"خيط حرير".. دراما عن الانتقام تتوه في الحبكات الثانوية

مسلسل “خيط حرير” قدّم دراما عن الانتقام والخيانة الزوجية تتوه أحداثها مع الإفراط في استخدام الاستحضار الفني أو ما يعرف بتقنية “الفلاش باك”، التي خلقت تشويشا لدى بعض المشاهدين في التمييز بين الماضي والحاضر، وأثّرت على متابعة الحبكة الدرامية بصورة سلسة.
القاهرة- يعاني مسلسل “خيط حرير” للفنانة مي عزالدين، الذي تعرضه قناة “الحياة” المصرية حاليا، من مشكلة مزمنة، أساسها تركيز مخرجه إبراهيم فخر على التنقل بين الحاضر والفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية في 2008، بوتيرة متسارعة تخلق حالة من الالتباس لدى المشاهدين في تمييز واقع الأبطال وماضيهم القريب.
وتحوّل الاستحضار الفني إلى غاية وليس وسيلة لنقل الفكرة إلى الجمهور داخل العمل، بعدما تناسى الإخراج توظيف الصورة لدعم التغيرات الحاصلة لدى أبطاله، فلم يخلق فروقا في ملامحهم أو أوزانهم أو حتى طريقة قص شعر البطل والبطلة، رغم مرور 10 سنوات عليهم تبدلت فيها أحوالهم بين الفقر والثراء.
ويفترض أن تتضمن تلك التقنية استرجاعا قصيرا لأحداث الماضي بصورة شبيهة بعالم الأحلام، في نقلة واحدة للمشهد دون تجزئة، فلا حلم يراه النائم متقطعا، لكن هذا لم يحدث مع “خيط حرير” الذي جزّأ الاستحضار منذ الحلقة الأولى، وفي مشاهد تغني عنها بعض الكلمات البسيطة على لسان أبطاله.
وتدور القصة عن مسك (مي عزالدين) التي تعطلت عن العمل في مجال التسويق العقاري نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية، وتجري مقابلة عمل في شركة “دويدار” للعقارات، وبعد عقد واحد تدخل الشركة كمالكة لنحو 70 في المئة من أسهمها بعدما فشل رئيسها حازم (الفنان اللبناني نيقولا معوض) في الحفاظ على ثروة والده، وأوقعها في فخّ الديون.
مشاهد ساذجة
في خضم سيطرة فكرة الصعود والهبوط على العمل، جاءت بعض المشاهد ساذجة للغاية، فـمسك تسرح لمدة دقيقتين حينما يسألها مدير إدارة الموارد البشرية في مقابلة العمل عن طموحها للسنوات العشر المقبلة، فتتخيّل أنها في طائرة خاصة وتقرأ مجلة الإيكونوميست حتى يقاطعها مجرى المقابلة، فتعود إلى رشدها بعبارة “أرى نفسي في مكان آخر” في رد رومانسي حالم لا تقوله فتاة تبحث عن العمل في رد على سؤال تقليدي توجهه إدارات التوظيف بالشركات.
وتعود السذاجة للحوار مجدّدا بردود مسك بعدما استيقظت من حلمها للمرة الثانية على أسئلة مُضيفها، بأنها تتخيّل نفسها كصاحبة للشركة أو ربما مجموعة من الشركات الأخرى، وأنها لا تستبعد تحقيق تلك الأحلام طالما أنها ستجتهد في العمل، في طموحات تجعل أي إدارة شركة تفكّر ألف مرة قبل توظيف شخصية وصولية تسعى إلى المال وتحقيقه بأنشطة غير مشروعة تستغل فيها اسمها العريق.
المثير للدهشة هو عودة البطلة بعد عقد كامل من باريس بنفس الطائرة والملابس وقصة الشعر ذاتها التي جاءت في حلم اليقظة دون اعتبار لتغيرات الزمن والموضة وربما الطقس، قد يعتبرها البعض رسالة بأن الإنسان يستطيع أن يحقّق أحلامه، لكن تتوه تلك الرسالة عند معرفتنا أنها اتبعت الطريق السهل بزواجها من ثري حقّق حلمها.
وتدور أنماط الصراع في العمل بالمنطقة المعتادة حول رجل يتخلى عن امرأة بعد زواجهما رسميا في السر وحملها في ابنه، تحت ضغط من أسرته لعدم تناسب مستواهما الاجتماعي، فيتزوّج من أخرى، وتختفي الأولى قبل أن تعود بعدما أصبحت أفضل من مستواه، لتنتقم من أسرته، وتجعله يندم على أخطاء الماضي.
وجمّدت التنقلات الزمنية المستمرة للعمل الصراع بصورة واضحة حتى في الوقت الحاضر، كحديث مسك مع والدتها حول علاقتها بحازم التي تم استخدام الاسترجاع فيها لحدث في اليوم ذاته، أو إقحامه في حدث مغاير تماما دون داع كالعودة فجأة للقاء مسك بحازم بعدما عرفت أنه ابن صاحب الشركة التي تعمل فيها وليس موظفا عاديا كما كان يدّعي.
وتكرّر الأمر مع اللقاء الرومانسي بين حازم وزوجته سوزان (مي سليم) قبل أن يعود فجأة إلى الحديث عن لقاء بينهما تحدثا فيه عن مظاهرات 25 يناير 2011 وانتقاد بقاء المتظاهرين في الشارع لتحقيق مطالبهم رغم عدم مشروعيتها، وعجز الرافضين لذلك عن الحديث، خوفا من أن يتم اتهامهم بالعمالة والخيانة في إقحام سياسي هدفه فقط تعريف المشاهد أن تلك اللقطة من الماضي وليس الحاضر.
