حوار صعب لوقف سباق التسلح العالمي مع المنافسة على الأسلحة فرط الصوتية

الروس يدركون بأن أسبقيتهم في التسلح مؤقتة.
الأربعاء 2021/10/27
الأميركيون يجهدون لتطوير أسلحة فرط صوتية

تتباهى روسيا بترسانتها من الأسلحة وخصوصا فرط الصوتية القادرة على تجنّب جميع الأنظمة الدفاعية، في نفس الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة لضرورة تجنب سباق التسلح الذي تزداد وتيرته مع سعي الدول الكبرى لامتلاك أسلحة استراتيجية رادعة.

موسكو – صرح السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنطونوف بأن أمام موسكو وواشنطن “حوارا صعبا” على صعيد الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، ومن المهم بحث سبل تجنب سباق التسلح، وذلك بينما يطفو سباق تسلح من نوع جديد على الساحة العالمية، عبر المنافسة على تطوير أسلحة فرط صوتية.

وقال أنطونوف خلال جلسة للمجلس الاستشاري الدولي لمركز دراسة قضايا عدم الانتشار التابع لمعهد ميدلبيري الأميركي الاثنين إن “حوارا صعبا ينتظرنا حول الصواريخ متوسطة وقصيرة المدى، حيث لا يرضينا الوضع على هذا الصعيد، ونريد أن نفهم ما يجب أن نقوم به بشكل مشترك من أجل تجنب سباق التسلح في هذا المجال ومنع نشر تلك الصواريخ في مختلف أنحاء العالم”.

20 في المئة حصة روسيا من مبيعات الأسلحة العالمية وتقوم أكثر من 45 دولة بشرائها

وتعد روسيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة بعد الولايات المتحدة. ومنذ العام 2016 تبلغ حصة روسيا حوالي 20 في المئة من المبيعات العالمية، وتقوم أكثر من 45 دولة بشراء الأسلحة الروسية، بحسب تقرير خاص بخدمة أبحاث الكونغرس الأميركي.

ويعبر عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي عن قلقهم من أن مبيعات الأسلحة الروسية تدعم “الأنشطة العدوانية والخبيثة لروسيا”، وتساهم في تأجيج الصراعات وعدم الاستقرار الإقليمي وتنافس مبيعات الأسلحة الأميركية.

وفي المقابل تحاجج روسيا بأنها تسعى لتجنب سباق التسلح وأطلقت مبادرة لعدم نشر الصواريخ في المناطق التي لم تنشر الولايات المتحدة صواريخها فيها، وعدم نشرها ما لم تنشرها واشنطن.

وقال أنطونوف “أعتقد أنه من المهم أيضا الحديث عن الأسلحة فرط الصوتية وغيرها من الأسلحة غير النووية عالية الدقة والمسيّرات، مع التركيز على تلك القادرة على تنفيذ مهام استراتيجية منها”.

وأشار إلى أن روسيا تقترح التركيز على “الأسلحة الأكثر خطورة من ناحية الإخلال بالتوازن، وخاصة وسائل الإيصال القادرة على إصابة الأهداف على أراضي الطرف الآخر بالضربة الأولى، والرؤوس النووية المنشورة”.

وبإمكان الأسلحة فرط الصوتية أن تحلّق بسرعات تتجاوز بخمس مرّات على الأقل سرعة الصوت والقيام بمناورات أثناء تحليقها، ما يصعّب تعقّبها واعتراضها مقارنة بالمقذوفات التقليدية.

ويقول خبراء إن روسيا متقدّمة حتى الآن في تطوير هذا النوع من الأسلحة. واستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابه عن حال الأمة عام 2018 ليستعرض لأول مرة مجموعة من الأسلحة فرط الصوتية، متباهيا بقدرتها على تجنّب جميع الأنظمة الدفاعية الموجودة حاليا.

وأعلنت الولايات المتحدة والصين وفرنسا وغيرها من القوى الكبرى عن خطط لتطوير أسلحة فرط صوتية خاصة بها ويُتوقع بأن تلحق بالركب قريبا.

وذكرت الذراع العلمية في الجيش الأميركي مؤخرا أنها اختبرت بنجاح صاروخ هوك الفرط صوتي الذي يستخدم الأكسجين الموجود في الغلاف الجوي لاحتراقه.

ويقوم البنتاغون أيضا بتطوير طائرة شراعية فرط صوتية تسمى “أرو”، لكن أول اختبار شامل لها فشل في أبريل.

