خلافات حزبية تنذر بتغيير المشهد البرلماني في مصر

الخارطة السياسية دخلت مرحلة متقدمة من التغيير، وما يعطي المعركة زخما واضحا، أن تكتل الأغلبية البرلمانية يريد أن يرسم وحده مستقبل المشهد، دون شركاء أو حلفاء.
الأحد 2018/09/30
متى سيفرغون من صراعاتهم وينظرون في قضايا الشعب الذي ينوبونه

 القاهرة – بدأت الخلافات الحزبية في مصر تتصاعد مع بدء دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، الثلاثاء، على خلفية إعلان حزب مستقبل وطن، صاحب الأغلبية، أنه سيعدّل قانون البرلمان لتحصين نوابه المنتقلين إليه ومنع إسقاط عضويتهم لمخالفتهم مواد القانون الحالي.

ويرتبط الخلاف بإصرار حزب مستقبل وطن، بعد وصول أعضائه إلى قرابة ثلثي أعضاء البرلمان، على سرعة إقرار قانون دمج الأحزاب السياسية.

وتقدم 21 نائبا بمشروع القانون خلال دورة الانعقاد الماضية للبرلمان، يرتكز على حل الأحزاب غير الممثلة في مجلس النواب، وشطب القائمة على أساس ديني، في إشارة إلى حزب النور السلفي الذي يمثله 11 عضوا.

ومن شأن القانون أن يُقصي الأحزاب المناوئة للحكومة، مع إبقاء الداعمين لتوجهاتها. ويعني ذلك أن أكثر من 95 بالمئة من الأحزاب السياسية (عددها 106 أحزاب) مهددة بالاختفاء أو الاندماج قسريا.

وتشير الخلافات إلى أن الخارطة السياسية دخلت مرحلة متقدمة من التغيير. وما يعطي المعركة زخما واضحا، أن تكتل الأغلبية البرلمانية يريد أن يرسم وحده مستقبل المشهد، دون شركاء أو حلفاء، متحصنا بنحو 360 نائبا من أصل 590 عضوا يشكلون قوام مجلس النواب. ويتحرك حزب مستقبل وطن بخطوات حذرة، ويريد أن يشكل ويغيّر ويضيف، وهو يقف على أرضية صلبة، وتحصين أغلبيته البرلمانية أولا من الطعن على عضويتهم أمام محاكم القضاء الإداري، وإمكانية الحكم بفصلهم، لتغيير الصفة الحزبية، لذلك يسعى إلى تمرير قانون مجلس النواب، لتعديل الشروط المرتبطة بإسقاط العضوية، لأن المادة السادسة تحظر على العضو تغيير الصفة المنتخب عليها، وإلا سقطت عضويته بموافقة ثلثي النواب.

وقال مصدر حكومي مسؤول عن إدارة الاتصال السياسي بإحدى الوزارات الخدمية لـ”العرب”، إن هناك تعليمات مشددة بإنهاء طلبات نواب حزب الأغلبية، والتعاطي معها بشكل سلس، مضيفا “غير مسموح بتعطيل الخدمات المرتبطة بهؤلاء الأعضاء، إلا إذا كان يستحيل تنفيذها، ولو قانونية بنسبة واحدة بالمئة، لا بد من تحريكها فورا”. وتهدف بعض دوائر الحكم من وراء دعم تعديل قانون البرلمان إلى إغراء برلمانيين آخرين للانضمام إلى حزب مستقبل وطن، ويُعاد تشكيل الحياة الحزبية والسياسية بشكل كامل، ويكون هناك حزب واحد يستطيع إدارة المجلس ولجانه المختلفة، بعيدا عن التشرذم الحزبي.

وتوقع برلمانيون، أن يتم تعديل المادة 110 من الدستور، بالتزامن مع تعديل قانون البرلمان، لأنها أيضا تقف حائلا دون تغيير الصفة الحزبية للنائب، ما يوحي بإمكانية التوسع في تعديل مواد أخرى في الدستور، من بينها مد فترة حكم الرئيس لتكون 6 سنوات بدلا من أربع.