ويقول الكاتب بشير الديك، لـ”العرب”، إن الاسترجاع الفني تقنية تساعد الكاتب على الاقتضاب في الأحداث وتقليل الجمل الحوارية على لسان الأبطال، شريطة أن يتم تقديمها بصورة احترافية، فأي خطأ في توظيفها يؤدّي إلى فقدان العمل تسلسله المنطقي، والمعيار الأساسي لاستخدامه هو الحاجة.
وربما شهد العمل، الذي تأجل عرضه بسبب تداعيات جائحة كورونا، نوعا من الاستعجال في كتابته، فكاتبه محمد سليمان عبدالمالك، أكّد في حوار تلفزيوني أنه كتبه بالكامل خلال أربعة أشهر.
خيوط كثيرة
يتعرّض “خيط حرير” بجانب حبكته الأصلية إلى مجموعة من الخيوط الدرامية الأخرى كملف استسهال الشباب الهجرة غير الشرعية للخارج بدلا من الاجتهاد في الدراسة والبحث عن عمل جدي، ومساعدة الأسر لهم بسذاجة حتى لو كان جمع الأموال بالاقتراض من الآخرين، والخلافات الأسرية التي تحرّكها الأموال، ووصول الطمع إلى الأشقاء في نهب أموال بعضهم البعض دون اعتبارات لأواصر الدم.
كما حاول المسلسل أيضا اللعب على وتر أنماط العلاقات المختلة في العمل بالقطاع الخاص المصري، وأنماط الاستعباد التي يضمّها، كمطالبة ابنة صاحب الشركة بإقالة موظفة رفضت أن تستجيب لها في حمل حقيبتها من السيارة، أو الاعتماد على التوظيف في المقام الأول على العلاقات الشخصية دون الاعتداد إلى الكفاءة أو ما تتضمنه السير الذاتية من مؤهلات علمية وعملية.
ويشير العمل إلى نتاج التربية المرفهة الخاطئة على الأبناء، فحازم الذي عاش عمره في الخارج يقضي حياته منغمسا في الملذات ويضيع شركة والده بقلة التزامه، وشقيقته تتم خطبتها للعديد من الشباب وتتخلى عنهم في كل مرة بحجة تدخلهم في حياتها ومحاولتهم فرض دور الرقيب على تصرفاتها.
كما يتعرّض العمل إلى نمط حسّاس في العلاقات الزوجية يتسبّب في ضياع الحب بين الأزواج وهو الاحترام المتبادل، الذي كان دافعا وراء هجر الطبيب مجدي (الفنان محمد علي رزق) زوجته بنت الأثرياء وارتباطه بأخرى بحثا عن التقدير الذي ضاع بعد دخوله بيئة لا تناسبه وتقلّل من قيمته، حتى في حقه في ممارسة مهنته الأصلية.
وتفتح الصورة الإخراجية التي يقدّمها العمل للشخصيات مساحات كبيرة من الأسئلة: لماذا لم تتخلص أسرة دويدار من القصر الفاخر الذي تقطنه بطاقم من الخدم والحشم وحديقة غناء رحبة لهيكلة ديونها والحفاظ على شركتها من الدخلاء؟
في خضم سيطرة فكرة الصعود والهبوط على العمل، جاءت بعض المشاهد ساذجة للغاية
وتثير طبيعة المناظر التي يتضمنها المسلسل استمرار تصميم المخرجين على تجاهل الحارة الشعبية التقليدية في أعمالهم فيقدّمون منازل الطبقة المتوسطة كبيت مسك في صورة رحبة بديكور شبيه بوحدات الأثرياء في الماضي، حتى الشارع الذي تقيم فيه كان مليئا بالأشجار ويشبه أحياء وسط القاهرة الفاخرة.
وخطفت المخضرمة سوسن بدر الأضواء في دور رجاء السيدة المسيطرة التي تحرّك جميع الخيوط في أيديها ويخشى الجميع نظرات أعينها التي تتضمّن قدرا كبيرا من الشر، فلم تنكسر رغم ضياع ثروة زوجها، وتعاملت بندية مع الملاّك الجدد، واستطاعت أن تنهي بطريقتها مشكلات ارتباط زوج ابنتها سريا بامرأة أخرى وإنجابه طفلة منها، وخيانة زوجة ابنها مع عشيقها القديم.
ورغم تلقي مي عزالدين إشادات كبيرة على أدائها في مشهد وفاة والدها، لكن ردود أفعالها جاءت باردة لا يمكن تبريرها بالعبارة التي وردت على لسانها بأنها “جسمي نحّس” (أصبح كمعدن النحاس)، وجاءت تنقلات نيقولا معوض أفضل بين العصبي المغلوب على أمره والزوج الذي يصطنع الحب مع زوجته رغم تعلقه بأخرى.
ربما تكون القضية المحورية التي يتناولها العمل هي كيف يغيّر المال من سلوك البشر، فخالة مسك بعدما حاربتها في أشدّ أزمات حياتها، تلحّ على استقبالها في منزلها لتسوية خلافات الماضي، بل وتدفع بابنها الأكبر إلى محاولة إسقاطها في حباله، حتى لا تذهب ثروتها المستجدة للغرباء.
يدقّ “خيط الحرير” ناقوس الخطر حول الإفراط الكبير في الاسترجاع الفني في الدراما الذي انتقل إليها من السينما مع هجران مخرجي الأخيرة إلى عالم المسلسلات هروبا من قلة الإنتاج، بعدما أصبح محورا شبه أساسي في القطاع، وسيطر على غالبية مشاهد سبعة أعمال درامية دفعة واحدة في الموسم الرمضاني الماضي.