حركة النهضة تسعى لاستغلال "عيد الثورة" للتصعيد ضد الرئيس التونسي

تسعى حركة النهضة، واجهة الإسلاميين في تونس، للاستثمار في رمزية الأحداث السياسية بالبلاد عبر الدعوة إلى التظاهر في الشارع، في مسعى للتصعيد ضدّ إجراءات الرئيس قيس سعيّد التي أقرها الصائفة الماضية وعجّلت بتجميد البرلمان وإنهاء حكم منظومة قادتها الحركة.
تونس- دعت شخصيات سياسية محسوبة على حركة النهضة بالإضافة إلى مكتبها التنفيذي إلى النزول للشارع الجمعة القادم احتجاجا على توجهات الرئيس قيس سعيد، في خطوة لاستغلال رمزية تاريخ الرابع عشر من يناير (تاريخ سقوط النظام السابق)، وتحقيق ما أسمته بـ”إنقاذ الدولة”.
وطالب حزب حركة النهضة الإثنين أنصاره بالمشاركة في مظاهرات مزمعة في الرابع عشر من يناير للاحتجاج على قرارات للرئيس سعيّد تمنحه سلطات شبه مطلقة.
ودعا الوزير السابق عبداللطيف المكّي التونسيين إلى المشاركة يوم الرابع عشر من يناير الجاري في وقفة احتجاجية كانت قد دعت إليها مبادرة “مواطنون ضدّ الانقلاب”.

حاتم العشي: النهضة تريد الظهور للواجهة لأن الرئيس أصبح يمثل خطرا عليها
وكتب المكّي (قيادي منشق عن حركة النهضة) في تدوينة نشرها على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك “أيها التونسيون أنقذوا الدولة من التفكيك والتدمير”.
وأضاف “إن الانقلاب يفكك الدولة عبر تحويلها إلى إقطاعات يهبها للموالين له دون كفاءة وعبر إجبار أجهزة الدولة على خرق القوانين وتعطيل المؤسسات الدستورية وتغذية خطاب الكراهية وإهمال الملف الاقتصادي الذي يتهدده الانهيار واستغلال إمكانات الدولة مثل الاستشارة الإلكترونية للترويج لمشروعه الخاص”.
والجمعة وصفت الحركة، المسيرة بـ”الحاسمة” ودعا مكتبها التنفيذي في بيان له إلى النزول بقوة للشارع رفضا لما تسميه النهضة بالانقلاب وطالبت في سياق متصل بمقاطعة الاستشارة.
وكانت مبادرة “مواطنون ضدّ الانقلاب” قد أعلنت عن انطلاقها في تنظيم تحركات احتجاجية بداية من يوم السابع عشر من ديسمبر الماضي إلى غاية الرابع عشر من يناير الحالي، للمطالبة بإنهاء الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي وللتعبير عن رفض الأمر الرئاسي عدد 117 و”استئناف مسار البناء الديمقراطي”.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة، ذات المرجعية الإسلامية، بدأت تظهر شيئا فشيئا من جبّة حراك “مواطنون ضد الانقلاب”، لتعلن تصعيدا مباشرا ضدّ الرئيس سعيّد.
وأفاد الوزير الأسبق والمحامي حاتم العشي أن “النهضة كانت متخفية وراء الحراك، وهي الآن تريد أن تظهر للواجهة لأن الرئيس سعيّد أصبح يمثل خطرا عليها، خصوصا بعد وضع القيادي بالحركة ووزير العدل الأسبق نورالدين البحيري قيد الإقامة الجبرية”.
وقال لـ”العرب”، “الحركة الآن تدعو للتظاهر بوجه مكشوف وتريد وضع كل البيض في سلّة واحدة، لأن موازين القوى في صالح الرئيس وله مدّ شعبي كبير (72 في المئة حسب استطلاعات الرأي)، وبالنسبة إليها هذا اختبار حقيقي في الشارع”.

