حماس والخيار المر: الشراكة مع إسرائيل أم البقاء في حلف إيران

الحركة الإسلامية تتعاطف مع طهران في مقتل سليماني من دون التورط مع الجانب الأميركي.
الأربعاء 2020/01/08
هنية خلال مراسم تشييع سليماني في طهران

مقتل قائد فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري الإيراني غيّر الكثير من المعادلات بالنسبة لإيران وأذرعها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ماذا عن حماس ومشروع التهدئة الطويلة مع إسرائيل هل ستسير فيه الحركة أم أنها ستعيد النظر به؟

تجد حركة حماس نفسها في مفترق طرق بين المضي قدما في خيار التهدئة الطويلة مع إسرائيل أو البقاء في خندق إيران التي لن تكون في وارد القبول بالمواقف الرمادية للفصائل والميليشيات المحسوبة عليها في المنطقة وتلك التي تدور في فلكها بعد اغتيال الولايات المتحدة أحد أبرز رجالاتها وهو اللواء قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” الجناح الخارجي للحرس الثوري.

وسبق وأن تغاضت طهران، لدوافع نفعية، عن سلوكيات حماس ومواقفها، خاصة حينما انحازت الحركة الفلسطينية في العام 2011 إلى الشق الرافض لنظام الرئيس السوري بشار الأسد وحرصت إيران آنذاك على الإبقاء على العلاقات معها وخاصة مع الجناح العسكري كتائب عزالدين القسام، رغم تحفظات دمشق وحزب الله اللبناني، والهدف كان أساسا الحفاظ على موطئ قدم ثابت في الأراضي الفلسطينية في سياق لعبة المناكفات والمساومات مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي.

وتعتبر إيران اليوم أن الوضع اختلف، وأن ما قبل مقتل سليماني ليس كما بعده، وبالتالي فإن عملية غربلة الحلفاء ضرورة تستوجبها أجواء التصعيد والتصعيد المضاد مع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والتي لا يستطيع أحد التكهن بمساراته.

وقُتل سليماني ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” العراقي أبومهدي المهندس، وآخرين كانوا برفقتهما، فجر الجمعة، في قصف صاروخي أميركي استهدف سيارتين كانوا يستقلونهما على طريق مطار العاصمة العراقية بغداد.

هرتسي هاليفي: التهدئة مع حماس في غزة قرار صحيح للحكومة الإسرائيلية
هرتسي هاليفي: التهدئة مع حماس في غزة قرار صحيح للحكومة الإسرائيلية

وشكل مقتل سليماني خسارة يصعب تعويضها ليس فقط لإيران حيث يعد “العقل المدبر” لعملياتها الخارجية ومهندس سياساتها في الشرق الأوسط، بل لمحور كامل يشمل فصائل وتنظيمات فلسطينية بينها حركة حماس التي يرتبط سليماني وجناحها العسكري على وجه الخصوص بعلاقات وثيقة جدا معها.

وسارعت حماس عقب مقتل قائد فيلق القدس إلى التنديد بالعملية الأميركية وأقامت بيت عزاء له في قطاع غزة، كما شارك رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية رفقة مجموعة من القيادات في مراسم تشييع جثمان قاسم سليماني في العاصمة الإيرانية طهران الاثنين.

وبحسب تصريحات نقلها المركز الفلسطيني للإعلام التابع للحركة قال هنية من طهران إن مقتل سليماني “لن يضعف مشروع المقاومة على أرض فلسطين”، وأضاف هنية في كلمة له خلال تشييع سليماني “أتينا من فلسطين المباركة ومن القدس لنقدم التعازي للقائد علي خامنئي ولإيران الإسلامية باستشهاد القائد سليماني”.

واعتبر هنية أن “جريمة اغتيال الفريق سليماني تعبر عن روح البلطجة والعنجهية والإجرام للولايات المتحدة”، واصفا مقتل سليماني بـ”جريمة نكراء تستحق من كل العالم الرفض والإدانة والعقوبة”.

وأشار إلى أن “مشروع المقاومة على أرض فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني الأميركي لن يضعف وسيستمر، ولن يتراجع، والاغتيالات تزيدنا قوة من أجل تحرير القدس”، مطلقا على سليماني لقب “شهيد القدس”.

وكان هنية وصل مساء الأحد إلى طهران قادما من الدوحة، على رأس وفد من الحركة يضم نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبومرزوق وعددا آخر من قيادات الحركة.

