دار الإفتاء المصرية تبطل الزواج المبكر

مختصون يرفضون اقتصار محاربة الأمومة المبكرة على التحريم.
السبت 2024/04/06
مساوئ زواج الأطفال كثيرة

أبطلت دار الإفتاء المصرية زواج القاصرات وحرمته وغلظت العقوبات المرتبطة به لدواع عديدة منها أنه يسيء للمجتمع ويضر بصحة الفتاة ويجعلها تحمل لقب مطلقة وهي صغيرة. وقالت دار الإفتاء إن عقود زواج القاصرات باطلة لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج، وقد أصبحت المفاهيم المتشددة حول زواج القاصرات راسخة في أذهان أسر لا تعير الفتوى الرسمية اهتماما وتقر بتوثيق الزواج.

القاهرة - أعادت دار الإفتاء المصرية الجدل المجتمعي حول ظاهرة زواج القاصرات، بعد أن قامت بتصعيد نبرة الترهيب ضد العائلات التي ترفض التخلي عن الزواج المبكر، وأكدت أنه حرام شرعا، بقطع النظر عن أسبابه، لأن مفاسده أكثر من فوائده، ما أثار جدلا مجتمعيا تلقفته جماعات متشددة لا تمل التشكيك في الفتاوى الرسمية.

وقالت دار الإفتاء إن عقود زواج القاصرات باطلة، لعدم توافر الشروط والأركان الحقيقية للزواج، وتنطوي على آثار خطيرة تهدد استقرار الأسرة والمجتمع، “ولا يَزُج بابنته في مثل هذه المسالك إلا ساقط العدالة، وينبغي أن يعاقب فاعله وكل من سهله أو سعى لإتمامه”، وهي دعوة لتغليظ العقوبات المرتبطة بالزواج المبكر.

جاء موقف الإفتاء في سياق مساعي الدولة لمواجهة زواج القاصرات أو ما يعرف بـ”الأمومة المبكرة”، من منطلق أنها تسيء للمجتمع وتضر بصحة الفتاة وتجعلها تحمل لقب مطلقة وهي صغيرة، وقد تتعرض لخطر الموت بسبب الولادة المبكرة وضياع حقوقها في المستقبل، إذا انتهت العلاقة بالانفصال من دون توثيق الزواج.

استندت دار الفتوى في رأيها حول تحريم الأمومة المبكرة على أن “زواج الأطفال ثبت ضرره بصورة يقينية، ويمتهن الكرامة ويضيع الحقوق وبه سوء للمعاملة والمعاشرة، وما تستتبع ذلك من أضرار نفسية واجتماعية، وما يجره من تهديد للأمن الاجتماعي، كما يفرز أطفالا قد يلقون في الشوارع في بعض الحالات.

يمثل رأي أعلى هيئة إفتاء مصرية بشأن زواج القاصرات نقطة تحول في هذه النوعية من العلاقات الأسرية التي لا تزال تشكل ظاهرة داخل المجتمع، ولم تقم دار الإفتاء بتصعيد الترهيب إلى هذا الحد من قبل، وكانت هناك رؤى فقهية كثيرة تقر بمشروعية الزواج المبكر، طالما توافرت فيه شروط الإشهار والشهود.

بسبب فئة من دعاة الزواج المبكر أصبحت هناك مناطق بعينها في ريف مصر معروف عنها زواج الأطفال بعد وصولهم إلى سن الثالثة عشرة
بسبب فئة من دعاة الزواج المبكر أصبحت هناك مناطق بعينها في ريف مصر معروف عنها زواج الأطفال بعد وصولهم إلى سن الثالثة عشرة

تعني الفتوى أن الأمومة المبكرة في مجملها حرام وكل ما تترتب عنها من إجراءات مثل إنجاب الأبناء، ما تسبب في صدمة الكثير من الأسر التي تلجأ لزواج القاصرات لمبررات عدد، بينها ما هو ديني واجتماعي واقتصادي، حيث تلجأ الكثير من الأسر البسيطة لتزويج الفتيات مبكرا للخلاص من أعبائهن.