وقال نائب مدير “المرصد الفرنسي الروسي” في موسكو إيغور ديلانو إن “الروس يدركون تماما بأن الأسبقية التي يتمتعون بها مؤقتة”.

وأضاف “سيلحق بهم الأميركيون في غضون أشهر أو خلال عام ونصف العام أو عامين على أكثر تقدير”.

استئناف المفاوضات

ورغم التصريحات الروسية والأميركية والاتهامات المتبادلة بالمسؤولية عن استشعار سباق التسلح، إلا أن الدولتين تنخرطان في منافسة محتدمة في هذا المجال، بالإضافة إلى دول أخرى مثل الصين وكوريا الشمالية.

وعرضت الصين صاروخا فرط صوتي “دي.أف – 17” في عام 2019. ويمكن لهذا السلاح المتوسط المدى (حوالي 2000 كلم) على شكل “طائرة شراعية” أن يحمل رؤوسا نووية.

وقالت كوريا الشمالية في سبتمبر الماضي إنّها اختبرت بنجاح صاروخا انزلاقيّا فرط صوتي، في ما يمكن أن يشكّل أحدث تقدّم للدولة المسلّحة نوويّا على صعيد تكنولوجيا الأسلحة.

وأعلن الجيش الروسي في أكتوبر الحالي أنه اختبر بنجاح تجربة إطلاق صاروخ “زيركون” الذي تفوق سرعته سرعة الصوت بتسعة أضعاف من غواصة نووية للمرة الأولى.

ونشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو بصاروخ “زيركون” يتم إطلاقه من غواصة سيفيرودفينسك. ووفقا للمسؤولين، فقد أصاب هدفا وهميا معينا في بحر بارنتس.

ويمثل هذا الاختبار أول إطلاق “زيركون” من غواصة حيث سبق وأن تم اختبار إطلاقه عدة مرات من فرقاطة بحرية، وقد كان آخرها في شهر يوليو، وخلال تلك الفترة بدا أن أجزاء من اللقطات المصورة التي تظهر نظام إس – 500 لصواريخ سطح – جو الجديد تم تشويشها عمدا لمنع فحص تفاصيل النظام.

وأثارت هذه التجربة قلق الولايات المتحدة، وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية جون كيربي إن صواريخ روسيا الجديدة الخارقة للصوت “يمكن أن تكون مزعزعة للاستقرار وأن تشكّل مخاطر كبيرة”، فيما أشار مسؤول في حلف شمال الأطلسي إلى أن الأسلحة تتسبب “بزيادة خطر التصعيد ووقوع أمور غير محسوبة”.

لكن المحللين يلفتون إلى أنه على الرغم من أن الأسلحة الخارقة لجدار الصوت مبهرة، إلا أنها لا تُعدّ تكنولوجيا يمكنها تغيير قواعد اللعبة.

وقال غولتس “من وجهة نظر عسكرية، لا يوجد فرق إطلاقا بينها وبين رأس حربي عادي يتبع ببساطة مسارا باليستيا في الفضاء ومن ثم يضرب أراضي الولايات المتحدة من دون أي مناورات”.

وتناول بوتين والرئيس الأميركي جو بايدن مسألة استئناف المفاوضات بشأن “الاستقرار الاستراتيجي”، بعدما أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب انسحاب واشنطن من اتفاقيات عدة لكبح التسلح مع روسيا.

وقال الخبير بشأن الأسلحة النووية في “اتحاد العلماء الأميركيين” هانز كريستنسن “إنها بالتأكيد المرحلة الأولى في سباق التسلّح… بات تطوير قوى أصغر (أسلحة خارقة للصوت) مسألة وقت فقط”.

وتابع “لا أحد يعرف كيف يمكن أن يتجه الوضع”.

وأكد كريستنسن “إنه يجري حاليا سباق خطير… عندما يضيفون القدرة النووية إلى الصواريخ في حال تم ذلك، فسيخلق الأمر تحديات أمنية أكثر خطورة”.

وبحسب صحيفة لوباريزيان الفرنسية، كما هو الحال في كل حلقة من سباق التسلح، تظهر حلقة مفرغة “كل واحد يغذّي جنون العظمة للآخر”، ولاحظ المتخصص إيمانويل ماتر أن هذه الدول تُصِرّ على التناقض، إذ “أنه قبل كل شيء سلاح استراتيجي رادع”، وهو جزء من ردّ الفعل عند وجود خطر من أي جهة، لكنّ مالكي هذا النوع من الأسلحة المتطورة عموما “سيكونون أكثر ميلا بالفعل إلى عدم استخدامها”.

5