حل أزمة الكامور يدفع الحكومة لمعالجة الأوضاع المتردية

تفرض التحديات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة نفسها مرة أخرى وبقوة على الحكومة التونسية الفتية التي تبنت دور “المنقذ الاقتصادي”. وبعد حلحلة ملف الكامور وعودة النفط إلى الإنتاج في جنوب البلاد، تصطدم حكومة هشام المشيشي برهانات أخرى تستدعي مقاربات مختلفة ومعالجة خاصة في ظل تردي الأوضاع في مختلف جهات البلاد.
تونس – زاد “النجاح المؤقت” للحكومة التونسية في إخماد نيران الاحتجاجات التي رافقت ملف النفط الحيوي في الجنوب، في حجم مسؤولية رئيس الحكومة هشام المشيشي بالتعهد بوعوده في حلحلة الملفات الاجتماعية والاقتصادية الحارقة، ما دفع رئيس الجمهورية قيس سعيّد إلى دعوة المشيشي إلى اعتماد مقاربة جديدة لمعالجة الأوضاع والبحث عن استراتيجيات ممكنة لتخطي العقبات القادمة.
وتطرح المقاربة الجديدة مسألة الآليات والحلول التي يمكن أن يلجأ إليها المشيشي لحلحلة الملفات الاقتصادية والاجتماعية بطريقة جذرية تضمن عدم العودة إلى الوراء وعدم تعقيد المهمة التي جاءت هذه الحكومة لتنفيذها.
وأكد الرئيس قيس سعيّد خلال لقاء جمعه برئيس الحكومة في قصر قرطاج على “أهمية إيجاد حلول جذرية للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية المطروحة”. كما دعا حسب بيان لرئاسة الجمهورية إلى “اعتماد مقاربة جديدة لمعالجة هذه الأوضاع تقطع مع المقاربات السابقة التي أثبت التاريخ فشلها”.
وأشارت الرئاسة في بيان نشرته بصفحتها على موقع فيسبوك إلى أن اللقاء تناول أيضا الوضع المالي وخاصة مشروع قانون المالية التعديلي ومشروع قانون المالية للسنة القادمة وتطرق أيضا إلى تطورات الوضع الصحي في مختلف جهات البلاد والتأكيد على ضرورة اتخاذ مبادرات جديدة كلما استوجب الأمر ذلك.
ولا يزال التونسيون ينتظرون إجراء إصلاحات ضرورية للخروج من الأزمة المتفاقمة والتي أهملتها الحكومات السابقة وروّجت لها كثيرا في خطاباتها على غرار مكافحة الفساد والنهوض بالاقتصاد الوطني وغيرهما.
ويؤكد مراقبون على ضرورة التركيز على المنوال التنموي عبر خلق مناخات استقرار اجتماعي، وإرجاع الديناميكية الاقتصادية ومعالجة مشاكل مواقع الإنتاج الحيوية، فضلا عن تجنب التمييز السلبي بين الجهات والأقاليم في مستوى الخدمات والمشاريع التنموية.
وأكد بدرالدين القمودي، رئيس لجنة مكافحة الفساد في البرلمان، “على ضرورة تركيز برامج تنمية حقيقية في الجهات الداخلية مع وجوب سيطرة الدولة على كامل ثرواتها لصالح المجموعة الوطنية، بعيدا عن التمييز السلبي لتلك الجهات التي تعاني من التهميش منذ أكثر من 70 سنة”.
وأضاف القمودي في تصريح لـ”العرب”، أن “المشكلة تتمثل بالأساس في كيفية توزيع الثروة، وأسلوب إدارة الحوار من الحكومة في الكامور حمَل جانبا جهويا، ما أثار حفيظة جهات أخرى أبرزها قفصة وسيدي بوزيد والكاف”، مشيرا إلى استحالة تلبية حاجيات ولايات (محافظات) بنفس الأسلوب المعتمد في حل ملف الكامور.
وتابع “ما يرمي إليه الرئيس سعيّد من خلال دعوة المشيشي إلى معالجة الأوضاع بطريقة مغايرة هو أن الحل الاستراتيجي يكمن في التوزيع العادل للثروة بين الجهات وتحقيق التنمية هناك.. كل الجهات في تونس فيها مواطن شغل ومشاريع لكن المشكلة متقادمة وهي تركيز النسيج الصناعي والتنموي في الجهات الساحلية وتهميش الجهات الداخلية، وهذا يرتبط أساسا بتحسين البنية التحتية ودفع الاستثمار”.
