حماية الأبناء من الكلام البذيء تنطلق من معاملة الأبوين

الأسرة لا تستطيع وحدها حماية الصغار من ترديد الألفاظ النابية، ومعاقبة الطفل على التفوه بعبارات سيئة تؤتي نتائج عكسية.
الأربعاء 2019/01/16
الأحياء الشعبية بيئة حاضنة للكلام البذيء

تنتشر الألفاظ النابية في أوساط الأطفال في المجتمعات العربية حيث يكررونها دون معرفة معانيها في أغلب الأحيان. وتعجز الأسرة في الكثير من الحالات عن مواجهة هذا التيار الذي يجرف صغارها لتأثرهم بالمحيطين بهم سواء في المدرسة أو في الشارع بحكم تقليد الصغير لأغلب ما يؤتيه الكبار، وهو ما يجعل مختصين يؤكدون أن الحد من تداول الكلام البذيء عند الصغار لا يمكن أن تقوم به الأسرة وحدها.

القاهرة – يعتبر مختصون في علم الاجتماع وعلم النفس أن استشراء الألفاظ النابية عند الصغار بلغ حد الظاهرة التي يجب الاهتمام بها ودراستها ومناقشتها والبحث في أسبابها لإيجاد الحلول التي تجنب الصغار الوقوع فيها. وتقترح الدراسات في هذا المجال أن تتعاون الأسرة مع جل المؤسسات التربوية والتعليمية ومع المؤسسات التي تمثل المجتمع ويمكن توظيفها كأدوات للتوعية وعلى رأسها وسائل الإعلام، غير أن الأخيرة بدورها باتت إحدى قنوات نشر الكلام البذيء لدى الأطفال.

يقول الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة، محمود الشربيني، الأسرة تعتبر المؤثر الأول في حياة الطفل، فمنها يتعلم اللغة ويتشبع بالقيم الثقافية والاجتماعية، وعندما يصبح الطفل في المراحل الأولى من الاعتماد على الذات بعد أن يستطيع المشي والتواصل اللغوي مع دائرة أوسع من الأسرة، يبدأ باكتساب عادات سلوكية جديدة قد تكون دخيلة على الأسرة كأن يقوم بتقليد ترديد الألفاظ والكلمات التي يرددها الآخرون بشكل أعمى.

ويضيف الشربيني أن الألفاظ النابية تشكل أحد مكتسبات الطفل من البيئة المحيطة به، لكنها من الأمور السلبية والمؤرقة للأسرة التي تستهجن بدورها هذه الألفاظ محاولة تخليصه منها. وتعتبر الأمثلة السيئة في العائلة الموسعة وأحيانا في الأسرة ذاتها والاختلاط بالأقران والتأثر بوسائل الإعلام أهم مصادر اكتساب الطفل لها.

وكشفت إحدى الدراسات الاجتماعية أن 80 بالمئة من الأطفال في سن المدرسة يتعرضون للألفاظ السيئة من زملائهم، كالسخرية بشكل مباشر والعنف اللفظي والمشاجرات.

أساس الوقاية من هذه الظاهرة هي المعاملة الحسنة للطفل من قبل والديه واستعمال اللغة ذات الأثر الطيب في نفسه

ويؤكد الباحث أن أكثر ما يحرج الأبوين أن يتلفظ ابنهما بألفاظ بذيئة أمامهما أو أمام الغرباء، فيشعران بالإحراج والغضب، وقد يصلان إلى درجة من الإرباك التي تجعلهما يشعران بالعجز عن تصويب هذا السلوك.

وينصح الشربيني الوالدين بالبدء بمعرفة الأسباب الكامنة وراء هذا السلوك، حيث يمثل ذلك نصف العلاج، فإن كان تأثرا بفرد من الأسرة أو بأحدهما فيجب عليهما توفير القدوة الحسنة للابن وحثه على اتباعها وتوعيته عن طريق الحوار بسوء ترديد الألفاظ النابية وتعريفه بأن ذلك يمس صورته عند الآخرين وعند الأشخاص المحببين إليه الذين قد يبتعدون عليه بسبب مال يقوله.

وإذا كان مصدر الكلام البذيء أحد الأقران فيمكنهما السعي إلى إبعاده عليه، لكن دون فرض القطيعة معه، بل بأساليب تجعله مقتنعا ولو نسبيا بأن ذلك ضروري ليكون شخصا مهذبا ومحبوبا. وفي نفس الوقت يعوض الكلام البذيء لدى الطفل بالكلام الطيب كبديل يحاول الأبوان جعله ينال إعجابه، ويحذر من الكلام السيء إلى أن يتركه.

