حليمة مظفر: النسوية لها وجوه أخرى متشددة ولا أخلاقية

الأديبة السعودية حليمة مظفر تقول إن الفنون ليست ترفيها ولا رفاهية، إنها علم.
الجمعة 2019/11/29
علينا أن نهتم بالإبداعات الشابة دون تهميش السابقين

تناولت الأديبة والإعلامية والمستشارة السعودية حليمة مظفر بكتبها ومقالاتها العديد من القضايا المحلية والعربية التي تخص الشأن الثقافي والفني والمسرحي، حيث فككت الأنساق، ووقفت على المشاكل، وحللت الكثير من الملفات، الأمر الذي جعل منها أيقونة من أيقونات الثقافة السعودية الثائرة على التيار الصحوي المتطرف. في هذا الحوار تتوقف “العرب” مع مظفر في إطلالة على أهم أركان تجربتها.

تبدي الكاتبة السعودية حليمة مظفر سعادتها بما تعيشه السعودية من تحول مهم وملحوظ على مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية خاصة في الشأن الثقافي والاهتمام بالفنون التي ظلت العلاقة بها متوترة لسنوات نتيجة ما تعرضت له من تشويه من قبل فكر متشدد متطرف له مصالح حزبية تتعارض مع مصلحة الوطن.

تقول مظفر “منذ انطلاق رؤية 2030 نعيش مرحلة تطوير في بناء المستقبل الثقافي، خاصة وأن وزير الثقافة يعمل بكل جدية في هذا الملف الشائك والمعقد لأجل تأسيس أرضية ثقافية صلبة للوزارة من خلال ما نشهده من مبادرات وقرارات”.

ما بين الأجيال

تلفت الكاتبة إلى أن الفنون ليست ترفيهاً ولا رفاهية، إنها علم. وينبغي أن تتخذ مكانها ضمن العلوم الأخرى، والمجتمعات الإنسانية حين تتعامل مع المسرح والموسيقى والفنون كما تتعامل مع الفيزياء والطب والكيمياء تنهض بحضارة عريقة وقوية ومتينة؛ كونها عجلة للتطور الإنساني والتوازن النفسي وسفيرا حيويا في نقل هوية المجتمع وتعزيز ثقافته الأصيلة ناهيك أن اعتمادها كمورد من موارد الاقتصاد الوطني سيفتح لها بابا للاستثمار، وخلق فرص عمل جديدة للشباب.

وتضيف “كل ما أتمناه فعلا من المسؤولين في وزارة الثقافة، في ظل هذا الجهد الكبير الذي تبذله، أن يتم وضع الأشخاص المناسبين في أماكنهم المناسبة كي تنجح في مشاريعها ومبادراتها القادمة، وأن تستثمر في ما لدينا سابقا دون تهميشه؛ إذ لدينا تراكم ثقافي وأسماء كبيرة ومهمة في الأدب والمسرح والموسيقى والنقد بنت نفسها بجهدها الفردي دون دعم مؤسساتي سابق، وهي أجيال متفاوتة وعلى وزارة الثقافة ألا تكتفي فقط بتكريمها في المناسبات فحسب، بل تستثمر فيها كما تستثمر في الشباب تماما لأنهم سيختصرون الطريق بدلا من البدء من جديد وانتظار ثمرة الجيل الجديد بعد سنوات”.

المجتمع السعودي مجتمع ينهض على ثقافة أصيلة ومُتطلع إلى حياة معاصرة متطورة، لهذا فإنه يسعى إلى المستقبل باتزان

تضع حليمة مظفر نفسها مع الجيل الثقافي الوسط، بين السابق والجديد، لهذا نجدها متحيزة للجيل الشاب، وفي الوقت ذاته وفية للجيل السابق. تقول “علينا أن نهتم بالإبداعات الشابة وندعمها دون تهميش السابقين على أساس أنهم أخذوا فرصتهم ممن تعبوا في أرض لم تكن حينها مفروشة بالورود؛ فهم تجارب ملهمة يجب الاستفادة منها، ويجب ألا يكون الاهتمام بالفنون على حساب الإبداع النقدي والفكري؛ فالآداب والفكر الإنساني عصارة تطور المجتمعات وحضارتها وغذاء للفنون المختلفة”.

وترى مظفر أن المرأة السعودية تجاوزت مرحلة انتظار كسر الحالة الذكورية وانتقلت إلى مرحلة الإنجاز نتيجة التمكين كمواطنة كاملة الأهلية، تقول “التغيير في الثقافة الاجتماعية أساسه يبدأ بالتغيير القانوني التنظيمي؛ وهذه التغييرات الحيوية التي تمت ولامست حياة المرأة وعملت على تمكينها كي تخدم مجتمعها اقتصاديا وثقافيا وإنسانيا لها دور كبير جدا في تغيير فكر ونظرة قاصرة من شريحة في المجتمع ظلت تنظر لها على اعتبارها تابعا؛ وبصدق هذه التغييرات ساعدت الكثيرات على تجاوز تحديات كانت تعيق تحركهن في ميدان العمل وحفظت حقوقهن وأشعرتهن بالطمأنينة”.

