حصانة فقهية للخلع في مصر تكبح تعديل قانونه

موقف شيخ الأزهر تكريس للمزيد من الخلافات الأسرية.
الخميس 2023/04/20
الخلع حق شرعي للزوجة

قوبل طلب عدد من أعضاء مجلس النواب بتعديل قانون الخلع برفض من طرف المؤسسة الدينية ليؤكد الأزهر حق أي زوجة في الطلاق خلعا. وفي حين يرى نواب البرلمان أن الخلع سبب مباشر في ازدياد حالات الطلاق وهدم الكيان الأسري يرى الأزهر أنه حق شرعي يكفله الدين، كما ترفض الشريحة الأكبر من النساء في مصر فتح قضية الخلع، لأنه يمثل الملاذ الآمن لهن من سجن الزوجية.

القاهرة - منحت المؤسسة الدينية في مصر قانون الخلع حصانة فقهية في مواجهة تحركات برلمانية ترمي إلى إعادة النظر في التشريع برمته ضمن محاولة الحكومة للسيطرة على ارتفاع معدلات الطلاق، سواء كان ذلك بقرار من الرجل أو المرأة.

وقال أحمد الطيب شيخ الأزهر في تصريحات تلفزيونية إن الخلع حق شرعي للزوجة ثابت بالقرآن والسنة النبوية، وأعطته الشريعة للزوجة التي تكره زوجها وتريد فراقه، في مقابل حق الطلاق الذي منحه الإسلام للزوج إذا كره زوجته وأراد فراقها.

وجاء التحرك البرلماني عقب جدل مجتمعي وديني واسع أثاره مسلسل “جعفر العمدة” المعروض حاليا على قنوات مصرية وعربية، عندما أقدمت إحدى بطلات العمل على خلع زوجها دون علمه ثم ارتبطت بآخر، لكنها استمرت لفترة في العيش داخل المنزل مع طليقها من دون أن يعرف بقضية خلعه.

إسلام عامر: تعديل قانون الخلع ضرورة للحفاظ على الكيان الأسري
إسلام عامر: تعديل قانون الخلع ضرورة للحفاظ على الكيان الأسري

وتقدم عدد من أعضاء مجلس النواب بطلبات إحاطة للمطالبة بتعديل قانون الخلع، وإعادة النظر في نصوصه برمتها، لكن موقف المؤسسة الدينية جاء مغايرا لتلك التحركات ليؤكد حق أي زوجة في الطلاق خلعا، في مؤشر يعكس رفضها للتعديلات.

وأثيرت قضية الخلع على نطاق واسع في مصر مؤخرا، باعتبار أن هذا المسار سبب رئيسي في زيادة حالات الطلاق وانهيار الكيان الأسري، في حين تبحث الدولة عن تثبيت الاستقرار العائلي وتجنب الانفصال بشتى السبل، حفاظا على العلاقات الأسرية.

ورأى متابعون أن دعم الأزهر لقانون الخلع يحجم تحركات مجلس النواب لإدخال أي تعديلات عليه، أو مراجعة نصوصه بما يحد من لجوء النساء إلى تطليق أنفسهن، خاصة وأن موقف المؤسسة الدينية واضح ومعلن ويقف في صف المرأة بشكل كلي.

ويطالب بعض النواب بحرمان الزوجة التي تخلع زوجها من الحصول على تعويض تأميني، كما يحدث مع المطلقة بقرار من زوجها أو المطلقة بسبب الضرر، باعتبار أن الزوجة التي تطلق شريكها بإرادتها لا تستحق الحصول على تعويض مادي.

ووفق نقابة المأذونين المصريين، فإن قانون الخلع سبب خراب الأسرة المصرية، لأنه يقف وراء 88 في المئة من حالات الطلاق، وهي الإحصائية التي تعتمد عليها بعض الأصوات البرلمانية لتدعيم موقفها من إعادة النظر في بعض نصوص القانون.

وترفض الشريحة الأكبر من النساء في مصر فتح قضية الخلع، لأنه يمثل الملاذ الآمن لكثير من المتزوجات اللاتي يرغبن في التحرر من سجن الزوجية، حيث ترى هذه الفئة في الدعم الفقهي لهن من جانب الأزهر فرصة لفرملة تحركات البرلمان.

عبير سليمان: موقف الأزهر من قانون الخلع أحرج الأصوات المناهضة لاستمرار التشريع بلا تغيير
عبير سليمان: موقف الأزهر من قانون الخلع أحرج الأصوات المناهضة لاستمرار التشريع بلا تغيير

ويبرر مؤيدون لضرورة إعادة النظر في الخلع بأن هناك أسبابا واهية للطلاق من جانب بعض النساء لا تستحق أن تكون دافعا لانهيار العلاقة الزوجية، بالتالي فموقف الأزهر مثير للريبة لأنه أباح الخلع في المطلق بلا مطالبة بتقنينه لضبط عداد الطلاق.

وحسب ما رصدت “العرب” عبر شبكات التواصل الاجتماعي في مصر، فإن العديد من الأصوات النسائية تعاملت مع موقف الأزهر بأنه سحب التأييد الشعبي الذي يعول عليه البرلمان لتعديل قانون الخلع، لأن الأغلبية يعنيها موقف الدين لا دوافع الحكومة.

وأوضحت الناشطة النسوية عبير سليمان لـ”العرب” أن موقف الأزهر من قانون الخلع أحرج الأصوات المناهضة لاستمرار التشريع بلا تغيير، وكرس الإبقاء عليه لكونه أنقذ نساء كثيرات من القهر والذل والعنف على مدار 23 عاما.