تكمن المعضلة في أن شيوخ السلفيين يهيمنون على الخطاب الديني في المناطق التي تنتشر فيها ظاهرة الزواج السري للقاصرات ويشجعون الأسر على قرار الترويج لمبررات من بينها أن الفتاة مكانها المنزل وليس التعليم، وتأخر سن زواجها قد يوقعها في الخطيئة، والدين دعا إلى تقديم مواعيد زواج الإناث دون ارتباط بمرحلة عمرية.

أصبحت المفاهيم المتشددة حول زواج الأطفال راسخة في أذهان أسر لا تعير الفتوى الرسمية اهتماما أو تخشى عقوبة القانون وتقر بتوثيق الزواج، بل إن بعض الزيجات يتم الاتفاق عليها شفاهيّا بدعوى أن الأصل في الزواج الإشهار، وأغلب أرباب هذه الأسر لم يتلقوا نوعا من التعليم، ويعيشون على الفطرة في تعاملاتهم الاجتماعية.

تبرر أصوات معارضة لتعميم التحريم والبطلان على كل عقود زواج القاصرات، مع اختلاف ظروف كل حالة، أن الأمر يحمل تحريضا ضد المتزوجين قبل بلوغهم السن القانونية، وهي ثمانية عشر عاما، والمفترض وجود مرونة فقهية في التعاطي مع الزيجات المبكرة وعدم مساواة الأطفال بمن تسمح أعمارهم بالزواج.

يرفض متخصصون في العلاقات الاجتماعية أن تكون مواجهة ظاهرة الزواج العرفي للقاصرات قاصرة على التحريم من خلال خطاب ديني يعتمد على الترهيب، مقابل إهمال المعالجات الفكرية والتوعية الثقافية، لأن استسهال حل قضية الأمومة المبكرة وتبعاتها المجتمعية عبر الفتاوى فقط يزيد الأزمة تعقيدا بسبب الاستقطاب الديني.

يدافع مؤيدون بأن الكثير من العائلات أسيرة للفتوى، وتتحرك وتتوقف حياة هؤلاء بمجرد صدور رأي ديني من مؤسسة رسمية، حتى أن أفعال وتصرفات وقرارات الكثير من الناس رهينة فتوى، وعلى دار الإفتاء أن تصعد المواجهة لتساعد الحكومة على الحد من زيجات الأطفال، فكل الحلول المطروحة لم تأت بنتائج مرضية.

دار الفتوى استندت في رأيها حول تحريم الأمومة المبكرة على أن زواج الأطفال ثبت ضرره بصورة يقينية، ويضيع الحقوق

من شأن دخول مؤسسة الفتوى ضمن الجهات التي تحارب تلك الظاهرة الأسرية الخطيرة، أن يحد كثيرا من إجبار الفتيات على الزواج المبكر، خاصة في البيئات التي يكون فيها رأي الأسرة الفيصل في الزواج، مثل المناطق الريفية والشعبية والبدوية، حيث تكون أكثر التزامًا دينيّا، ويمثل الخطاب الديني، منقذا للفتيات فيها.

وقد يجد الخطاب الديني الرافض كليا لزواج الأطفال آذانا صاغية عند شريحة من العائلات البسيطة التي تقدس الرأي الديني، لكنه سيواجه معضلة عند شريحة معتبرة من أرباب الأسر المعاصرين الذين ورثوا الزواج المبكر عن آبائهم كفكرة، ويؤمنون بحرية اتخاذ القرار بلا وصاية من الآخرين، سواء أكانوا أقارب أو رجال دين.

وإذا كان هؤلاء يهمهم الرأي الديني ويريدون إبرام عقود زواج قاصرات وفق الشريعة سيجدون آراء دينية من شخصيات فقهية تدعم خيار الأسر وتعتبر زواج الطفلة في سن صغيرة صحيحا، ومن الخطأ تحريمه وتجريمه والحكم ببطلانه، وهؤلاء كُثر وموجودون في مؤسسات دينية ووسائل إعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي.

أكد البرلماني السابق والباحث في شؤون العقائد وقضايا الإسلام الاجتماعي محمد أبوحامد أن الاكتفاء بالمعالجة الدينية لأزمة زواج القاصرات والحكم بعدم مشروعيته من السهل التشكيك فيه واختراقه برؤى مناهضة له، من أئمة أو شيوخ لهم جماهيرية طاغية، ويجب التحريم بحذر في المسائل التي عليها جدل مجتمعي.