أما إذا كانت الكلمات البذيئة قد تأصلت عند الطفل فتستخدم معه أساليب الثواب والعقاب وإحلال السلوك القويم محل السلوك المرفوض، وفق الشربيني، ويكون ذلك بالبحث عن مصدر وجود الألفاظ البذيئة في قاموس الطفل، إذ أن الطفل جهاز محاكاة للبيئة المحيطة؛ فالألفاظ التي يقولها تعد محاكاة لما قد سمعه من بيئته المحيطة.

من جانبها تعتبر الأخصائية الاجتماعية بإحدى المدارس، علا عبدالرازق، أن ظاهرة الألفاظ النابية التي يتبادلها الأطفال في المدارس منتشرة بصورة مزعجة. وتقول “يوميا، يزورني من يشكو بأن فلان قد شتمه أو وجّه له لفظا مسيئا، وعندما أُحقق في الأمر أجد أن المعتدي ليس واعيا بما فعله”.

الكثير من الأطفال الذين يتفوهون بكلمات بذيئة لا يعرفون أنها بذيئة
الكثير من الأطفال يتفوهون بكلمات بذيئة لا يعرفون أنها بذيئة

وتشير عبدالرازق إلى أنها حين تقابل أحد الوالدين يقول بعضهم إن ابنه من المستحيل أن يتلفظ بتلك الكلمات، أو يتهمون المدرسة بأنها مصدر تلك الألفاظ السيئة أي أنهم يجهلون في أغلب الحالات أن أبناءهم يقدمون على مثل هذه السلوكيات، أو ينطلقون في توجيه التهم للغير دون السؤال عن الطرق الكفيلة بتصويب ذلك السلوك.

وتضيف أن ما يسمعه الطفل خلال اليوم سواء في البيت أو في الحي أو في الشارع أو في المدرسة وحتى عند مشاهدة التلفزيون يتضمن في غالبيته عنفا لفظيا أو عبارات مسيئة أو شتائم وأحيانا كلمات بذيئة، وهو ما يجعل حمايته منها مهمة بالغة الصعوبة.

وتنصح خبيرة المشكلات الأسرية والطفولة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة وفاء عمر، الأم عندما تسمع كلمة سيئة من طفلها بأن لا تصرخ في وجهه أو تحاول معاقبته مباشرة، بل عليها أن تفتح حوارا معه في هدوء وتسأله عن مصدر تلك الكلمة، ومن قالها؟ وأين سمعها؟ ثم تشجعه على ألا يستعمل تلك الكلمة مرة أخرى وتقدم له مكافآت إذا اتبع توجيهاتها.

وتؤكد أن الأب والأم يجب أن يقتربا أكثر ما يمكن من أصدقاء أبنائهم ويتعرفون عليهم؛ ويجب أن يراقبا ما يشاهده الأبناء على التلفزيون ليتجنبا البرامج أو الأفلام وغيرها التي فيها ألفاظ بذيئة، فليس كل برامج التلفزيون تصلح للأطفال. وكذلك الرقابة على أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة ضرورية اليوم، حتى تنقص فرص التقاط الأبناء لهذه الألفاظ.

ومن وجهة نظر أستاذ الصحة النفسية بجامعة طنطا، عبدالعزيز السكري، فإن أساس الوقاية من هذه الظاهرة هي المعاملة الحسنة للطفل من قبل والديه واستعمال اللغة ذات الأثر الطيب في نفسه مثل عبارات: شكرا، ومن فضلك، ولو سمحت، وأعتذر.. وإن استخدم الطفل عبارة بذيئة أو غير لائقة يتم توجيهه بعدم استخدامها مجددا، علما بأن الكثير من الأطفال الذين يتفوهون بكلمات بذيئة لا يعرفون أنها بذيئة.

ويوضح السكري أن التربية الصارمة والقائمة الطويلة من الممنوعات قد تكونان سببا في ظهور هذه المشكلة، الأمر الذي يحتم تفهم احتياجات الطفل وخلق الثقة والصراحة بينه وبين والديه كأسلوب تنشئة سليم يجنبه الوقوع في هذه الألفاظ.

21