حملة تطهير ضد معرقلي المشاريع التنموية في الإدارة التونسية

تصاعدت المطالب بمراجعة التعيينات التي أغرقت الإدارة التونسية بعد 2011، خصوصا في ظل قصور حصيلة الإنجازات والمشاريع المتعلقة أساسا بالجانب التنموي والمشاغل اليومية للتونسيين، وسط دعوات من السلطة إلى محاسبة من خرقوا القانون.
تونس - دعا الرئيس التونسي قيس سعيد، في إطار توجهاته لمحاربة الفساد في البلاد منذ إجراءات الخامس والعشرين من يوليو 2021، إلى شنّ حملة تطهير ضد من يعرقلون إنجاز المشاريع التنموية بالإدارة التونسية.
ويبدو أن المؤسسات الإدارية في تونس ستكون إحدى أبرز اهتمامات قيس سعيد في المرحلة المقبلة، نظرا إلى أهميتها في تركيبة الدولة واضطلاعها بأخذ القرارات المفصلية والحساسة في ما يتعلق بالتنمية والخدمات العامة للتونسيين.
وشهدت الإدارة التونسية في السنوات الأخيرة، حسب متابعين للشأن المحلي، تراجعا ملحوظا في مستوى جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، فضلا عن كونها مثلت مجالا للتعيينات بالولاءات الحزبية، فأهملت المشاغل الأساسية وفشلت في كسب ثقة المواطن. وقال الرئيس التونسي إنه من الضروري "تطهير البلاد ومحاسبة كل من خرق القانون وسعى لتأجيج الأوضاع".
جاء ذلك في بيانات متفرقة نشرتها رئاسة الجمهورية على صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عقب لقاءات جمعت سعيد بكل من "رئيس الحكومة أحمد الحشاني، ووزيرة العدل ليلى جفال، ورئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء المنصف الكشو"، مساء الخميس.
وفي لقائه مع الحشاني، شدد سعيد على "ضرورة المضي قدما في تطهير الإدارة ممن تسللوا إليها وتحولوا إلى عقبة أمام إنجاز أيّ مشروع اقتصادي أو اجتماعي أو غيره".
وقال عن ذلك "العديد من المشاريع جاهزة والأموال المرصودة لها متوفرة، ولا ينقص سوى الإرادة الصادقة لتحقيقها". وأشار سعيد خلال اللقاء إلى أنه "تم استبعاد الكثير من الذين رفضوا أن يكونوا في خدمة الوطن والدولة".
وخلال اللقاء الذي جمعه بوزيرة العدل بحث سعيد "الدور الموكول للنيابة العمومية في إثارة التتبعات ضد كل من تسول له نفسه خرق القانون، وخاصة من يسعى لتأجيج الأوضاع ويعتبر نفسه بمنأى عن أي مساءلة". ولفت سعيد إلى أن "كافة المتقاضين يعتبرون سواء أمام القانون"، مضيفا "ستطالهم المحاسبة من قبل القضاء دون أن يشفع لهم شيء".
وأما في اللقاء الذي جمع الرئيس التونسي بالمنصف الكشو، رئيس المجلس الأعلى المؤقت للقضاء، فقد شدد سعيد على ضرورة أن "ينخرط القضاة في معركة تطهير البلاد ممن أجرموا في حقها".
وأكد سعيد ضرورة "البت في العديد من القضايا التي بقيت منذ أكثر من عشر سنين تنتقل من طور إلى آخر، بحجة احترام الإجراءات، في حين أن الهدف من هذه الإجراءات هو تحقيق المحاكمة العادلة لا الإفلات من العقاب".
ويقول مراقبون إن الإدارة التونسية في حاجة إلى المراجعة من حيث التركيبة والتعيينات والتعويل على الكفاءات الموجودة في البلاد، علاوة على تسهيل الإجراءات البيروقراطية أمام المشاريع التنموية في الجهات والأقاليم.
