حسابات سياسية تعقّد الخلاف حول حصة كردستان العراق من الموازنة الاتحادية

اتهامات لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالتقرّب من القيادة الكردية لتحقيق أهداف انتخابية.
الاثنين 2021/02/08
المستقبل أمامنا

الخلاف الحادّ حول حصّة إقليم كردستان العراق من موازنة الدولة العراقية، ليس مجرّد مسألة مالية بالإمكان إيجاد حلول تقنية لها، بل هو قضية سياسية بامتياز تتّصل بمكانة أكراد البلاد ودورهم في تشكيل السلطة الاتّحادية، وهو الدور الذي يبرز بشكل استثنائي في المناسبات الانتخابية الهامّة كتلك التي تقبل عليها البلاد خريف العام الجاري.

بغداد - تتّهم الأحزاب الشيعية العراقية المعروفة بقربها من إيران، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بالتقرّب من قيادات إقليم كردستان العراق على حساب "مصلحة الدولة" خدمة لأغراضه السياسية الخاصّة، وذلك عن طريق التساهل معهم في ما يتعلّق بالخلاف المالي الحادّ بين بغداد وأربيل حول حصّة الإقليم من موازنة البلاد.

ودعا الكاظمي، الأحد، إلى العدالة في توزيع الثروة بين مناطق العراق كافة وفق مبادئ الدستور. وجاء ذلك في إطار حثّه أعضاء البرلمان على عدم تعطيل تمرير الموازنة التي تدور حولها خلافات يتعلّق بعضها بحجمها ومقدار العجز فيها، إلى جانب الخلاف الحاد حول حصة إقليم كردستان منها.

وترى الأطراف السياسية المعترضة بشدّة على حصول الإقليم على حصّته الاعتيادية من موازنة الدولة الاتّحادية قبل إيفائه بالتزاماته المتمثّلة في تسليم عوائد النفط والمنافذ الحدودية التي تُحصّلها سلطاته، أنّ الكاظمي لا يتّخذ موقفا واضحا من هذه المسألة، وأنّه يعمل في الخفاء لتمكين قادة الإقليم من مطالبهم المالية.

واتّهم المحلل السياسي عباس العرداوي رئيس الوزراء بالسعي لكسب ودّ الأكراد، معتبرا أنّ مدير مكتبه رائد جوحي، باعتباره كرديا، يلعب دورا "في دفع مجريات الحوار بين بغداد وكردستان (حول المسائل المالية) نحو المماطلة"، قائلا في تصريحات صحافية إنّ "المماطلة والتسويف في إعلان الاتفاق بين بغداد وأربيل أمر مدروس من قبل الكاظمي"، الذي يسعى إلى "زيادة حصة كردستان في موازنة 2021".

وأضاف العرداوي المعروف بتحليلاته القريبة من طروحات القوى الشيعية العراقية أنّ "الكاظمي يطمح إلى دعم كردي خلال المرحلة المقبلة".

عباس العرداوي: الكاظمي يطمح إلى دعم كردي خلال المرحلة المقبلة
عباس العرداوي: الكاظمي يطمح إلى دعم كردي خلال المرحلة المقبلة

ويشير المحلّل بذلك إلى ما يمكن أن ينشأ من تحالفات سياسية قبل الانتخابات النيابية القادمة المقرّرة لشهر أكتوبر من العام الجاري، قد تكون مؤثّرة في نتائجها وأيضا في طبيعة التكتّلات التي ستنشأ بين الفائزين فيها، وبالتالي في تحديد الطرف الذي يتولّى تشكيل الحكومة الجديدة.

ودأبت القوى السياسية الكردية العراقية وعلى رأسها الحزبان الكبيران، الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقرطي الكردستاني على الدخول بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية، في مفاوضات ومساومات مع القوى السياسية الرئيسية وفي مقدّمتها الأحزاب الشيعية، والتي دأبت بدورها على التنافس على استمالة الحزبين اللذين يمتلكان كتلة انتخابية وازنة تؤمّن لهما حصّة مضمونة من مقاعد البرلمان الاتّحادي.

