حملات انتخابية باهتة في تونس تثير المخاوف من العزوف

تونس - رغم إدراكها أيامها الأخيرة لم تبلغ الحملة الانتخابية للمرشحين للانتخابات الرئاسية في تونس مستويات مهمة، وظلّت حسب المراقبين باهتة، وهو ما يثير مخاوف من سيناريو العزوف الشعبي عن الحدث. وبدأت الحملات الانتخابية على غير العادة، مقارنة بتلك التي نظّمت في محطتي 2014 و2019، حيث كان هناك انعكاس سياسي واضح للانتخابات في الشارع، كما أن المتابع للشأن السياسي التونسي يلاحظ غيابا واضحا لعنصر الحماسة والتشويق، فضلا عن غياب اللافتات والبيانات الانتخابية وبقاء الأماكن المخصّصة لتعليق صور المرشحين فارغة.
ويرى مراقبون أن الحملة الانتخابية اقتصرت على بعض الزيارات الميدانية للمرشح زهير المغزاوي بحضور أعداد قليلة من الناس، وعلى عدد من أنشطة الداعمين للرئيس قيس سعيّد، مع بعض الأنشطة على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي للمترشح القابع في السجن العياشي زمال.
واختار مناصرو المترشح قيس سعيد صباح الخميس التواصل المباشر مع الناخبين وسط مدينة توزر (جنوب)، بحضور ممثلين عن التنسيقية الوطنية للحملة الانتخابية، ومن المنتظر أن تتواصل الأنشطة الدعائية اليوم الجمعة بمعتمديات توزر ونفطة ودقاش، بعد جولة خلال الفترة الماضية في عدد من المدن والقرى عبر تنسيقيات محلية.
وأفاد سامي جلولي، الممثل عن التنسيقية الجهوية لحملة المترشح قيس سعيد، بأن التركيز كان من خلال التواصل بشكل مباشر، إما بالجولات في الشوارع والساحات أو حملات باب باب في بعض الأحياء والمناطق السكنية البعيدة، واتضح أنهم قدموا برنامج المترشح للسنوات الخمس القادمة والاستماع إلى مشاغل المواطنين، خاصة المتعلقة بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية على غرار مشاكل المزارعين وقطاع التمور بشكل أساسي.
وستُجرى الانتخابات الرئاسية في تونس الأحد المقبل، في ظلّ سجال سياسي وقانوني، بعدما رفضت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات أوامر المحكمة الإدارية بإعادة 3 مرشحين إلى السباق الرئاسي. والمرشحون الثلاثة هم الرئيس قيس سعيد الذي يطمح لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، والأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي، والأمين العام لحركة عازمون العياشي زمال، الذي يلاحق قضائيا بسبب افتعال تواقيع تزكيات وتهم أخرى، وأصدرت محكمة تونسية حكمًا بسجنه عاما و8 أشهر.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “نلاحظ أن هناك مستوى هابطا جدا من الحماسة في الشارع، وليست هناك مؤشرات حملة ولا برامج أو تصورات، وحتى اهتمام الشارع التونسي عوّضته حالة لامبالاة”. وأضاف في تصريح لـ“العرب”، “ليس هناك شعور بمنافسة حقيقية، والترشحات التي رفضتها هيئة الانتخابات كانت محفّزة، والآن يبدو أن الأمور حسمت لصالح الرئيس قيس سعيد”. وتابع ثابت “أعتقد أن تحقيق نسبة مشاركة مهمة هو التحدي الأول للسلطة، والرئيس سعيد يحتاج إلى تصويت مكثف يتجاوز الثلاثة ملايين ناخب".
وكانت هيئة الانتخابات قد رفضت تطبيق قرارات المحكمة الإدارية، والتي قضت بقبول طعون ثلاثة مرشحين وإقرار عودتهم إلى السباق الرئاسي، وهم عبداللطيف المكي وعماد الدايمي والمنذر الزنايدي. ومنذ 2011 خيمت ملفات مثل مكافحة الفساد وتطوير الاقتصاد على الحملات الانتخابية في تونس، فضلا عن الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين.
وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة بأن “هذه الانتخابات مختلفة عن تلك التي نظمت في 2014 و2019، في كل الجوانب القانونية والسياسية، وبرز ذلك في الحملة التي انطلقت وتواصلت باهتة، حيث هناك مرشح غائب والآخر ظهوره محتشم، ومرشح ثالث غائب لكن أنصاره تكفلوا بالدعاية في الشارع مع غياب المناظرات”.
وأوضح لـ“العرب” أن “الرئيس سعيد له حظوظ وافرة للفوز بولاية ثانية من الدور الأول وجمهوره سيكون معه”، لافتا إلى أن “من أولويات المواطن التونسي توفير حاجياته الضرورية وآخر اهتماماته الشأن السياسي، خصوصا بعد أن تم ترذيل العمل الحزبي وشيطنة الأحزاب”. وقال مراد علالة “هو استحقاق سياسي غاب عنه الطابع السياسي، وربّما قصّرت هيئة الانتخابات في الجانب التواصلي”.
وأعلنت أحزاب تونسية الخميس بصفة رسمية عن مقاطعتها للانتخابات الرئاسية، في وقت حذّرت فيه حركة النهضة مما وصفته بـ”المخاطر المحفوفة التي تهدّد المسار الانتخابي وخروجه عن الشرعية”. وأوضحت الأحزاب، وهي “العمال، التكتل، القطب، الاشتراكي، والمسار” (يسارية)، أن الانتخابات التي أعلنت عن مقاطعتها هي “انتخابات شكلية؛ وانقلاب ثان لمواصلة افتكاك السلطة”، كما شددت على أن المقاطعة ليست استسلاما بل ستكون نشيطة، عبر مواصلة النضال والتحركات قبل الاقتراع وبعده.
وكان الرئيس التونسي الرافض لمنظومة الأحزاب قد استبعد مختلف التشكيلات السياسية من المشاركة في صنع القرار، ما أثار استياء الأحزاب المساندة لمسار الخامس والعشرين من يوليو، حيث وجدت تلك الأحزاب نفسها في وضع لا تحسد عليه؛ فإما الالتحاق بجبهة المعارضين الضعيفة أصلا بسبب غياب القدرة على التعبئة في الشارع وغيرها، وإما مواصلة مساندة الرئيس سعيّد دون الحصول على شيء.
وفي الوقت الذي تتهم فيه المعارضة النظام السياسي بترهيب كل مرشح جدي للانتخابات، يرى الرئيس سعيّد أن الوضع العام يتعرض لمحاولة تأجيج ما يتطلب مضاعفة الجهود وفرض احترام القانون ضد كل محاولات تأزيم الأوضاع الاجتماعية بشتى الطرق، أو محاولة اللوبيات التأثير في العملية الانتخابية من وراء الستار.