وأفاد النائب بالبرلمان بدرالدين قمودي أن "تصريحات الرئيس خطوة في الاتجاه الصحيح، شريطة أن تعزز بإجراءات فعالة، والإدارة التونسية فيها عدة كفاءات، لكن هناك أطراف ما زالت تعيق مسار 25 يوليو 2021 ، لذلك وجب وضع الشخص المناسب في المكان المناسب".
وأكّد لـ"العرب" أن "تونس تحتاج إلى خبرات لرفع التحدي الاقتصادي بالأساس، والحديث عن إعادة النظر في تركيبة الإدارة أمر صائب في إطار المساواة والشفافية، ذلك أنه بالرجوع إلى إحدى تقارير الهيئات الرقابية التي دققت في القروض والهبات أكدت أنه لم يتم صرف الكثير منها، فضلا عن وجود تعطيلات بيروقراطية". واستطرد قائلا "ثمة أطراف داخل الإدارة تعيق العمل وتقوم بممارسات تخريبية".
وشهدت تونس بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي حالة استقطاب وتجاذبات سياسية حادة بين الإسلاميين والعلمانيين لم تقتصر على الخيارات الكبرى التي تم انتهاجها، بل طالت أيضا التعيينات في الإدارة التونسية التي يرى البعض أنها تخضع للمحاصصة الحزبية.
وأثار تزوير الشهادات العلمية والتعيينات المشبوهة في عدد من القطاعات، في ظل ارتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائية للتونسيين، جدلا واسعا في الفترة الأخيرة، وسط دعوات إلى التدقيق في الشهادات العلمية في مختلف الوزارات والمؤسسات العمومية. وأحالت وزارة الشؤون الاجتماعية، أكثر من 200 ملف على القطب القضائي المالي، بخصوص تزوير شهادات علمية وتعيينات مشبوهة، وذلك بعد تحقيقات إدارية.
وفي سبتمبر 2013 اتهم عبدالقادر اللباوي رئيس الاتحاد التونسي للمرفق العام وحياد الإدارة آنذاك الائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة بتعمد "زرع أعضائها في مفاصل الدولة والإدارة بشكل أصبحت معه غير محايدة".
وقال المحلل السياسي والخبير الأمني خليفة الشيباني “المعارضة الأساسية لمسار25 يوليو هي داخل الدولة، حيث سقط النظام ولم تسقط المنظومة”، لافتا “يمكن تغيير الوزير، لكن الفاعلين الأساسيين هم من يشتغلون في الإدارات التابعة للوزارة، وهناك من يسيء للدولة".
وصرّح لـ"العرب"، "هناك من يعطل الخدمات التجارية في علاقة بالمراقبة، فضلا عن تدليس شهادات علمية ومهنية، حيث يتم تداول 140 ألف شهادة مزورة، إلى جانب التعيين بالولاءات الحزبية وفئات أخرى تمتعت بالعفو العام".
وأشار إلى أن "تلك الممارسات انعكست على المشاريع التنموية وعرقلتها، على غرار تصريح وزير الاقتصاد والتخطيط مؤخرا بخصوص الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي والمتناقض مع تصريحات الرئيس سعيد الداعي إلى التعويل على الذات".
وتابع الشيباني "يجب أن يفتح الرئيس ملف الإدارة، وخصوصا التعيينات وكيفية إجرائها، لأن الإدارة هي أحد أوجه الدولة، وهناك مشاريع معطلة منذ 2011، وكان يمكن أن توفر ما بين 40 و50 ألف فرصة عمل".
وأوضح أنه "لا توجد أيّ إجابة إلى حد الآن على مصير الهبات والقروض التي تحصلت عليها الدولة بعد 2011، وهناك أطراف لا تتبع نفس المنهج الذي يتوخاه الرئيس". وكان سعيد قد اتخذ إجراءات استثنائية في 25 يوليو2021، بدأت بحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات رئاسية وإقالة رئيس الحكومة.