وإثر سؤال لها عن حرية التعبير في المملكة بعد التحولات الأخيرة، تجيب “حرية التعبير كلمة مطاطية؛ وكبرى الصحف في العالم تضع حدودا لها، فحُرية التعبير في الوقت ذاته هي حريّة مُقننة في جميع صُحف العالم بحسب مصالح الأمن القومي والاتجاهات الصحافية ذاتها، وفي ما يتعلق بالصحافة المحلية أعتقد أني متابعة جيدة جدا لها، عملتُ فيها لسنوات ثم تفرغت لكتابة مقالاتي عام 2007 حتى اليوم بجانب عملي الحكومي؛ وكتبت في مجالات اجتماعية وثقافية وانتقدتُ كبار المسؤولين ووزاراتهم خاصة التيار الصحوي، ولا يمكن نسيان حادثة حريق نادي الجوف الأدبي نتيجة تأليب الصحويين رفضا لما أطرحه، ومع ذلك لم أتعرض للإيقاف، ولم يتدخل أحد في ما أكتبه، وبصدق شديد أجد القيادة بفكر متقدم وحريصة على تحقيق حرية الرأي”.

وتضيف في الشأن نفسه “على مستوى ‘الرأي‘ فما تعيشه الصحافة المحلية اليوم من ضعف هو ليس نتيجة غياب حريّة التعبير كما يزعم بعضهم، إنما نتيجة ما تواجهه من قلة الموارد المالية التي تعانيها الصحف، الأمر الذي أنتج ضعفاً مهنياً لعدم قدرتها على استقطاب الصحافيين المهنيين وغياب الكثير من أسماء الكتاب الكبار عن زواياهم نتيجة عدم دفع الصحف رواتب لهم، ما جعلها تستقطب أسماء مبتدئة وضعيفة رغم أن ذلك يعتبر خطراً على الرأي العام الذي يجب أن يتصدّى له من لديه خبرة وفكر”.

الزمن لا يتوقف

اصلاحات واعدة
اصلاحات واعدة

ترى كاتبتنا أن السعوديين طووا صفحة تيار الصحوة من حياتهم، وهم مع الموقف الرسمي الواضح ضد أي فكر متطرف وملوث بالإخوانية، وتؤكد في حوارها مع “العرب” أن المجتمع السعودي اليوم يتجه ليكون أكثر فاعلية ومدنية تحت مظلة الوطن وقوانينه ولحمته.

تقول مظفر “التغيير أمر مطلوب وحاجة ماسة لأن الزمن لا يتوقف في تغيير ما حولنا؛ والصحوة التي أعتبرها غفوة طوال العقود السابقة أثبتت أنها مشروع فاشل، نجحت فقط في اختطاف سنوات أعمارنا، ولهذا السعوديون داعمون للموقف الرسمي ومستجيبون له؛ والدليل ما نراه اليوم في مشاريع الترفيه الناجحة بمواسم السعودية آخرها موسم الرياض والإقبال الكبير عليه، وهي مشاريع كان يرفضها الصحويون ويحاربونها، أيضا انظر إلى قرار قيادة المرأة للسيارة فمعظم من حاربوه استخرجوا رخص قيادة لزوجاتهم وبناتهم، وقس على ذلك كل القرارات التي كانت الصحوة بخطابها المتطرف الفاشل تقف ضدها وتعطل تحقيقها. وما نعيشه اليوم يحصل بدعم السعوديين واستجابتهم لأنها قرارات تمس جودة حياتهم واحتياجاتهم؛ أما المتباكون على الصحوة فهم قلة، وكانوا يستفيدون من وجودها لمصالحهم الشخصية، والقانون اليوم يقف لتجاوزاتهم بالمرصاد”.

وعن الصراع الاجتماعي القديم الجديد بين التيار المحافظ الصحوي وبين التيار الحداثي الليبرالي تشير حليمة إلى أن المجتمع السعودي مجتمع ينهض على ثقافة أصيلة ومُتطلع إلى حياة معاصرة متطورة ولهذا فالسقف واحد، تقول “من حق الجميع التعبير عن رأيه لكن بمسؤولية أخلاقية”.

وإثر سؤال ختامي عن الجدل الحاصل حاليا حول النسوية بعد أن تم الإعلان عن خبر تجريمها كفكر متطرف في إحدى الصحف ثم نفي هذا الخبر من قبل الجهة التي نسب إليها وتأكيد حقوق الإنسان على أن النسوية غير مجرّمة في السعودية، تجيب مظفر “أحيانا أضحك وأبتسم من هذا الجدل الذي تتصدره بعض الأسماء النخبوية؛ فكل منها يغني فيه على ليلاه، وقلة تتحدث بمنهجية ومعرفة؛ وهذا يرجعنا إلى السؤال السابق حول صراع الحداثي والصحوي وصراع الليبرالي والمتدين. والآن خرج لنا صراع النسوي وغير النسوي وهما من معرفة النسوية براء؛ بينما الخلاف يعود إلى عدم تأصيل المصطلح والتدقيق في ماهيته، فالنسوية في أبسط معانيها تشكلت لتحقيق مطالب تخص حقوق المرأة في المجتمعات الغربية، وهو فكر يتغذى بحسب ثقافة المجتمعات واتجاهات الأفراد والنظريات الفلسفية والاجتماعية والاتجاهات السياسية؛ لهذا تجدها متعددة المشارب فهناك نسوية اشتراكية ونسوية ليبرالية ونسوية راديكالية ونسوية يهودية ونسوية مسيحية، إلى آخر ذلك”.

وتضيف مختتمةً “كنت كتبت مرة عن النسوية الداعشية لدى داعش في تجنيد نسائه وبرمجتهن، والوجه الآخر لها النسوية اللاأخلاقية التي ليس لديها رادع، وحتما لا يمكن اعتبار ما ينتج عنهما فكرا نسويا، بل جرائم يعاقب عليها القانون بحسب كل دولة ومجتمع”.

15