حزب النور السلفي في مصر يناكف الحكومة بحثا عن انتصار سياسي

دعم المشروعية الدينية للقوانين يحرج التيار السلفي مع الحكومة.
الأحد 2024/12/22
قطيعة مع السلطة

القاهرة- تعرض أعضاء حزب النور السلفي في مجلس النواب المصري إلى ضربة جديدة بعد أن حاولوا إحراج الحكومة مستغلين العاطفة الدينية، واتهامها ضمنيا بأنها تتحدى الدين عندما قررت حرمان الأسر التي تزوج بناتها مبكرا أو تعرضهن للختان من الحصول على الدعم، لكن أغلبية أعضاء المجلس وقفوا في صف الحكومة.

وبرر النواب السلفيون (9 نواب) موقفهم بأن وضع نص تشريعي يحرم الأسرة من الدعم النقدي إذا زوجت بناتها وهن قاصرات أو قامت بختانهن يخالف الشريعة الإسلامية التي لم تحدد سن الزواج أو تحرّم الختان، ما اعتبره رئيس مجلس النواب حنفي جبالي “دفاع عن ارتكاب جريمة،” لأن هذه السلوكيات مجرّمة قانونا.

وتسبب موقف نواب حزب النور في جدل داخل مجلس النواب، لأنهم حاولوا إحراج الحكومة والإيحاء بأنها تخالف الشريعة لتمرر قانون الدعم النقدي الذي يحتوي على مواد بها “شبهة تحريم” بنظرهم، في محاولة للعب على وتر العاطفة الدينية، لكنهم ورطوا أنفسهم في الظهور كمحرضين على ارتكاب جريمة.

◄ الكثير من الشواهد أثبتت أن الهدف لا يرتبط بغيرة دينية أكثر منه محاولة لتحقيق إنجاز يمكن البناء عليه لترميم القواعد الشعبية للحزب

وقال رئيس البرلمان موجها حديثه لممثلي الحزب السلفي، إنه يجب احترام قسم نواب المجلس على احترام الدستور والقانون، وطالما أن الزواج المبكر والختان من الأمور المجرمة، فإن دور النواب تطبيق ذلك.

واعتاد حزب النور استثمار أيّ تشريع تقدمه الحكومة إلى البرلمان يتطرق لمسائل تلامس النواحي الدينية، للاعتراض عليه بحثا عن انتصار سياسي، ولو كان موقف النواب لا يتفق مع الحد الأدنى من مبادئ الدستور والقوانين.

ورغم أنهم يتعرضون في كل مرة إلى ضربة جديدة من الأغلبية البرلمانية التي لا تكترث بمطالبهم ولا تعير مقترحاتهم اهتماما، لكنهم يداومون على نفس التصرفات، فالمهم أن يظهروا أمام الشارع وكأنهم يقومون بحماية الدين.

ويفترض أن تجريم الزواج المبكر وختان الإناث من الأمور البديهية، لكن النبش في المشروعية الدينية خلال هذا التوقيت يحمل مآرب سياسية مشبوهة، ومن المفترض أمام اتساع دائرة التحديات التي تواجه مصر أن يكف السلفيون عن إنهاك الدولة في قضايا جدلية حسمت منذ سنوات. وتُجرّم الحكومة المصرية زواج الأطفال وخصصت له عقوبات تصل إلى الحبس المشدد، لأنه يتسبب في انتكاسات أسرية واجتماعية عديدة، بينها الأمومة المبكرة وتعريض حياة الفتاة للخطر، والتسرب التعليمي والأمية وزيادة معدلات الإنجاب.

سامح عيد: الدولة المصرية أقوى من أن تدخل في صفقة مع السلفيين
سامح عيد: الدولة المصرية أقوى من أن تدخل في صفقة مع السلفيين

وترى دوائر سياسية أن معارضة السلفيين تجريم الزواج المبكر وختان الإناث وإن كان متاجرة بالدين لتحقيق أغراض سياسية، أظهر السبب الحقيقي لعدم تحقيق الحكومة نتائج إيجابية في القضايا المرتبطة بالأسرة عموما.

ومهما قوبلت مواقف السلفيين برفض حاسم من جانب الحكومة أو مجلس النواب، فإن المعضلة تبدو في آلية التسويق لأنفسهم كفصيل ديني معارض لبعض التشريعات العصرية، لأنهم يتعمدون تشويه مدنية الدولة ويتاجرون بالدين في توقيت سياسي حرج لا يحتمل انقساما أو جدلا على أساس ديني.

