حكومة المحافظين تتهيأ للمزيد من عزل الإيرانيين عن العالم الخارجي

يسعى النظام الإيراني لتشديد قبضته على الإنترنت وفرض رقابة صرامة على بيانات ومستخدمي الشبكة العنكبوتية في إطار خطة للتحكم في الرأي العام المناوئ له. وكان للإنترنت دور رئيسي في احتجاجات نوفمبر 2019 التي رفعت شعار إسقاط النظام.
طهران - تستعد حكومة غلاة المحافظين في إيران برئاسة إبراهيم رئيسي إلى المزيد من عزل الإيرانيين عن العالم الخارجي عبر مشروع قانون لتشديد قيود الإنترنت المشددة أصلا، ما أثار جدلا واسعا داخل الجمهورية الإسلامية التي يترقب مواطنوها انفراجة اقتصادية واجتماعية قد تتشكل بالتزامن مع إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات الأميركية.
وفي إيران تفرض السلطات حاليا قيودا على استخدام الإنترنت تجعل من المستحيل الإطلاع على مواقع أجنبية دون شبكة افتراضية خاصة (في.بي.أن).
وتتيح الشبكة الافتراضية الخاصة للمستخدم إخفاء شبكته واستخدام شبكة جديدة لإرسال البيانات واستقبالها.
وكذلك تفرض السلطات قيودا على شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى وخدمات المراسلة العالمية المعطّلة في إيران باستثناء إنستغرام وواتساب، علما بأن الكثير من المسؤولين -من بينهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي- يستخدمون منصة تويتر لغايات التواصل الرسمي.
ومنذ أيام يبدي الكثير من مستخدمي الإنترنت في إيران قلقا إزاء مشروع قانون يرمي إلى فرض المزيد من القيود على استخدام الشبكة العنكبوتية بحجة حماية “حقوق المستخدمين في الفضاء الإلكتروني”.
ومشروع القانون المطروح أمام مجلس الشورى تقدّم به نواب من المحافظين الذين يشّكلون أغلبية في المجلس منذ العام 2020، وليس حكومة الرئيس حسن روحاني الإصلاحية المعتدلة المنتهية ولايتها إثر انتخاب المحافظ المتشدد رئيسي رئيسا للبلاد في 18 يونيو.
ويرمي مشروع القانون إلى “تنظيم التواصل الاجتماعي” ويهدف إلى منع استخدام الشبكات الافتراضية الخاصة و”حبس مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي المحجوبة”.
وبحسب مقتطف من مشروع القانون نشرته وسائل إعلام إيرانية فإن “أي شخص يخرق تدابير الحظر ستنزل بحقه عقوبة من الدرجة السابعة وفي حال التكرار (تنزل بحقه) عقوبة” أشد.
وبحسب القانون الإيراني تتضمن عقوبة الدرجة السابعة حبس المدان مدة تتراوح “بين 91 يوما وستة أشهر”، وفرض غرامة عليه و”حرمانه من حقوقه المدنية لمدة تصل إلى ستة أشهر وعقوبة جسدية تصل إلى 30 جلدة”.
ويتهم الإيرانيون التيار المحافظ بالعمل “ضد حقوق المواطنين الأساسية” و”ضد حرية التعبير والحريات الإعلامية” في البلاد.
ويرى هؤلاء أن مشروع القانون يرمي إلى حظر الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي الأجنبية وحصر استخدام الشبكات المطوّرة في إيران، ما من شأنه أن يسهّل وصول السلطات إلى محتويات المستخدمين السرية.
ونقلت وكالة أنباء مجلس الشورى الإسلامي عن عضو لجنة الشؤون الثقافية علي يزدي خواه تأكيده وجود مشروع قانون مطروح على المجلس على صلة باستخدام الإنترنت، مبديا أسفه “لقلة الرقابة المفروضة في الوقت الراهن على الفضاء الإلكتروني”.
ويسعى النظام الإيراني منذ سنوات لتنفيذ مشروع يسمى “شبكة الإنترنت الوطنية”، ويهدف إلى إنشاء شبكة مستقلة عن شبكة الإنترنت العالمية في إيران، فيما أعرب نشطاء حقوق الإنسان ومنظمات حرية المعلومات مرارًا وتكرارًا عن قلقهم بشأن الخطة ونية المسؤولين الإيرانيين منع وصول الإيرانيين إلى شبكة الإنترنت العالمية.
وقبل ذلك استحدثت إيران نظاما واسعا للرقابة على الإنترنت، يعرف باسم “الفلترة”، وقد شبه بجدار الصين.
ويمنع نظام الفلترة المستخدمين من الوصول إلى معظم الشبكات الاجتماعية المعروفة مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب، إضافة إلى منافذ الأخبار الدولية بما فيها شبكة “بي.بي.سي”.
ويعتقد مراقبون أن السلطات الإيرانية تريد أن تخطو خطوة أخرى في قمعها مستخدمي الإنترنت، وبدل “قائمة سوداء” للمواقع المحظورة ستكون هناك “قائمة بيضاء” للمواقع المسموح بها فقط.
وقال ماشا عليمرداني من منظمة حقوق الإنسان إن هذا النهج سيكون “تماشيا مع المؤشرات المقلقة” التي تشير إلى أن السلطات الإيرانية تريد تقييد وصول الناس -على أساس مهنهم وظروفهم الاجتماعية- إلى الإنترنت غير الخاضع للرقابة.
ولجأت السلطات الإيرانية إلى وقف خدمات الإنترنت لاحتواء التغطية داخل وخارج إيران حول ما يحصل في الشارع من قمع وحشي بعيدا عن تبادل الصور أو الفيديوهات المتعلقة بالأحداث.
واندلعت احتجاجات شعبية عارمة في جميع أنحاء البلاد في 15 نوفمبر 2019، بعد أن رفعت السلطات فجأةً سعر البنزين بنسبة تصل إلى 200 في المئة، وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات إلى المطالبة بإسقاط النظام.
وتتوجس السلطات الإيرانية من موجة احتجاجات أخرى قد تنطلق قريبا إذا فشلت الحكومة الإيرانية الجديدة بقيادة رئيسي في تخفيف الآلام الاقتصادية.
وتواجه طهران تحديات جمة بدءا بالتضخم الجامح والركود وصولا إلى البطالة وتقلص موارد المواطنين. وبسبب تزاحم هذه المشكلات يتوجس النظام من انتفاضة شعبية عارمة.
وأقر محمد رضا باهنر، النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، بأنه لو لم يتمكن مسؤولو النظام الإيراني من إنهاء أحداث نوفمبر 2019 لاتّجهت “نحو ثورة لا يمكن السيطرة عليها على الإطلاق”.