وتوجد أمثلة واضحة على تأثير القوى السياسية الكردية في رسم معالم السلطة في العراق إثر الانتخابات، ومن أوضح تلك الأمثلة الدور الذي لعبته الكتلة البرلمانية الكردية في ترجيح كفّة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي في صراعه إثر انتخابات سنة 2010 على تشكيل الحكومة وترأسها مع إياد علاوي الذي حصد أعلى عدد من مقاعد البرلمان ولكنّ المالكي فاز بالمنصب بعد نجاحه في تشكيل تحالف نيابي كبير بمساعدة عدّة أحزاب من بينها الأحزاب الكردية.

وترى الأحزاب الشيعية أنّ سيناريو المالكي قابل للتكرار من قبل الكاظمي بعد رواج أنباء عن عقده اتّفاقا غير معلن مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، بشأن التحالف في الانتخابات القادمة مقابل مساعدة حكومة بغداد لأربيل على الحصول على الامتيازات المالية التي تطالب بها.

وما يضاعف مخاوف القوى السياسية العراقية القريبة من إيران أنّ تحالف الكاظمي والبارزاني، سيكون في ما لو تحقّق فعلا، تحالفا بين طرفين بعيدين عن محور إيران وقريبين من الولايات المتّحدة الأميركية.

ويعزو مراقبون تشدّد قوى سياسية ممثّلة تحت قبّة البرلمان في تمرير قانون الموازنة، بشكل أساسي، إلى الخلافات الدائرة حول حصّة إقليم كردستان فيها وحرص تلك القوى على تشديد الضغوط على القيادة الكردية باستخدام المسألة المالية، وهو أمر متحقّق بالفعل إلى حدّ الآن، حيث يواجه الإقليم صعوبات غير مسبوقة أعجزت سلطاته عن دفع رواتب الموظّفين في آجالها المحدّدة ووضعتها في مرمى غضب الشارع الكردي الذي سبق له أن خرج في أكثر من مناسبة للتظاهر والاحتجاج على الصعوبات الاقتصادية وسوء الأوضاع المعيشية.

وفي إشارته إلى وجود خلفيات سياسية وراء الخلافات على الموازنة دعا الكاظمي، الأحد، مجلس النواب إلى عدم إقحام الخلافات السياسية في موازنة البلاد المالية للعام الجاري.

ولا تزال خلافات تدور بين الكتل السياسية بشأن حصة إقليم كردستان في الموازنة رغم توصّل بغداد وأربيل إلى اتفاق ينص على تسليم الإقليم كمية 250 ألف برميل نفط يوميا ونصف إيرادات المعابر الحدودية إلى الحكومة الاتحادية، مقابل حصة في الموازنة تبلغ 12.6 في المئة. وجرى تضمين الاتفاق في مشروع الموازنة، إلاّ أن كتلا سياسية في البرلمان ترفض الاتفاق، وهو ما يعيق تمريره.

ومن جهتها تعبّر القيادة الكردية عن غضبها من اعتراض قوى سياسية على حصول الإقليم على حصّته من الموازنة، معتبرة أن ذلك يشكّل خرقا للدستور العراقي واستهدافا ممنهجا لسكّان الإقليم.

وقال قوباد الطالباني نائب رئيس حكومة إقليم كردستان إنّ الأخير مستعدّ للتنازل عن حصته من الموازنة "إذا كانت السبب وراء حرمان المحافظات الجنوبية من الخدمات والإعمار"، وذلك ردّا على سياسيين عراقيين ونواب شيعة يقولون إنّ الإقليم يستولي على عوائد النفط الذي يبيعه خارج سلطة الحكومة الاتّحادية، ويحصل إلى جانب ذلك على جزء من عوائد النفط الذي ينتج في محافظة البصرة.

وأضاف الطالباني في مقابلة مع صحيفة الصباح الرسمية إنّ "الحصة الحقيقية لإقليم كردستان من الموازنة الاتحادية لا تتجاوز 5 في المئة بعد طرح المصاريف السيادية، وإذا كانت هذه النسبة التي تذهب للإقليم هي السبب بتدهور الخدمات في المحافظات الجنوبية، فنحن متنازلون عنها، ونتساءل بدورنا أين تذهب بقية الـ95 في المئة من الموازنة".

3