حماية البيانات لأجل عدم استخدامها في أغراض انتخابية عنوان جدل في تونس

مطالب ملحّة لسنّ تشريعات رادعة لتجريم نشر البيانات.
الخميس 2022/06/30
المعطيات الشخصية محمية بالقانون

لا يزال واقع حماية المعطيات الشخصية يثير جدلا واسعا في الأوساط التونسية، حيث تتواصل الانتقادات الموجّهة إلى الإدارات والمؤسسات بوجود جملة من الإخلالات رغم حرصها على حماية هويات الأفراد وخصوصياتهم، وسط إقرار المراقبين بوجود انفلات إلكتروني ساهم في نشر بيانات التونسيين في وقت تعمل فيه الدولة على حماية معطياتهم.

تونس - أكد رئيس الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية في تونس شوقي قداس أن حماية المعطيات الشخصية لم تعد خيارا للدول بل أصبحت واجبا على كل الدول، معتبرا أنه لا يمكن التقدم في الرقمنة دون ضمان ذلك.

وأضاف في تصريح لإذاعة محلية، خلال المؤتمر الإقليمي حول البيانات الشخصية الذي تحتضنه تونس بمبادرة من الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بالشراكة مع مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، أن “التجربة التونسية تعد رائدة في مجال حماية البيانات الشخصية في القارة الأفريقية وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”.

وشدد نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي بتونس فرانسيسكو اكوستا سوتو على “أهمية حماية المعطيات الشخصية لا في تونس فحسب بل في جميع بلدان العالم من أجل حماية الحياة الخاصة للأفراد والاستخدام غير الآمن لمعطياتهم والهجمات السيبرانية المحتملة”.

رابح الخرايفي: حرص الدولة لا يكفي والمعطيات أصبحت تعطى بطريقة تلقائية

ووصف اكوستا التجربة التونسية في مجال حماية المعطيات الشخصية بـ”التجربة الرائدة في المنطقة والمثال الجيد الذي يمكن أن تنسج على منواله بقية الدول العربية والمتوسطية”.

وأحدثت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بالقانون الأساسي عدد 63 لسنة 2004 المؤرخ في السابع والعشرين من يوليو 2004 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية الذي أسند لها، إلى جانب صلاحياته العامة في المجال، سحب التراخيص من مرتكبي الممارسات المخالفة للتشريع والتراتيب المتعلقة بمعالجة المعطيات الشخصية.

ويرى مراقبون أن مؤسسات الدولة وهياكلها حريصة على حماية المعطيات الشخصية للتونسيين، لكن الاستخدام الكبير لصفحات التواصل الاجتماعي أثر سلبا على ذلك، وأفرز فضاء افتراضيا يعجّ بالمعلومات والمعطيات الخاصة بالأفراد.

وأفاد أستاذ القانون الدستوري والنيابي رابح الخرايفي أن “من الناحية القانونية هناك حرصا من الدولة لحماية المعطيات الشخصية وعدم العبث بها، لكن صفحات الإنترنت ساهمت في تفشي نشر المعطيات الشخصية (رسائل التواصل الاجتماعي، الصور، المشاركات، أرقام الهواتف والعلاقات الشخصية)”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “حرص الدولة ومن ورائها الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية لا يكفي لحماية خصوصيات الأفراد، والمعطيات أصبحت تعطى بطريقة تلقائية، في المساحات الكبرى، في الإدارات، وشركات الاتصالات”، داعيا إلى “ضرورة إعادة التفكير في استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الكلّ يتسابق نحو التعريف بنفسه وخصوصياته عبر فيسبوك وإنستغرام وغيرهما”.

وتابع الخرايفي أنه “يمكن استعمال المعطيات الشخصية في السرقة والتحيل على الأفراد والمؤسسات، والعالم الافتراضي الجديد لا يمكن التعامل معه إلا بالمعطيات والرموز”، قائلا “هناك تخوّف من الاستمرار في تحديد المشاكل الحقيقية، ولا بدّ من رؤية جديدة وسنّ نصوص قانونية”.

وأشار إلى أن “المعطيات الشخصية منشورة للعلن وغير محمية، وليست الدولة هي من نشرتها بل الأشخاص، وهناك بعض الوثائق الشخصية والأوراق الطبية ملقاة في الشوارع”.

سهولة الولوج إلى المعطيات الشخصية عبر مواقع التواصل
سهولة الولوج إلى المعطيات الشخصية عبر مواقع التواصل

ويعتبر نشطاء سياسيون أن المعطيات الشخصية تسهر الدولة على حمايتها باستخدام القانون، لكن ذلك لا ينفي وجود إخلالات تتعلق أساسا باستغلال بعض المعطيات في أغراض سياسية وانتخابية، وسط دعوات ملحّة إلى ضرورة سنّ تشريعات رادعة لتجريم نشر المعطيات الشخصية للأفراد.

وأفاد المحلل السياسي نبيل الرابحي بأن “المعطيات الشخصية محمية بالقانون وهناك هيئة مشرفة عليها (الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية)، ويمكن أن تحدث إخلالات خصوصا من ناحية استعمال المعطيات الشخصية في أغراض انتخابية وسياسية”.

وقال لـ”العرب”، “المعطيات الشخصية موجودة مثلا في بعض الإدارات والوزارات (البلديات، ووزارة الاتصال)، وتم في بعض الأحيان استغلال قاعدة البيانات في أغراض انتخابية”.