وكان يُمكن التغطية على مقترح حزب النور بدعم الزواج المبكر وختان الإناث وقت مناقشة قانون الدعم النقدي، خاصة أن جلسات البرلمان لا يتم بثها، لكن التسليط الإعلامي اللافت على موقف النواب السلفيين يبدو مقصودا لفضح تصوراتهم التي تتفق إلى حد كبير مع جماعة الإخوان .

ويتسق هذا التوجه مع إصرار الحكومة المصرية على إفشال أيّ انتصار سياسي للسلفيين، لأن الدورة الحالية للبرلمان هي الأخيرة، وسوف تكون هناك انتخابات تشريعية العام المقبل، ويجاهد نواب حزب النور لتبييض صورتهم عبر الظهور كمناكفين للسلطة في بعض القوانين بذريعة حماية الشريعة.

وتعرض السلفيون إلى هزيمة فادحة في انتخابات مجلس النواب الماضية وحصلوا على عدد محدود من المقاعد، قبل أن يخوضوا انتخابات مجلس الشيوخ دون الحصول على أيّ مقعد، ما يوحي أنهم يحاولون تغيير الخطة بهامش من المناكفة لاستعادة الشعبية.

واقتنع حزب النور أن النفاق السياسي وموالاة السلطة جلبا عليه انتكاسة شعبية، ويسعى لإعادة تقديم نفسه للشارع على أنه يحتفظ لنفسه بمكانة ويقف في وجه السلطة ليستثمر ذلك سياسيا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، لكنه وقع في المحظور.

وقال الباحث في شؤون جماعات الإسلام السياسي سامح عيد إن الدولة المصرية أقوى من أن تدخل في صفقة مع السلفيين، واحتماء حزب النور بالشريعة محاولة لترميم القواعد الشعبية قبل الانتخابات المقبلة، لكنه لا يقتنع بأن وجوده على الساحة له حدود ولا يمكن أن تترك الحكومة له حرية الحركة.

وأضاف لـ”العرب” أن بعض القناعات السلفية لا تزال تقف عائقا سياسيا، بدليل معارضة توجهات حكومية ترتبط بقضية محسومة مثل الزواج المبكر والختان، وكل ذلك من أجل محاولة تحسين الصورة باللعب على وتر التدين.

◄ السلفيون يتعمدون تشويه مدنية الدولة ويتاجرون بالدين في توقيت سياسي حرج لا يحتمل انقساما أو جدلا على أساس ديني

ولم يفهم السلفيون بعد أن السلطة في مصر لديها جملة من المحظورات المرتبطة بالمتاجرة بالدين لأهداف سياسية، أو إقحام الشريعة في قانون مرتبط بتنظيم شؤون المجتمع، لأن ما رفضته خلال فترة حكم الإخوان لن تقبله من السلفيين الآن.

ويرتبط شعور حزب النور بأنه متاح له التحرك بأريحية سياسية، بأنه كان جزءا من الشرعية التي تأسس عليها النظام المصري الحالي، عندما دعّم الحزب ثورة يونيو 2013 التي أسقطت حكم الرئيس الإخواني الراحل محمد مرسي، دون اكتراث بأن السلطة والقوى المدنية لم تعد ترغب في بقاء أيّ ملامح للإسلام السياسي.

وأصبحت الدولة المصرية قوية أمنيا، عكس أوقات سابقة كان يمكن فيها دخول الحكومة في مساومات مع السلفيين، باعتبارهم الفصيل الديني الوحيد الموجود على الساحة، لكنهم لا يستوعبون أن السلطة تتمسك بمجابهة المتشددين لدعم مدنية الدولة.

وبعيدا عن مآرب الحزب السلفي من استدعاء شعارات إسلامية لرفض تشريعات حكومية، فإن الكثير من الشواهد أثبتت أن الهدف لا يرتبط بغيرة دينية أكثر منه محاولة لتحقيق إنجاز يمكن البناء عليه لترميم القواعد الشعبية للحزب، للحفاظ على الحد الأدنى من استمرار حضوره السياسي، مستفيدا من الصعود الجديد لتيار الإسلام السياسي في سوريا، وارتداداته المتوقعة على بعض دول المنطقة.

4