حوادث النقل الذكي تغضب الشارع المصري وتستنفر البرلمان

القاهرة - بينما كان مجلس النواب المصري يناقش وضع حد لأزمات شركات النقل الذكي في البلاد الاثنين، على خلفية تكرار وقائع التحرش ضد النساء، أعلنت وزارة الداخلية مساء اليوم نفسه ضبط متهم جديد من سائقي إحدى شركات النقل الذكي بعد اتهامه بالتحرش بفتاة في محافظة الجيزة، المجاورة للقاهرة، ما ضاعف الغضب الشعبي ضد الحكومة، واتهامها بضعف الرقابة على سائقي هذه الشركات.
وسادت حالة غضب واسعة الأيام الماضية، استدعت تقديم عدد من أعضاء البرلمان طلبات إحاطة عاجلة إلى رئيس الحكومة مصطفى مدبولي والمسؤولين عن قطاع النقل جراء تكرار التحرش ومحاولات خطف تسبب فيها سائقون تابعون لشركات النقل الذكي، وسط مطالبات بوقف نشاطها في مصر إلى حين وضع قواعد جديدة للسلامة.
وشهد الفضاء الإلكتروني مبادرات تدعو إلى مقاطعة تطبيقات النقل الذكي، طالما أن الحكومة غير قادرة على تأمين رحلات الركاب، وتعريض حياة النساء للخطر، وهو ما دفع البرلمان إلى التحرك لتهدئة الشارع وتصعيد نبرة التهديد تجاه مسؤولي شركات النقل الذكي والتلويح بإجراءات صارمة ما لم يتم القضاء على حوادثها.
وكشفت مصادر برلمانية لـ”العرب” أن “مجلس النواب استقر على تعديل قانون تنظيم خدمات النقل البري المرتبط بتنظيم استخدام تكنولوجيا المعلومات والتطبيقات الرقمية، لخطورة الحوادث على الاستقرار والأمن المجتمعي، مع إلزام الشركات العاملة في هذا المجال بأن تكون لها مقار ثابتة لتسهل محاسبة المسؤولين فيها”.
ووقعت مؤخرا عدة حوادث متفرقة اتُهم فيها سائقون تابعون لشركات النقل الذكي، منها واقعة خطف سيدة ومحاولة الاعتداء عليها، وتعرض أخرى للتحرش، بينما كانت الواقعة الثالثة مرتبطة بتعرض طفل للتحرش أثناء توصيله إلى منزله من قبل السائق.
وقضت محكمة الجنايات في مصر مؤخرا بمعاقبة سائق تابع لشركة “أوبر” بالسجن لمدة 15 عاما، في واقعة وفاة “فتاة الشروق” الطالبة حبيبة الشماع، وكانت حديث الرأي العام لأسابيع، بعد أن ألقت بنفسها من السيارة على خلفية محاولة اختطافها من سائق تابع لشركة “أوبر” ثبت لاحقا تعاطيه مواد مخدرة، وفشلت محاولات الأطباء وقف النزيف الذي تعرضت له فلقيت حتفها.
وحظيت واقعة “فتاة الشروق” بمتابعة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقرينته السيدة انتصار السيسي، حيث عرضا سفرها إلى الخارج لتلقي العلاج، لكن حالتها الصحية لم تسمح بذلك، وحينها قالت والدة الفتاة إنها تتلقى مكالمات هاتفية مستمرة من الرئاسة للاستفسار عن حالة ابنتها، وهو ما يفسر انتفاضة البرلمان الأخيرة ضد شركات النقل الذكي، حيث أصبح الأمر مرتبطا بتوجه رئاسي.
وتتحمل جهات حكومية معنية بتنظيم النقل الذكي جزءا من مسؤولية غياب الأمان، حيث تراخت في تطبيق القانون بتتبع الحالة الجنائية للسائقين المتعاملين مع الشركات، والاكتفاء بضبط المتورطين في وقائع تحرش وخطف، وترك النيابة العامة وحدها تتخذ الإجراءات العقابية بعد وقوع الحوادث من دون تحرك مسبق لمنع الحادثة نفسها.
وأكد رئيس حزب العدل (معارض) النائب عبدالمنعم إمام أن البرلمان استقر على إلزام شركات النقل الذكي بتركيب كاميرات في جميع السيارات التابعة لها، ما يكشف بوضوح كل السلوكيات طوال الرحلة، ويحقق الأمان الكامل للراكب.