ورأى خالد داوود، عضو ائتلاف المعارضة المدنية، أن التغييرات السريعة في هوية قائد البرلمان، ترتبط بإعادة تشكيل المشهد السياسي في مصر، ليكون هناك حزب جديد يأخذ قوته من ضعف الأحزاب الأخرى وانقسامها على نفسها، مثل “الوفد” و”المصريين الأحرار”، لكن الحزب المستحدث (مستقبل وطن) لن يكون حاكما بالمعنى الحرفي، ويقتصر دوره على خدمة أهداف الحكومة، وهو التغيير الحاصل في المشهد الإعلامي بإقصاء المقربين القدامى وتقديم وجوه جديدة تؤدي الدور نفسه.

وأضاف لـ”العرب”، أن السيناريوهات المقبلة تؤكد التحرك بقوة نحو تعديل الدستور، ويكون المدخل لذلك تعديل قانون مجلس النواب، للإيحاء بأن كليهما مرتبط بالآخر، ومع الاستسلام الشعبي أمام ضغوط الحياة اليومية لن توجد معارضة جماهيرية للخطوة.

وتتعامل بعض الدوائر الأمنية المعروف أنها تسيطر على المشهد السياسي في مصر، مع الدورة البرلمانية الجديدة، باعتبارها فاصلة، وسوف تحسم طريقة انتخاب أعضاء مجلس النواب المقبل، إما بنظام القوائم أو الفردي، فضلا عن تحديد شكل الانتخابات المحلية، والأهم حسم الموقف من تعديل الدستور بما يتوافق مع متطلبات المرحلة.

وأكدت مصدر برلماني لـ”العرب” أن تعديل قانون البرلمان يحظى بدعم وتأييد علي عبدالعال رئيس المجلس، وأن “دور الانعقاد الرابع مفصلي بالنسبة للخارطة السياسية   خلال المرحلة المقبلة، شريطة أن يكون الحزب الذي يرسم المشهد يحظى بقواعد شعبية  بحيث تلقى التغييرات دعما من الشارع”.

وأخفق ائتلاف دعم مصر في بناء قواعد جماهيرية، لأنه كان يدار بفكر الطبقة الأرستقراطية التي ينظر إليها الشارع بريبة، وتركزت تحركاته على دعم المستثمرين وأصحاب الصناعات، ما تسبب في تصدع العلاقة بين الحكومة والبرلمان من ناحية، وبين الحكومة والمواطنين من ناحية ثانية.

وفي حين بدأ حزب مستقبل وطن يتبنى مسارا مغايرا في علاقته مع الجمهور، من خلال تكثيف الخدمات والمساعدات والاحتكاك المباشر مع الشارع، لخدمة أدواره السياسية، لتكون مقبولة جماهيريا. يركز حزب الأغلبية الجديد على استقطاب وجوه شبابية مقبولة في الشارع للانضمام إلى قاعدته الحزبية في المحافظات المختلفة، وسمح لهؤلاء ببناء علاقات واسعة من نوابه داخل البرلمان، لتتناغم أهدافهما في دعم مساره البرلماني الذي يرمي ليكون حزبا حاكما خفيا بغطاء برلماني كبير.

ويرى مراقبون أن التغيير الجذري في طريقة إدارة مجلس النواب، يؤكد أن الحكومة ترغب في تشكيل حزب حاكم يستطيع أن يصبح ظهيرا سياسيا لدوائر الحكم، وليس للنظام نفسه، بشكل لا يعيد إنتاج الحزب الوطني (المنحل)، ولا تفضل أن يكون الظهير السياسي مجموعة أحزاب متباينة في التوجهات والأفكار، بما يمهّد لمجلس نواب يحكمه حزب واحد وليس ائتلافا يضم عدة أحزاب.

6