حكومة مالي الانتقالية تنتزع اعترافا إقليميا بشرعيتها

تخطت الحكومة الانتقالية في مالي المنبثقة عن انقلاب عسكري عقبة إقليمية في سبيل الاعتراف بشرعيتها بعد أن كانت تواجه عقوبات ورفضا بالتعامل معها من قبل جيرانها الأفارقة، إلا أن مدى تعاونها مع القوى الدولية المنخرطة في محاربة الجهاديين سيحدد مسار الاعتراف بها دوليا.
نواكشوط - أعلن الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني الثلاثاء دعم مجموعة دول الساحل الخمس، التي تولت بلاده رئاستها، للرئيس الانتقالي بمالي باه اندو، في خطوة قال مراقبون إنها تمثل اعترافا إقليميا بشرعية الحكومة الانتقالية المنبثقة عن انقلاب عسكري، ما يمهد الطريق أمام باماكو لتجاوز عقبة التحفظات الدولية أيضا.
ويرى دبلوماسيون أن الاعتراف الإقليمي بالحكومة الانتقالية في مالي ستعقبه بالضرورة إزالة التحفظات الدولية، خصوصا فرنسا المتوجسة من تأثير التغييرات السياسية على حربها في مواجهة الجهاديين بعد الإطاحة بالرئيس المقرب منها إبراهيم أبوبكر كيتا في 18 أغسطس الماضي.
ويؤكد هؤلاء أن مجموعة دول الساحل الخمس، شركاء فرنسا في مواجهة الجهاديين بالمنطقة، توصلت إلى توافق مع باريس، لقبول تعاملها مع الحكومة الانتقالية برئاسة اندو التي تضمن بدورها تسليم السلطة للمدنيين بعد تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وفق جدول زمني حدد مسبقا.
وتشعر فرنسا، الدولة التي كانت تستعمر مالي ولديها الآن نحو 5100 جندي يقاتلون جماعات جهادية في منطقة الساحل، بالقلق من أن يصبح الانقلاب العسكري سابقة خطيرة ويقوّض الحملة ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، رغم تطمينات المجلس العسكري.
وسيتولى اندو، الذي شغل منصب وزير الدفاع في الفترة من 2014 إلى 2015 وتقلد عدة مناصب عسكرية أخرى، منصب الرئيس حتى تتمكن البلاد من إجراء الانتخابات المتوقعة خلال 18 شهرا.
وقال ولد الغزواني، في برقية تهنئة للرئيس الانتقالي بمالي نشرتها وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية، إنه على “قناعة بعودة النظام الدستوري في مالي”.
وأضاف أن ذلك “مع نهاية الفترة الانتقالية بمالي عبر انتخابات حرة وشفافة، ونتائج هامة على مسار إقامة الوحدة الترابية، والأمن والسلم الاجتماعي، والنهوض الاقتصادي”.
وأردف ولد الغزواني مخاطبا الرئيس الانتقالي بمالي “إنني على يقين بأن قيادتكم ورؤيتكم الثاقبة، ونضج الشعب المالي سيسهمان في قيادة فترة انتقالية هادئة وناجحة في الظروف والآجال المحددة”.
ومجموعة دول الساحل، تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون، يهدف إلى مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد تمويلات واستقطاب استثمار أجنبي للنهوض ببلدانه الأعضاء، وفق ما يعرّف التكتل نفسه. ويضم 5 دول هي موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر.
وقال التلفزيون الرسمي الأحد إن رئيس مالي عين وزير الخارجية السابق مختار وان رئيسا مؤقتا للوزراء، في خطوة قد تسمح برفع العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في أعقاب الانقلاب العسكري، فيما لقيت الخطوة ترحيب ائتلاف المعارضة رغم أنه لم يكن اختياره الأول.
وقالت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الجمعة إنها سترفع العقوبات التي تسببت في تراجع الواردات بنسبة 30 في المئة، بمجرد تعيين رئيس وزراء مدني وهو ما تم فعلا.