واعتبر النائب البرلماني أن “المشيشي منذ توليه رئاسة الحكومة لم يأت ببرنامج اقتصادي ورؤية واضحة، وتونس اليوم تحتاج إلى برنامج إنقاذ اقتصادي يأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الجهات وتفاوتها الاجتماعي، فضلا عن الإمكانيات البشرية.. لا بد أن تكون لهذه الحكومة خطة عمل في البعد الاجتماعي وإنصاف الفئات الهشة ومعالجة العديد من الملفات”.
وتربط الأوساط السياسية التونسية نجاح مهمة الحكومة عبر الانكباب على معالجة الملفات الحارقة بضرورة توفير مناخ سياسي ملائم وأرضية لتوافق برلماني وحزبي يقطع مع المناكفات والصراعات ويشرّك مختلف مكونات المشهد السياسي والاجتماعي من أحزاب ومنظمات وطنية ومجتمع مدني.
ودعت عدة أطراف إلى حوار اقتصادي واجتماعي تحت إشراف الرئيس سعيّد والمنظمات الوطنية الفاعلة مثل الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية لمناقشة التصورات والرؤى للخروج من “عنق الزجاجة” الذي ضّيق الخناق على الجميع.
وأكد النائب عن الكتلة الديمقراطية والقيادي في التيار الديمقراطي هشام العجبوني في تصريح لـ”العرب”، أن “الأزمة السياسية الخانقة التي مرت بها البلاد أثرت بطريقة مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث كان التركيز مقتصرا على الانتقال السياسي مقابل تجاهل الانتقال الاقتصادي والاجتماعي”.
وتابع “مشكلة تونس في الأساس تتمثل في غياب السياسة التنموية مع أزمة اقتصادية ومشكلة الحوكمة التي أثرت كذلك على المالية العمومية من خلال قانون المالية لسنة 2021، مشيرا إلى أن المقاربة وطنية وليست جهوية مع كيفية تفعيل التمييز الإيجابي وتجاوز التهميش والإقصاء المسجل حتى في الحواضر الكبرى والساحلية.
ولخّص العجبوني المشاكل الاقتصادية والاجتماعية في حزمة من الملفات المهمة أبرزها منوال التنمية والخيارات الاقتصادية التي تخلق الثروة، والإصلاحات الكبرى التي تشمل المنشآت العمومية وصندوق الدعم والصناديق الاجتماعية التي تسجل عجزا هاما، والإصلاح الجبائي بضمان منظومة جبائية عادلة وشفافة، فضلا عن مسألة اقتصاد الريع وسيطرة جهات بعينها عليه بسبب قوانين على المقاس وضعتها الأحزاب، وكيفية إصلاح الاقتصاد الموازي وإدماجه في الاقتصاد الرسمي وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد التونسي.
وأشارت الحكومة، الثلاثاء، إلى أن التمشي الذي تم اعتماده لحل أزمة الكامور سيتم تعميمه على كافة ولايات الجمهورية دون استثناء.
وأوضحت في بيان نشرته على صفحتها في موقع التواصل فيسبوك، أن رئيس الحكومة هشام المشيشي على قناعة بأن الإشكاليات التنموية تهم كل جهات الجمهورية وأن جميع المواطنين التونسيين لهم الحق في ظروف عيش أفضل.
وأكدت الحكومة، في ذات الصدد، أن صحة التونسيين ودفع التشغيل والاستثمار بكل ولايات الجمهورية هي الأولويات الفعلية لهذه الحكومة دون أي شكل من أشكال التمييز، موضحة أنّه تمّ خلال مداخلة رئاسة الحكومة ذكر مجموعة من الولايات.
يذكر أن عددا من المكونات الاجتماعية بمختلف الولايات، على غرار القيروان وقابس وتوزر وسليانة، وجّهت برقيات استياء إلى رئيس الحكومة هشام المشيشي معتبرة أنه تم استثناء جهاتهم من المجالس الجهوية المبرمجة خلال الفترة المقبلة.