خطط استباقية لوضع حد للجان "أولاد الأكابر" في المدارس المصرية

القاهرة- أكدت تحركات الحكومة المصرية وجود تغيير في أماكن عقد امتحانات الثانوية العامة (البكالوريا) لتكون داخل الجامعات بدلا من المدارس، وتغيير الصورة الذهنية عن الدولة بأن مؤسساتها عاجزة عن إيجاد حل جذري لظاهرة الغش التي تحدث داخل بعض اللجان المعروفة إعلاميا بأنها مخصصة لـ”أولاد الأكابر”.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ البكالوريا التي تفكر فيها الحكومة في عقد امتحانات الصف الثالث الثانوي داخل الجامعات، وجرت نقاشات بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي لتسهيل تلك المهمة وتيسير إجراءات استضافة الكليات لامتحانات البكالوريا، وتحظى الخطوة بدعم دوائر رسمية لعدم تكرار ظاهرة تسريب الأسئلة.
وأصبح مصطلح لجان “أولاد الأكابر” في الثانوية العامة حاضرا طوال فترة الامتحانات، وبعد ظهور النتيجة، حيث تثار شبهات عن وقوع غش جماعي في بعض اللجان، ما يضع الحكومة في حرج أمام الرأي العام وتتعرض لانتقادات حادة من نواب في البرلمان وأحزاب سياسية وحقوقيين معنيين بملف التعليم.
وتستهدف الحكومة من وراء عقد امتحانات البكالوريا داخل الجامعات الحد من الغش الجماعي وتصوير ونشر الأسئلة والإجابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بحكم أن الكليات لديها إمكانيات متطورة، من حيث تعميم كاميرات المراقبة ووجود مساحات واسعة داخل القاعات بما يحول دون حدوث وقائع غش.
وكشف مصدر حكومي لـ”العرب” أن الدولة مصرة على عدم تكرار الظواهر السلبية التي حدثت في امتحانات البكالوريا، باعتبارها قضية سياسية قبل أن تكون تربوية، بل قضية أمن قومي لأن الثانوية العامة سنة مفصلية، وتسيء وقائع الغش للدولة.
ولم تنجح وزارة التعليم على مدار 12 عاما في منع الغش والتسريب بامتحانات الثانوية العامة، وكل سنة تُعلن الحكومة أنها وضعت خطة للحد من الظواهر السلبية ثم يفاجأ المواطنون بتحول تطبيقات التواصل الاجتماعي لغرف دردشة بين الطلاب أثناء تواجدهم داخل لجان الامتحانات.
◄ الحكومة أصبحت معنية أكثر من أي وقت مضى بتقديم ما يثبت من خطط وأدلة كي تقنع الشارع بأنها تستهدف تحقيق العدالة التعليمية وضرب معاقل الفساد
ويؤكد تغيير آلية وطريقة وأماكن عقد امتحانات البكالوريا وجود صرامة حكومية هذا العام، بحكم أن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية لن تسمح بإخفاق في ملف معروف أنه يشكل أزمة، وتعرضت الحكومة بسببه لانتقادات حادة.
ويرى مراقبون أن الحكومة ستواجه تحديا صعبا في إقناع أولياء الأمور بعقد امتحانات البكالوريا في الجامعات، لأن أماكن الكليات بعيدة عن مقار سكن غالبية الطلاب، لاسيما في المناطق الحدودية والريفية والشعبية.
وتدرس الحكومة حاليا عدة خيارات، بينها عقد امتحانات البكالوريا في الجامعات للجان تشهد وقائع غش وشغب، وأحيانا تصبح خارج السيطرة بحكم البيئة السكانية، على أن تظل باقي اللجان الهادئة في أماكنها بالمدارس طالما ستخضع للسيطرة.
وتتمسك الحكومة بعدم استخدام مصطلح “أولاد الأكابر” لما يحمله من إساءة بالغة لمؤسسات الدولة، التي تظهر وكأنها عاجزة عن مواجهة شريحة من العائلات التي تملك نفوذا وظيفيا واجتماعيا، ويحاولون انتزاع ميزة لأبنائهم مختلفة عن باقي الطلاب، وتقودهم إلى الحصول على درجات مرتفعة تؤهلهم للالتحاق بكليات مرموقة.
