خطة داليت الإسرائيلية وخطة الحسم.. الأمر سيان

السفير الأميركي السابق لدى دولة الاحتلال ديفيد فريدمان يدعو دونالد ترامب، في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية، إلى تحويل “مليار دولار من الأموال المخصصة للفلسطينيين، بما فيها تلك الخاصة بأجهزة الأمن، لتمويل خطة ضم الضفة الغربية لإسرائيل”. وأضافت صحيفة يسرائيل هيوم التي نقلت الخبر أن “المؤسسة الأمنية الإسرائيلية قررت اعتبار الضفة الغربية ميدان قتال إثر العمليات الأخيرة”. وهو ما يعني تبريرًا للمضي نحو السيطرة التامة على الضفة الغربية، فالإعلان عن “خطة داليت” في العاشر من آذار 1948 في أوساط “الهاغانا” القريبة من القيادة، قد تضمن مجموعة من الأهداف، منها: السيطرة على مساحة الدولة العبرية والدفاع عن حدودها، وعن التجمعات الاستيطانية والسكانية العبرية خارج حدود الدولة العبرية، ومواجهة العدو النظامي (إشارةً إلى الجيوش العربية)، أو جيوش شبه نظامية، تعمل ضد الدولة العبرية من مواقعها خارج حدود الدولة العبرية، أو لها قواعد داخل الدولة.
أما خطة الحسم على الأرض فتنص على إسرائيل كاملة، و“الخلاصية”، وتتمثل في فكر أحزاب التيار الديني القومي المستند على مبدأ “الخلاص”، من وجهة نظرهم النابعة من التوراة. كما جاء في خطة الحسم أيضًا تشجيع الاستيطان والعنف وإنكار الشعب الفلسطيني، والتهجير.
والحال أنه تنبغي الإشارة بعجالة إلى أن ما يحدث في الضفة الغربية هو جزء من حلقات مسلسل التهجير الممنهج الذي تطبّق كل بنوده المذكورة أحزاب اليمين المتطرف في إسرائيل، بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي يمر به المواطن في الضفة الغربية والحواجز المنتشرة من شمال الضفة الغربية إلى جنوبها، وكذلك نصب البوابات الحديدية وغير ذلك. وهو ما يقودنا إلى حرمان الفلسطينيين من حرية التنقل، وهي محاولة من أجل تفريغ الضفة الغربية من سكانها نتيجة هذه القيود التي تنبع من سياسة التهويد القديمة الجديدة التي تبنتها الحركة الصهيونية منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، إذ إنّ ما يجري في القدس من تهويد وتشديد الخناق على المقدسيين لا يقل خطورة عمّا يجري في الضفة الغربية.
◄ خطة داليت وخطة الحسم مسميان مختلفان لكن الأهداف واحدة. يعتبر التيار الديني الصهيوني المتطرف في إسرائيل الضفة الغربية جزءًا أصيلًا من التوراة، وأن التنازل عنها هو التنازل عما جاءت به التوراة
لقد لاحظنا الخارطة التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمته الأخيرة بتاريخ 2 سبتمبر –أيلول الجاري، حيث بدت الخارطة بأن فلسطين بيضاء بدون الضفة الغربية، لكنه ركّز في كلمته على قطاع غزة ومخططه المتمثل في السيطرة عليه، وهو مُصرّ على السيطرة على نتساريم الذي يقطع قطاع غزة من الشرق إلى الغرب بجانب تمسكه بمحور فيلادلفيا، وهذا يدل على أن نتنياهو أخرج عمدًا الضفة الغربية من المفاوضات المستقبلية، ما يُرسل إلى العالم من خلال خطابه أنّ الضفة الغربية اليوم أصبحت يهودية ونحن ماضون نحو ضمها، وهذا ما أُعلن عنه أكثر من مرة، وقد جاء على لسان وزيرة الاستيطان في حكومة نتنياهو بضرورة إعلان الحرب في الضفة الغربية، وقد أعربت أكثر من مرة عن رفضها قيام الدولة الفلسطينية ليس “لكونها فقط غير مستحقة ودون حق تاريخي، وإنما أيضًا لأنها تشكل تهديدًا وجوديًا لإسرائيل والسلام العالمي”.
في الواقع إنّ ما يجري اليوم في الضفة الغربية لا يأتي من باب رد الفعل على ما حدث لإسرائيل يوم 7 أكتوبر – تشرين الأول الماضي، بل العكس هو عبارة عن مخطط قديم جديد، إذ جاءت أحداث 7 أكتوبر باعتبارها غطاء لتنفيذ سياسة اليمين المتطرف وتطلعاته التوراتية، حيث طرح وزير المالية الإسرائيلي أفكاره المتطرفة والمتعلقة بالضفة الغربية في عام 2017 تحت مسمى خطة الحسم، فكانت أفكاره آنذاك مجرد نظريات، ولكن اليوم نجد أنه بحكم موقعه في الحكومة الحالية يعمل دون كلل وملل على تحقيق هذه الرؤية بكل ما أوتي من قوة، وهذا لا يعني أن نتنياهو ضد هذه الفكرة؛ بل على العكس تمامًا التقت أفكار رئيس وزراء إسرائيل الحالي مع أفكار اليمين ضمن مخطط واحد وهو تهويد القدس والضفة الغربية، وتقسيم غزة وفصل شمالها عن جنوبها، والتحكم بالممرات والمنافذ في القطاع من أجل السيطرة الكاملة عليه، ويأتي ذلك في ظل تقاعس دولي وعربي.
إنّ خطة داليت وخطة الحسم مسميان مختلفان لكن الأهداف واحدة. يعتبر التيار الديني الصهيوني المتطرف في إسرائيل الضفة الغربية جزءًا أصيلًا من التوراة، وأن التنازل عنها هو التنازل عما جاءت به التوراة، فجميع رؤساء وزراء إسرائيل الذين تعاقبوا على الحكومات السابقة والرئيس الحالي رغم أنهم علمانيون إلا أنّهم ينفذون ما جاءت به التوراة، حتى اليسار لو كتبت له النجاة وعاد ليحكم فسوف يسير في ركب الصهيونية الدينية، وهذا يعني أن الصراع، إذا جاز التعبير، مع إسرائيل هو صراع ديني بالدرجة الأولى ووجودي، فضلًا عن أن إسرائيل قاعدة متقدمة للغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.