حاتم المليكي: الحركة تسعى للمحافظة على تواجدها في الصراع مع قيس سعيّد
وتابع “كان يمكن للمكي أن يقول إن النهضة في خطر، وثمة إجماع الآن على أنها المتسبب الأول في فشل السنوات العشر الماضية، وعلى الحركة الآن أن تعرف حجمها الحقيقي في البلاد”.
ودعا العشي “النهضة إلى القيام بمراجعات وإعادة هيكلة الحزب، بعيدا عن التعامل مع السلطة بمنطق الغنيمة”، لافتا “من أخطأ يجب محاسبته”.
ومن المقرر أن تخرج المظاهرات يوم الرابع عشر من يناير، الذي كان عيدا للثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن علي، لكن الرئيس سعيّد غيّر تاريخ الاحتفال إلى السابع عشر من ديسمبر.
واعتبرت شخصيات سياسية أن حركة النهضة تسعى للمحافظة على تواجدها كطرف رئيسي في الصراع مع الرئيس سعيّد، وهو ما يضمن بقاءها في المشهد، فتحاول من حين إلى آخر التصعيد بالبيانات والنزول للشارع.
وقال الناشط السياسي حاتم المليكي “لا أعتقد أن مستقبل العملية السياسية في تونس مرهون في الشارع، والعودة إلى الشارع تعني العودة إلى الوراء، لأن الشعب التونسي حسم أمره في الطبقة السياسية التي مسكت السلطة في السنوات العشر الأخيرة”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “مسألة الخروج إلى الشارع ستحاول استغلالها الأحزاب وستفشل في ذلك، والنهضة الآن تريد استغلال كل الفرص للتصعيد ضدّ الرئيس، لكنها شعبيا خسرت الكثير”.
وأردف المليكي “الحركة لها جملة من الأهداف، وهي تخشى أن يتحول الصراع السياسي بين سعيّد وأحزاب جديدة، لأنها تريد إيهام الجميع بكونها المدافعة عن الممارسة الديمقراطية، وهي لا تريد أن تتجاوزها الأحداث”.
ومنتصف ديسمبر الماضي أعلن الرئيس التونسي مجموعة من الإجراءات الجديدة التي تمثل خارطة طريق سياسية للبلاد لمدة عام مقبل، تشمل استمرار تجميد البرلمان لحين إجراء انتخابات تشريعية في البلاد والاستفتاء على الدستور في مارس المقبل.
حركة النهضة بدأت تظهر شيئا فشيئا من جبّة حراك “مواطنون ضد الانقلاب”، لتعلن تصعيدا مباشرا ضدّ الرئيس سعيّد
وقال سعيّد في كلمة متلفزة “ندعو لتنظيم استفتاء شعبي إلكتروني بداية يناير، وننظم استفتاءات مباشرة على الدستور في أنحاء البلاد وفي الخارج تنتهي في العشرين من مارس المقبل”، مشيرا إلى أن البلاد ستشهد انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد في السابع عشر من ديسمبر من نفس العام.
وأكد خلال كلمته على استمرار محاكمات الفساد وملاحقة الفاسدين، موضحا أن “بعض الأطراف كانت تتاجر بآلام الشعب التونسي في السنوات الماضية”.
ولقيت القرارات التي أصدرها سعيّد في الخامس والعشرين من يوليو ترحيبا من شريحة واسعة من التونسيين، وقد خرج الكثير منهم للاحتفال ولاسيّما بعد فرض منع السفر أو فرض الإقامة الجبرية على العديد من المسؤولين السابقين وتوقيف وملاحقة نواب في البرلمان قضائيّا بعد أن رُفعت عنهم الحصانة النيابية.
ويحظى الرئيس سعيّد بثقة كبيرة لدى منظمات المجتمع المدني وجزء كبير من النخبة التي تقف في وجه تيار الإسلام السياسي، فضلا عن الدعم الذي يحصل عليه من المؤسسات الرئيسية في البلاد مثل المؤسستين الأمنية والعسكرية.