حماس في حاجة إلى مراجعة شاملة لسياستها

على حركة حماس القيام بمراجعات شاملة وإعادة التفكير في طرق تعاملها مع الأحداث فما كان يعتبره أنصارها من "الثوابت" أصبح اليوم من "المتغيرات" التي يجب إعادة النظر فيها.
الجمعة 2025/04/04
القضية برمتها اختزلت في وقف مقترح التهجير

حاولت “حماس” في وثيقتها التي عدلت عام 2017 الحفاظ على الثوابت الراسخة في فكرها السياسي؛ باعتبارها مقاومة فلسطينية ذات صبغة إسلامية، انطلقت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، مع الأخذ في الاعتبار التحولات العقيمة التي شهدها النظام السياسي العربي والإقليمي والدولي، بداية من انهيار الاتحاد السوفياتي، مرورًا بأحداث 11 سبتمبر 2001، والحرب على الإرهاب، والتصنيف الدولي لحركات المقاومة الإسلامية. إلا أن الأمور لم تبقَ كما هي، فالسنن الكونية تلعب دورًا في التغير والتبدل في خرائط العالم السياسية.

بعد ثورات الربيع العربي ووقوف حماس مع الثورة السورية والثورة المصرية، وخلال ست سنوات، تحولت حماس من حركة واقعية تصف واقعها الموجود وترقب تحرير فلسطين كاملة، إلى حركة براغماتية لا تتقيد بالمبادئ المجردة أو الأفكار السابقة. فرغم زعم قادة حماس بأن الحركة ما زالت على مبادئها، إلا أن الواقع مختلف بعد تعديل الميثاق.

ولا بد هنا من ومضة حول تعديل الميثاق الذي لم يتطرق في طياته إلى آيات قرآنية وأحاديث نبوية كما جاء في وثيقة 1988، بل تم التركيز على الجانب السياسي فقط دون التطرق إلى براهين من وحي القرآن والسنة النبوية. وقد تمحورت الوثيقة حول قبول حماس، إقليميًا ودوليًا، موافقتها المبدئية على دولة فلسطينية على حدود 1967.

بعد طوفان الأقصى وانتهاء الحرب، تبدو حماس أمام مشهد مختلف. فثمة تحول كبير في سياستها الداخلية والخارجية قد نشهده مجددًا. خارجيًا، ستحاول الحركة ترميم وضعها بعد 7 أكتوبر، وهذا يحتاج إلى قفزة نوعية في تغيير فكرها السياسي. داخليًا، ستنأى بنفسها عن إدارة حكم غزة.

◄ الورقة الوحيدة الآن بيد حماس هي ورقة الأسرى، وما تبقى من أوراق خسرتها. ومنها ما يُشاع بأن القضية الفلسطينية أصبحت بعد الطوفان على الطاولة الأممية، بعد نفض الغبار عنها، وأن العالم برمته يريد أن ينهي القضية الفلسطينية

في المقابل، لن تضحي حماس بوجودها كحركة وفصيل منافس لفتح على الساحة الفلسطينية بسهولة. وهي في حاجة إلى جملة أفكار مختلفة تتماهى مع الوضع الإقليمي وما يشترطه العالم عليها. فإيران، الدولة الراعية لحماس، باتت اليوم غير قادرة على مواصلة الدعم السياسي لها. وتركيا أيضًا لن يطول بها المشوار كداعم سياسي لها، فتركيا الطامحة إلى دخول الاتحاد الأوروبي لن تضحي بمستقبلها من أجل دعم حماس. إذًا، الوضع السياسي لحماس مختلف اليوم عن الأمس.

هناك شرط أساسي لإسرائيل لكي توقف الحرب، وهو أن ترى غزة دون حماس التي تسيطر على القطاع أمنيًا وسياسيًا وعسكريًا. والشهور القادمة تحمل كثيرًا من التغيرات، منها من يدير غزة بعد الحرب. فالخلاف الموجود هو إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استبعاد السلطة الوطنية الفلسطينية من استلام غزة، فهو يتطلع لإدارة مجتمعية من العشائر أو المستقلين، المهم أن يكونوا غير مسيسين. بينما الاتحاد الأوروبي والدول العربية مع عودة السلطة لإدارة حكم غزة. والصهيونية الدينية حتمًا تسبح عكس التيار، وتريد عودة الاستيطان للقطاع بوتيرة عالية مع تهجير الغزيين منه. لهذا السبب، هنالك تخوف من تحقيق ما ترنو إليه الصهيونية الدينية في ظل حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي طرح الفكرة وعرضها على مصر والأردن.

المشهد السياسي في ما يتعلق بغزة يبدو ضبابيًا، ولا أحد يستطيع فهم كنهه وما سوف تؤول إليه الأوضاع هناك في قادم الأيام. فهل يتوافق العالم على صيغة تجرد حماس من سلاحها وترضخ حماس لهذا الشرط؟ أم فعلاً ينجح ترامب في تهجير الغزيين؟

على جميع الصعد، الوضع القادم في ظل وجود ترامب لا يبشر خيرًا. فاستئناف الحرب على غزة سيناريو مطروح على طاولة نتنياهو، وتهجير الغزيين السيناريو الأقوى مطروح أيضًا على طاولة الولايات المتحدة وإسرائيل، وكلاهما له وقع صعب على الشعب الفلسطيني.

الحال اليوم، بدلًا من الشروع في التفاوض على وقف الاستيطان في الضفة الغربية واستئناف المفاوضات من النقطة التي وصلت إليها، صار لزامًا بعد ما جرى في السابع من أكتوبر التفاوض من أجل عودة القطاع إلى ما قبل السابع من أكتوبر.

يرى الكثير من المفكرين والمحللين أن على حركة حماس القيام بمراجعات شاملة في أساليبها في الحكم وإدارتها لبرنامج المقاومة وعلاقاتها الداخلية والخارجية، وأن عليها أن تراعي الظروف الإقليمية والدولية، وتعيد التفكير في طرق تعاملها مع الأحداث، وأن ما كان يعتبره أنصارها من “الثوابت” يمكن أن يصبح من “المتغيرات” التي يمكن إعادة النظر فيها.

الخلاصة، الورقة الوحيدة الآن بيد حماس هي ورقة الأسرى، وما تبقى من أوراق خسرتها. ومنها ما يُشاع بأن القضية الفلسطينية أصبحت بعد الطوفان على الطاولة الأممية، بعد نفض الغبار عنها، وأن العالم برمته يريد أن ينهي القضية الفلسطينية وتصبح للفلسطينيين دولة. ولكن ما جرى هو العكس؛ الاتحاد الأوروبي والدول الصديقة للشعب الفلسطيني تضغط اليوم باتجاه عدم التهجير، وقد اختزلت القضية برمتها في وقف مقترح التهجير الذي يروج له ترامب ونتنياهو. أي بمعنى آخر، عادت القضية إلى نقطة الصفر.

 

اقرأ أيضا:

      • بن غفير يعكر الأجواء بعد رمضان هادئ في القدس

9