، مشيدة "بقدرة البلاد الكبيرة على الصمود إزاء هذه التحديات الكبرى".
كما أظهرت جورجيفا تفهمها لاهتمام الحكومة التونسية بمراعاة الوضع الحالي في البلاد والسلم الاجتماعي عند تنفيذ الإصلاحات. ويشكك مراقبون في جدوى اللقاءات التي أجرتها بودن في دافوس، واصفين محاولات الحصول على وعود من أجل الدعم المالي بـ"المحدودة جدا".
وحذر الناشط السياسي المنذر ثابت من أن "الملف التونسي يتدرج نحو نادي باريس"، مضيفا أنه كان "من المفروض أن تكون لدينا قدرة على الإقناع بالاستثمار الاقتصادي في تونس، ولكن ليس لدينا صورة جيدة لإقناع المستثمرين، وبالتالي علينا ألاّ ننتظر معجزة".
واعتبر ثابت في تصريحات لـ"العرب" أن "الذهاب إلى سويسرا فيه محاولات محدودة لطلب الدعم، وقد يحصل الوفد التونسي على بعض الدعم في إطار البيئة أو تشجيع الشباب على الاستثمار الخاص”، لافتا إلى أن “دعوة الرئيس سعيد للوفد بالمصارحة بواقع تونس المالي والنقدي فيه طلب للمساعدة المالية".
وقالت الرئاسة التونسية في بيان نشرته بصفحتها الرسمية على فيسبوك إن الرئيس قيس سعيّد أكد على أنه لا يمكن مقاربة الوضع المالي في تونس على أساس الأرقام والنسب فحسب، وأنه "لا بدّ من أخذ الأوضاع الاجتماعية بعين الاعتبار في المقام الأول باعتبار أن للذوات البشرية حقوقا يجب على الدولة ضمانها على غرار الحق في التعليم العمومي والشغل الذي يحفظ الكرامة والسكن والنقل وغيرها من الحقوق المضمونة في الدستور وفي المواثيق العالمية والإقليمية والتي لا تخضع لمنطق الربح والخسارة كأسهم الشركات التجارية".
وأشارت الرئاسة في بيانها إلى أن سعيّد أوضح أن "التوازنات المالية التي تنشدها كلّ الدول لا تقوم فقط على مقاييس المداخيل والنفقات وإنما أيضا على قاعدة العدل الاجتماعي مثلما ينصّ على ذلك دستور 25 يوليو 2022". وتصطدم حكومة بودن برفض من الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) المعارض لوثيقة الإصلاحات التي قدمتها الحكومة إلى صندوق النقد الدولي.
وناقش المجتمعون في المنتدى الذي انعقد بسويسرا برنامجا متعدد العناوين أبرزها ملفات التضخم والطاقة والغذاء وتغير المناخ، إلا أن الطابع السياسي لم يغب عن المنتدى وسط أزمات صحية واقتصادية وأمنية أثرت على سلاسل الإمداد الغذائية جراء حرب أوكرانيا وارتفاع أسعار السلع وتعقد المشهد السياسي في العالم وما رافقه من تصعيد بين موسكو والغرب.
ويقول خبراء اقتصاد إن مشاركة تونس في منتدى دافوس كان يجب أن يسبقها توصّل الأطراف السياسية والاجتماعية إلى موقف موحّد في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي. واعتبر هؤلاء أن تعثر المفاوضات مع مرور الوقت من شأنه أن يزيد من انسداد الأفق أمام تونس وتعميق أزمتها الاقتصادية.
وقال أستاذ الاقتصاد رضا الشكندالي إن "منتدى دافوس هو منتدى تنافسي ويجمّع حوله بلدانا وعددا من المستثمرين الكبار للإقناع بفكرة الاستثمار في البلدان". وأوضح الشكندالي في تصريحات لـ"العرب" أن "مشكلة تونس الأساسية أنها لم تتفق نهائيا مع صندوق النقد الدولي من أجل إقراضها، والصندوق يطلب حزمة من الإجراءات تختلف الأطراف التونسية على تنفيذها، وبالتالي الحلّ في الداخل وليس خارج تونس".
وتساءل الخبير الاقتصادي "إذا كان المستثمرون في تونس لا يقبلون على بعث المشاريع والاستثمار بسبب الضبابية السياسية والتعقيدات البيروقراطية، فكيف للاستثمار الخارجي أن يجعل تونس وجهة حقيقية؟".
واستطرد "الموافقة من صندوق النقد الدولي لإقراض تونس هي ما يعطي إمكانية التعاون بين الدول لمساعدة البلاد، لكن المناخ السياسي والاجتماعي طارد للاستثمار، وتونس تأخرت بـ60 مرتبة في ترتيب دافوس مقارنة بسنة 2010".
وقدّرت ميزانية تونس لسنة 2023 بنحو 70 مليار دينار (21 مليار يورو)، وهي تستند بشكل كبير على الرسوم والضرائب، إضافة إلى التداين من الخارج والداخل.