ويقول محللون إن مقتل سليماني والتفاعلات المنجرة عنه يضع حركة حماس في موقف صعب، خاصة وأنها على أعتاب إبرام صفقة كبرى مع إسرائيل ظاهرها تهدئة مطولة تصل إلى عشر سنوات، مقابل تحسين الوضع الاقتصادي في قطاع غزة، وباطنها هو ترويض الحركة والانتقال بالعلاقة معها من الخصومة والعداء إلى شريك فاعل خاصة مع توتر العلاقات بين تل أبيب ورام الله (السلطة الفلسطينية) التي باتت وفق الحكومة الإسرائيلية مصدر إزعاج كبير.

وترنو حماس إلى إبرام هذه الصفقة مع إسرائيل والتي تريد من خلالها قطف جملة من الثمار لعل أهمها هو تثبيت حكمها للقطاع، والتحول لفاعل سياسي وازن على المسرح الفلسطيني، ولم لا بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية التي تقودها حركة فتح، دون الأخذ بعين الاعتبار المفاعيل الخطيرة لهذه الصفقة والتي قد ينجر عنها تعزيز انفصال الضفة الغربية عن غزة، وهذا الأمر في صلب مشروع السلام الأميركي المعروف بـ”صفقة القرن”.

وهناك مستفيدون إقليميون أيضا من هذه الصفقة وعلى رأسهم تركيا وقطر اللتان تدفعان بقوة لإنجازها، لما يحققه لهما ذلك من مكاسب سواء لجهة العلاقة المباشرة مع إسرائيل أو في ما يخص فرض نفسيهما رقمين صعبين في المعادلة الفلسطينية.

ويعتقد أن حماس ليس في وارد تفويت ما تعتبره فرصة كبرى أي صفقة التهدئة الطويلة مع إسرائيل، بيد أنها في الآن ذاته ستسعى لإبقاء علاقاتها مع طهران في سياق لعبة التوازنات التي أتقنتها الحركة على مر السنوات.

Thumbnail

ورغم ما أبدته الحركة الفلسطينية من تعاطف مع إيران في مقتل سليماني وتنديدها الشديد بالعملية الأميركية، بيد أنها على خلاف باقي التنظيمات المرتبطة بطهران تعمدت من خلال تصريحاتها وبياناتها حتى تلك التي صدرت عن جناحها العسكري كتائب عزالدين القسام عدم التورط وإبداء نية المشاركة في أي أعمال انتقامية، في خطوة تحمل أكثر من مغزى.

ويرجح على نطاق واسع أن تسرع إسرائيل في وتيرة عملية التفاوض بشأن النقاط الخلافية وعلى رأسها مسألة المعتقلين الإسرائيليين لدى الحركة، للتوصل إلى التهدئة التي باتت مطلوبة أكثر من أي وقت مضى للتفرغ للجبهة الشمالية التي تزايدت الأخطار القادمة منها خاصة بعد مقتل سليماني.

وكشف قائد المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي الجنرال هرتسي هاليفي في حديث مع صحيفة “يديعوت أحرنوت” عن جهود تبذل حاليا لإنجاز التهدئة مع حماس في قطاع غزة.

وقال هاليفي إن التهدئة مع الحركة في غزة قرار صحيح للحكومة الإسرائيلية، وأضاف أن “هناك فرصة لإرسال رسالة للعالم بأن إسرائيل مستعدة، وتريد أن يكون الوضع في قطاع غزة أفضل مما هو عليه اليوم، بحيث يمارس الفلسطينيون تأثيرهم على المنظمات العسكرية لتخفيض العنف والمواجهات المسلحة”.

وأوضح أنه “من الأهمية بمكان تذكر موضوع الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في غزة، ولن نذهب لتسوية كاملة مع حماس دون تسوية قضيتهم”.

وبالنسبة لاغتيال سليماني وتأثيره على غزة، أكد هاليفي “إننا ننظر للموضوع عن بعد، ومن الجيد أن الاغتيال حصل بعيدا عن إسرائيل، يجب النظر لهذا الاغتيال على أنه جزء من المعركة الدائرة بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية، هذا الأمر سيترك تأثيره على الإسرائيليين، ويجب علينا متابعته عن قرب، لكننا لسنا القصة المركزية في هذا الحدث بالذات، ومع ذلك فإن الأسابيع القادمة ستكون مؤثرة جدا”.

وأوضح أن “هناك تنظيمات فلسطينية في غزة عملت مع سليماني، ونحن نراقب الوضع هناك، ومستعدون للرد بقوة على أي تطور، دون أن نشخص شيئا ما باديا في الأفق”.

2