وأضافت أن مساندة المؤسسة الدينية لاستمرارية الخلع لا تخلو من محاولات لكسب رضاء الشريحة النسائية المظلومة مجتمعيا، لكن تحقيق ذلك يتطلب دعما من رجال الأزهر للقضايا الأسرية التي صارت بحاجة إلى تشريعات عصرية.

ويمنح قانون الخلع للزوجة الحق في أن تطلق نفسها أو يحكم قاضي محكمة الأسرة بتطليقها متى أرادت، طالما أفصحت عن استحالة العشرة مع زوجها، لكن مقابل ذلك تقر بتنازلها عن كامل حقوقها المادية والأدبية ولا تحصل على نفقة ومؤخر.

وينص الدستور المصري على استطلاع رأي المؤسسة الدينية أولا قبل إقرار تشريعات أو تعديل قوانين مرتبطة بالأحوال الشخصية ومن بينها الخلع، بالتالي فالأزهر قطع الطريق على أي تحركات مرتقبة في هذا الشأن قبل استطلاع رأيه.

وما يلفت الانتباه أن شيخ الأزهر وهو يبيح في المطلق شرعية استمرار قانون الخلع لم يتطرق إلى تقنينه أو استناد تطليق المرأة لنفسها إلى مبررات وحجج منطقية، بعكس السائد حاليا، فهناك الكثير من السيدات يقررن الانفصال لأسباب مضحكة.

وهناك من تنفصل عن زوجها بالخلع لأنه لا يجلب لها كل متطلباتها أو لأنه يسهر خارج المنزل أو لا يقوم بتدليلها، وأخريات يقررن الطلاق لترك الرجل وظيفته أو منع الزوجة من الخروج مع صديقاتها، وهي دوافع مشابهة لتلك التي تحرك البرلمان بموجبها.

أحمد الطيب: الخلع حق شرعي للزوجة ثابت بالقرآن والسنة النبوية
أحمد الطيب: الخلع حق شرعي للزوجة ثابت بالقرآن والسنة النبوية

وترى بعض الأصوات المطالبة بتقنين الخلع أنه أمام استسهال الكثير من النساء للطلاق، فمن الضروري تقنين أسبابه وألا يكون الباب مفتوحا على مصراعيه أمام كل امرأة تطلب هدم كيان الأسرة، لكن يبدو أن الأزهر أغلق الملف أمام دعم المنظمات النسائية.

ويشير هؤلاء إلى ضرورة أن تقتصر دوافع الخلع على السماح للزوجة بطلب الطلاق عن طريق المحكمة إذا كانت متضررة، بمعنى وجود عجز جنسي أو التعرض لأذى جسدي وعنف معنوي يتم إثباته في تقارير طبية وشهادة الشهود لغلق باب استسهال الخلع.

ومن المستبعد أن تبادر الحكومة بإدخال تعديلات على قانون الخلع، طالما أغلقت المؤسسة الدينية هذا الباب، لأنها (أي الحكومة) لا تريد الدخول في مواجهة مع المرأة التي يفترض أنها مدعومة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي شخصيا وتحظى بتقدير دائم منه.ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن التلاعب بقدسية الحياة الزوجية يتطلب تعديل قانون الخلع لتكون هناك قواعد يستند عليها القاضي قبل تطليق المرأة، فلا يمكن ترك القانون مفتوحا للجميع دون ضوابط حاكمة وأسباب مشروعة.

قضية الخلع أثيرت على نطاق واسع في مصر باعتبارها سببا رئيسيا في زيادة حالات الطلاق وانهيار الكيان الأسري

وأكد إسلام عامر نقيب المأذونين لـ”العرب” أن تعديل قانون الخلع ضرورة للحفاظ على الكيان الأسري، لأن ثمة زوجات يستسهلن الطلاق ولا يدركن تبعاته الخطيرة على أولادهن، وأن المطالبة بالتعديل غير موجهة ضد السيدات بقدر ما تحافظ عليهن.

وذكر أن موقف الأزهر من الخلع لا يعني أنه يؤيد انهيارات الأسرة، وأن المؤسسة الدينية أكثر حرصا على الكيان الأسري من التشقق، لكنها تدعم استمرار القانون من الباب الشرعي ومستبعد أن تقف بوجه أي تعديلات مستقبلية لتكريس قدسية العلاقة الزوجية.

ولا تزال أزمة الخلع في مصر مرتبطة بالفئة النسوية حديثة الزواج التي لا تعرف قدسية العلاقة، أو تُدرك خطورة انهيار الحياة الزوجية، وهذه مسؤولية تتشارك فيها الأسر والمؤسسات الدينية والإعلامية، لأنها لا تثقف الفتيات بصورة كافية وتبعدهن عن خيار الطلاق.

لذلك تتصاعد المطالب بتقنين حق الزوجة في الخلع كضمانة للاستقرار الأسري، لكن تبدو الخطوة غير مؤثرة طالما لا يتم تثقيف الأبناء وتوعيتهم بتحمل المسؤولية وإدارة مشكلاتهم بحكمة وعقلانية وتريبتهم على ألا يكون الطلاق أفضل حل للخلافات.

الدستور المصري ينص على استطلاع رأي المؤسسة الدينية أولا قبل إقرار تشريعات أو تعديل قوانين مرتبطة بالأحوال الشخصية ومن بينها الخلع
الدستور المصري ينص على استطلاع رأي المؤسسة الدينية أولا قبل إقرار تشريعات أو تعديل قوانين مرتبطة بالأحوال الشخصية ومن بينها الخلع

15