وتابع الرابحي “لا بدّ من قوانين لتجريم نشر المعطيات الشخصية، وهناك انفلات كبير في شبكات التواصل الاجتماعي، فضلا عن عمليات قرصنة المواقع الإلكترونية، وهذا يستدعي وجود عقوبات رادعة”.

وفي وقت سابق أطلقت الهيئة “حقيبة الأدوات الخاصة بحماية المعطيات الشخصية في مجال الصحة”، التي تم إعدادها بالتعاون مع ممثلي قطاع الصحة في تونس وبالاعتماد على خبرة مجلس أوروبا، وفي إطار مشروعه المشترك مع الاتحاد الأوروبي “دعم الهيئات المستقلة في تونس”.

نبيل الرابحي: لا بدّ من قوانين لتجريم نشر المعطيات الشخصية

وتهدف “حقيبة الأدوات” إلى مزيد توعية المهنيين والمتدخلين في القطاع الصحي في تونس، بما فيه المتداوين (الذين من المفترض إعلامهم بحدود المعطيات الشخصية التي سيتم استغلالها وأغراض ذلك وإلى من ستوجه)، والباحثين وكل المؤسسات المعنية بعمليات تبادل البيانات وخاصة المعطيات الشخصية المتعلقة بصحة الأشخاص، فضلا عن مزيد مساعدة المهنيين الناشطين في قطاع الصحة على تطوير الوعي الجماعي حول رهانات وسبل حماية المعطيات الشخصية.

وأوضح قدّاس أن حقيبة الأدوات تهدف إلى رفع مستوى حماية المعطيات الشخصية خاصة المتعلقة بصحة الأشخاص وتعزيز الوعي بحساسيتها وتوعية المهنيين وجميع الأطراف المخول لها استغلالها وتبادلها ومعالجتها في مجالات البحث والعلاج وتطبيق القانون وحدود استعمالها، مؤكدا أن الجائحة عرت مدى إتاحة هذه المعطيات وعدم حمايتها.

ولفت إلى أن هذه الحقيبة “تتضمن مجمل الإجراءات المتماهية مع المعايير الدولية في المجال والمتناسقة مع الواقع التونسي والواجب اعتمادها لاحترام خصوصية المرضى والمتداوين”.

وأشارت منسقة سياسة الجوار في منطقة جنوب البحر المتوسط، رئيسة مجلس أوروبا في تونس بيلار مورالس فرننداز - شاو إلى أن “هذه الحقيبة تتنزل في إطار مشروع شامل لدعم الهيئات المستقلة في تونس في اتجاه دعم البناء الديمقراطي في البلاد وهناك رغبة من دول الجوار في الاستئناس به”.

وشدد الرئيس الأسبق لعمادة الأطباء سليم بن صالح على ضرورة إعلام المريض الذي ستستغل معطياته الشخصية بالموضوع وبحدود استغلال معطياته وأهدافه والحصول على موافقته، وتوضيح معايير استغلال المعطيات الشخصية الصحية أمام الموجبات القانونية أمام الهياكل القضائية والبوليسية.

وأشارت العضو السابق في هيئة حماية المعطيات الشخصية وعضو لجنة تحرير مشروع قانون البحوث البيوطبية القاضية لمياء الزرقوني إلى ضرورة تحصين المعطيات الشخصية الصحية، خاصة في ظل الفرص التي أتاحتها تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتطبيب عن بعد وانفتاح القطاع الصحي على المؤسسات الناشئة لتسيير العيادات، محذرة من مطالبة بعض الأجهزة بهويات بيومترية لما فيه من تعدّ على المعطيات الشخصية المحمية قانونيا.

مؤسسات الدولة وهياكلها حريصة على حماية المعطيات الشخصية للتونسيين، لكن الاستخدام الكبير لصفحات التواصل الاجتماعي أثر سلبا على ذلك
مؤسسات الدولة وهياكلها حريصة على حماية المعطيات الشخصية للتونسيين، لكن الاستخدام الكبير لصفحات التواصل الاجتماعي أثر سلبا على ذلك

وسبق أن ذكرت الهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية أنه بإمكان أي شخص التثبت من أرقام الهاتف التي تم اقتناؤها باستعمال بطاقة تعريفه الوطنية، من خلال اللجوء إلى الخدمة التالية *186* رقم بطاقة التعريف الوطنية #.

وأفادت الهيئة في بلاغ موجه إلى عموم المواطنين  بأنه تم منذ تاريخ الرابع والعشرين من ديسمبر 2019 إتاحة إمكانية التثبت عبر هذه الخدمة، إن تم استعمال بطاقة تعريفهم الوطنية لاقتناء شريحة هاتف جوال، مشيرة إلى أن “رقم الهاتف الجوال معطى شخصي لا يمكن معالجته واستخدامه إلا في إطار ما ينص عليه القانون الأساسي عدد 2004 - 63 المتعلق بحماية المعطيات الشخصية”.

ودعت الهيئة كل شخص تفطن إلى استعمال رقم بطاقة تعريفه لاقتناء شريحة هاتف، القيام بعدد من الإجراءات وهي الطلب من مشغل الهاتف نسخة من العقد المتعلق بالأرقام المسترابة والممضى من طرفه وإذا اتضح أن العقد غير ممضى من قبله فبإمكانه طلب إبطاله حالا.

وأضافت الهيئة أنه في حالة عدم استجابة المشغل فإنه يمكن القيام بتقديم شكاية للهيئة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية لخرق مقتضيات القانون الأساسي المتعلق بحماية المعطيات الشخصية، مؤكدة أن الهيئة ترفع لديها شكايات في هذا الصدد وتقوم بتتبعات جزائية.

16