وأوضح لـ”العرب” أن الحضور الديني القوي في قضايا الزواج الممنوعة قانونا أمر مطلوب، فالناس تبحث عن المشروعية في كل ما يسير أمورها الحياتية، ويجب أن يكون تحريم أي شيء بأسلوب مقنع للشريحة المستهدفة، مع تقديم أسانيد على أساسها تم الحكم بحرمانية الفعل، ومن دون ذلك سوف يفقد الخطاب الديني تأثيره.

الحكومة المصرية رفعت منذ حوالي عامين عقوبات الزواج المبكر إلى الحبس سبع سنوات لكل من يتورط في زيجة لقاصرة

يعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية أن المواجهة الناجزة مع ظاهرة الزواج المبكر لن تتم من خلال فتاوى التحريم والقوانين العقابية، إنما بتعاون المساجد والكنائس ووسائل الإعلام والمنظمات الأهلية والمؤسسات الثقافية والنسوية والمناهج الدراسية، فلا بديل عن محاصرة المجتمع بخطاب معاصر تجاه مؤسسة الزواج بعيدا عن فوبيا الحلال والحرام.

وينبي هؤلاء المتخصصون وجهة نظرهم على أن الحكم الديني ببطلان عقود زاوج القاصرات يضر بسمعة أبناء تلك الزيجات وضياع حقوقهم القانونية والاجتماعية، فكيف ينظر المجتمع إلى من نتجوا عن عقد زواج غير شرعي؟ ما يعني أن التهور في إصدار الأحكام الدينية لا يقود إلى حلول وقد يتسبب في تعقيدات مجتمعية خطيرة.

ولفت محمد أبوحامد في حديثه لـ”العرب” إلى أن الترهيب الديني يتم تجاهله كثيرا، في ظل وجود أصوات متشددة تهوّن من الفتوى الرسمية، وإذا كانت هناك حاجة لمواجهة زواج القاصرات، فالمطلوب إقرار عقوبات مشددة ضد من يحرضون الناس دينيا على الزواج المبكر، بدعوى السُترة وتنفيذ تعاليم الدين، لأنهم يدفعون المجتمع للتمرد على القانون.

ورفعت الحكومة المصرية منذ حوالي عامين عقوبات الزواج المبكر إلى الحبس سبع سنوات لكل من يتورط في زيجة لقاصرة، لكن تم إغفال الفئات المحرضة مجتمعيا، مثل المنتمين إلى جماعات متشددة تروج داخل المجتمع أن زواج الفتاة في سن صغيرة هو زواج السنة، ويحميها من الانحراف، وهو خطاب يتحدى الحكومة والفتوى.

وبسبب هذه الفئة من دعاة الزواج المبكر، أصبحت هناك مناطق بعينها في ريف مصر معروف عنها زواج الفتاة بعد وصولها إلى سن الثالثة عشرة، وقد يكون العريس مراهقا أو رجلا كبيرا، دون توثيق الزواج، وغالبا ما يكون المأذون الذي يشهد على الزواج داخل المسجد من المنتمين لتيار متشدد يجيز ما يسمى بزواج السنة.

يقود ذلك إلى أن أي سعي لحل أزمة زواج القاصرات لن يكتب له النجاح كلما استسهل اللجوء إلى رؤى فقهية، وكل جبهة مؤيدة أو معارضة لديها ما يعزز رأيها من نصوص دينية مصدرها التراث، فيما تقف الحكومة عاجزة عن إيجاد حل جذري للظاهرة، واكتفت بفرض عقوبات صارمة، مع أن القوانين لا تغير السلوكيات.

وإذا كانت الحكومة جادة في مواجهة الأمومة المبكرة والتعامل بصرامة مع الفئات التي تستسهل انتهاك البراءة، فالعبرة بمدى توافر الشجاعة والإرادة السياسية بإقرار عقوبات صارمة ضد رجال الدين المحرضين على ارتكاب الجريمة، وإلا ستكون المواجهة منقوصة، لأن البسطاء لا يهابون التشريع بقدر تأثرهم بفتاوى رجال الدين.

15