وخففت المجموعة مطالبها الأولى بتعيين قيادة مدنية، حيث يأتي تعيين وان بعد يومين من أداء الكولونيل المتقاعد اندو اليمين رئيسا للبلاد، وأداء قائد الانقلاب الكولونيل أسيمي جويتا اليمين نائبا له. وسيضطلع الرجال الثلاثة بمهمة الإشراف على عملية العودة إلى الحكم المدني خلال 18 شهرا.
وكانت قوى دولية تخشى من أن يؤدي الانقلاب إلى زيادة الاضطراب ويقوض معركة مشتركة ضد متشددين إسلاميين بالبلد الأفريقي وفي منطقة الساحل.
وحرصت المجموعة العسكرية التي استولت على السلطة في مالي على التأكيد على أن “السلام في مالي أولويتنا” وأن القوات الإقليمية والأجنبية المنتشرة في البلاد “تبقى شريكتنا”، في إشارة إلى بعثة الأمم المتحدة في مالي “مينوسما” وقوة برخان الفرنسية وقوة مجموعة دول الساحل الخمس وتجمّع القوات الخاصة الأوروبية “تاكوبا” المكلفة بمواكبة العسكريين الماليين.
وأحد ثوابت استراتيجية باريس يقضي بالتعاون الوثيق مع القوات المسلحة المحلية على أمل أن تصبح قادرة في المستقبل على التكفل بضمان الأمن في الساحل، لكن كيف يمكن مواصلة العمل مع انقلابيين؟
وبالرغم من مشاركة فرنسا العسكرية ودعم الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية، كان الأمن يزداد سوءا منذ تدخل باريس في عام 2013 لمنع تقدم الجماعات الجهادية نحو العاصمة المالية باماكو.
وعلى الرغم من تشتت الجماعات الجهادية وطرد جزء كبير منها من شمال مالي منذ 2013، مازالت مناطق بأكملها خارجة عن سيطرة القوات المالية والفرنسية وتلك التابعة للأمم المتحدة.
وفي مارس 2012، مع إطلاق المتمرّدين الطوارق هجوما كبيرا على شمال مالي، تمرد عسكريون على ما اعتبروه تقاعسا للحكومة في التعامل مع الوضع، وأطاحوا بالرئيس توماني توريه.
لكنّ الانقلاب عجّل بسقوط شمال البلاد في أيدي الجماعات الإسلامية المسلحة، قبل أن يتم دحرها خصوصا بعد تدخل عسكري فرنسي في يناير 2013 لا يزال مستمرا.
وتوسعت هجمات الجماعات الجهادية إلى وسط البلاد عام 2015، ما أدى إلى خسائر مدنية وعسكرية جسيمة.
وهذه الهجمات المتداخلة مع نزاعات محليّة، امتدت أيضا إلى النيجر وبوركينا فاسو المجاورتين.
وقال خبير منطقة الساحل في مجموعة الأزمات الدولية جان إرفيه جيزيكيل “ثماني سنوات من الجهود والاستثمار والحضور أفضت في النهاية إلى العودة بالوضع في مالي إلى وقت الانقلاب عام 2012، مع وضع مضطرب أيضا في باماكو وانتفاضات مسلحة أكثر عنفا وأعمال عنف متزايدة بين المجموعات”.
وأضاف جيزيكيل “على فرنسا ودول الساحل والشركاء الآخرين أن تراجع حقا الخيارات الإستراتيجية التي قامت بها في السنوات الماضية. لا يمكن ضمان أمن منطقة بشكل مستديم دون تغيير أنماط الحكم فيها”.
واعتبر مايكل شوركين من مركز “راند” الأميركي للدراسات أن “الانقلاب العسكري في مالي نكسة لفرنسا” التي استثمرت بزخم منذ سبع سنوات لمحاولة مساعدة مالي على الخروج من المأزق، مضيفا أنه “في الوقت نفسه، من المحتمل من حيث المبدأ أن يفضي ذلك إلى نتيجة إيجابية في المستقبل، إذا سمح بتنصيب حكومة أكثر فاعلية وشرعية”.
وشدد شوركين على أن “مالي في عهد إبراهيم أبوبكر كيتا لم تكن تحقق سوى تقدم ضئيل، أو ربما لا تقدم على الإطلاق” على الصعيد الأمني.