وتدرك دوائر حكومية أن استمرار تسريب امتحانات البكالوريا له تداعيات سياسية كثيرة، منها إظهار ضعف إمكانيات الحكومة وتأجيج غضب الناس منها، كما أن تكرار الوقائع يسيء لوزارة التعليم ويحرج الأجهزة المسؤولة عن تنظيم الامتحانات.
وترفض تلك الدوائر أن يظل الطالب المراهق في البكالوريا أذكى من مؤسسات لديها خطط عصرية وإمكانيات قوية تمكنها من مواجهة الطوارئ وفرض نفوذها، واستمرار الغش يقدم صورة سلبية عن قدراتها في عمليات التأمين.
وتسعى الحكومة إلى إقناع الشارع بأنها تتعامل مع ملف خدمي وجماهيري مثل التعليم، باعتباره أولوية اجتماعية، لكن الكثير من خطواتها مشكوك في جديتها، لشعور شريحة من المواطنين أنها تتعاطى بنوع من اللا مبالاة مع أزمات مكررة سنويا، مثل الغش، دون اكتراث بحقوق أبنائها.

وائل كامل: عقد امتحانات البكالوريا في الجامعات لن ينهي أزمة الغش
وجزء من التحرك الجاد نحو وضع خطة استباقية لمواجهة الغش في امتحانات البكالوريا أن دوائر رسمية لم تعد ترغب في استمرار الإحباط المجتمعي بين شريحة الشباب الذين يفترض أنهم يمثلون التركيبة السكانية الأكبر، لكن تكرار حصول أعداد كبيرة من الطلاب على درجات مرتفعة بالغش يعمق هذا الإحباط.
وتكمن المعضلة في أن شريحة من المواطنين على قناعة بأن نقل أماكن امتحانات البكالوريا إلى الجامعات لن يُنهي أزمة الغش أو يقضي على لجان “أولاد الأكابر”، لأن المشكلة ليست في المكان بقدر ما تتعلق بمدى وجود إرادة حكومية تتشارك فيها جميع مؤسسات الدولة لإيجاد حل جذري ومستدام.
وقال الحقوقي والباحث الأكاديمي وائل كامل إن عقد امتحانات البكالوريا في الجامعات لن يُنهي أزمة الغش، لأن العبرة في وجود خطة شاملة تقوم على تحقيق العدالة التعليمية، ودون ذلك سوف تظل هناك قناعة مجتمعية بأن الصعود إلى القمة يتطلب اللجوء إلى حيلة الغش، وهذا في حد ذاته خطر اجتماعي كبير.
وأضاف كامل في تصريح لـ”العرب” أن الحكومة مطالبة بتقديم المزيد من الأدلة على أنها مهتمة بملف التعليم وتتعاطى معه بجدية، لأن التقصير فيه قاد إلى تشكيل معارضة مجتمعية في توقيت دقيق، والناس يُمكن أن تتساهل في بعض القضايا لكن لا تسمح بظلم أولادها أو التقصير في حقهم سهوا أو عمدا.
كما أن وضع مسؤولية ملف البكالوريا بيد جهة واحدة، مثل وزارة التعليم، لن يُنهي أزمة الغش والتسريبات ما لم يتم توزيع المسؤولية على الوزارات المتداخلة حسب قدراتها وإمكانياتها، بحيث تصبح الثانوية العامة ملف دولة بكامل مؤسساتها بعيدا عن اختزال الحل في جهة لا تمتلك أسلحة المواجهة.
وأصبحت الحكومة معنية أكثر من أي وقت مضى بتقديم ما يثبت من خطط وأدلة كي تقنع الشارع بأنها تستهدف تحقيق العدالة التعليمية وضرب معاقل الفساد في أهم منظومة امتحانية، وأنها لا تقف متفرجة أمام نجاحات الغشاشين، قبل أن تصطدم بضرب مصداقيتها في كل خطاب يتحدث عن انتقاء الكفاءات.