وأشار لـ”العرب” إلى “وجود تقصير حكومي في رقابة شركات النقل الذكي، وضعف الإشراف على التراخيص ومراجعة عوامل السلامة، كما أن وزارة النقل لم تفعّل ما يحول دون تكرار وقوع الحوادث في سيارات النقل الذكي، وإذا لم يتم تفعيل تلك الإجراءات ستكون هناك استجوابات داخل البرلمان لرئيس الحكومة”.
وتنص المادة التاسعة من اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، على التزام الشركات بحسن اختيار السائقين أخلاقيا ومهنيا، وتجري على نفقتها عينة عشوائية شهريا للسائقين لاختبار المخدرات، ويجوز لوزارة النقل طلب عينة عشوائية لعدد من السائقين في المراكز المعتمدة، وفصل أي سائق يثبت تعاطيه المخدرات أو الكحوليات، وهو ما لم يتم تطبيقه على أرض الواقع.
◙ جهات حكومية معنية بتنظيم النقل الذكي تتحمل جزءا من مسؤولية غياب الأمان لتراخيها في تطبيق القانون وتتبع الحالة الجنائية للسائقين المتعاملين مع الشركات
وبرر مسؤولو شركة “أوبر” أمام البرلمان وجود خروقات قانونية بأن الأجهزة الأمنية رفضت أن يستخدموا قاعدة البيانات الحكومية للتأكد من الحالة الجنائية للسائقين، وهو ما رد عليه نواب البرلمان بأن ذلك يمس الأمن القومي، فلا يجوز تقديم قاعدة البيانات لأي شركة خاصة، باعتبار ذلك حقا للجهات الأمنية والرقابية فقط، وللحد من انتهاك خصوصية المواطنين، ومن المفترض أن تكون لدى الشركات مسارات أخرى.
وكشفت حوادث ارتكبها سائقون يتعاملون مع تطبيقات النقل الذكي عن وجود ثغرات يمكن من خلالها العمل في تلك الشركات بلا رقابة، مثل تزوير أوراق رسمية لإثبات حسن السيرة والسلوك، والاستعانة بحسابات وهمية للتقدم إلى العمل لا تستطيع الشركات التأكد من هوية أصحابها، ووجود وسطاء ومكاتب سماسرة تستطيع إدخال أي سائق ضمن منظومة النقل الذكي.
وترى دوائر سياسية أن حوادث النقل الذكي، لاسيما وقائع التحرش والخطف والاعتداء على النساء، تحمل مخاطر تضاف إلى التداعيات السلبية المرتبطة بشعور المرأة بأنها غير آمنة، ما يؤثر على خصوصية العلاقة بين السيدات والنظام المصري، لأنها رقم مهم في المعادلة السياسية.
ورفض الرئيس السيسي منذ وصوله إلى الحكم في مصر القبول بمنغصات تؤثر على حياة المرأة، وظهر ذلك في تشريعات وقرارات عديدة صدرت الفترة الماضية، ومحاولة إنصاف النساء اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، إلى درجة أن بعض القوى المناوئة دأبت على تصنيف السيدات على أنهن حزب “النظام الصامت”. واستغلت منابر إعلامية تابعة لجماعة الإخوان الحوادث الأخيرة من شركات النقل الذكي للإيحاء بأن النظام عاجز عن حماية أنصاره، في إشارة إلى النساء اللاتي تعرضن للتحرش والاعتداء.وهي محاولة ترمي إلى تأليبهن ضد الرئيس المصري شخصيا، بعد أن فشلت محاولات سابقة لتحريضهن من بوابة الغلاء وتصاعد الأزمات الاقتصادية.
ويُحسب على الحكومة أنها لم تساير توجهات الرئيس السيسي في ملفات مرتبطة بأولويات المرأة، آخرها التلكؤ في حمايتهن داخل سيارات النقل الذكي، رغم الإشارات التي أوحت بأنه مهتم بتوفير الحماية لهن وإنصافهن، ما يكشف عن فجوة حول كيفية الحفاظ على السواعد الأساسية للاستقرار، وفي مقدمتها العنصر النسائي.