حتى لا تعرقل عصيّ الفاشلين خطى السلطات الجديدة في ليبيا

لم يعد أمام المنهزمين في ملتقى الحوار الليبي بجنيف إلا التسليم بالواقع الجديد الذي فرضته نتائج التصويت، والاقتناع بأن القاطرة الجديدة أخذت طريقها بغطاء أممي ودولي. هذا الكلام موجّه بالخصوص إلى رئيس البرلمان عقيلة صالح الذي آن له أن يعود إلى دردشات “المربوعة” بعد أن خسر رهانه على الإخوان، فلم يصل إلى رئاسة المجلس الرئاسي وبات مطالبا بالتخلي عن رئاسة البرلمان التي ستؤول وفق خارطة الطريق إلى عضو من فزان، بعد ذهاب رئاسة الرئاسي إلى برقة ورئاسة الحكومة إلى طرابلس.
صالح مطالب بالمساعدة على عقد جلسة برلمانية جامعة، وبعدم التعامل مع الحكومة الجديدة بشروط تعجيزية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس مجلس الدولة خالد المشري الذي دُفع إلى الانسحاب من المنافسات لترك المجال أمام رغبة الإخوان في تحقيق الفوز للقائمة المدعومة من قبلهم (صالح، الجويلي، سيف النصر، باشاغا) والتي انهزمت في الجولة الأخيرة أمام قائمة (المنفّي، اللافي، الكوني، الدبيبة).
يمكن لليبيين أن يتفاءلوا خيرا بالسلطات الجديدة، وعلى المجتمع الدولي أن يكون حازما في التعامل مع كل من يحاول إفساد المشهد الجديد، وعلى اللجنة العسكرية أن تستفيد من الأجواء الجديدة في تنفيذ كافة بنود اتفاق جنيف
هناك عراقيل عدة تعترض طريق السلطات الجديدة تمثل جزءا من المشاكل التي تهدد الحل السياسي، فالخاسرون تتحكم بهم عقدهم ومحاولاتهم الظهور بصورة الأقوياء القادرين على إفساد الخطوات الملموسة لتجاوز الأزمة. فتحي باشاغا مثلا، اختار أن يستعرض قوته وهو عائد من تركيا، بالدعوة إلى استقباله في مطار معيتيقة من قبل ضباط الداخلية وأفرادها وحلفائه من قادة الميليشيات وأن يؤدوا له التحية، وكأنه يريد أن يقول إن القادم أهم ممّا مضى، وإنه يستحق أن يتوّج جبينه بأكاليل النصر.
صالح قرر قطع الطريق أمام دعوة النواب إلى عقد جلسة لمّ الشمل الأحد القادم بمدينة صبراتة، بالمناداة إلى جلسة تشاورية لأعضاء المجلس الاثنين القادم بطبرق، ولا أحد يعرف لماذا لا يعقد البرلمان جلساته أيام الاثنين دون غيرها؟ التسريبات الصحافية تشير إلى أنه يشترط لدعم الحكومة الجديدة، منح إحدى الحقائب الوزارية لابن شقيقته إدريس حفيظة المبروك، الذي يتولى حاليا منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الضمان الاجتماعي الليبي.
الإخوان منقسمون على أنفسهم، فأتباع الصادق الغرياني يندّدون بالسلطات الجديدة ويعلنون رفضها جملة وتفصيلا، ويطلقون عليها اسم “حكومة ستيفاني”، وعلي الصلابي وجماعته موافقون ولكن شريطة ما يصفونه باحترام التوازنات الحزبية، ما يعني سعيهم للحصول على عدد من الحقائب الوزارية من خلال حزب العدالة والبناء الذي كان إلى آخر لحظة داعما لصالح وباشاغا، وساعيا إلى تحقيق هدفه بإيجاد سلطة تعمل على تأجيل الانتخابات إلى أقصى أجل ممكن، فالإخوان لا يريدون استحقاقا انتخابيا يدركون سلفا أنهم موعودون فيه بهزيمة نكراء.
قيادة الجيش بدت في المقابل عقلانية عندما أعلنت دعمها للسلطات الجديدة، وأبدت إصرارا على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر. المقرّبون من المشير خليفة حفتر يؤكدون أنه يفكر بجدية في الترشح للانتخابات الرئاسية، وهذا في حد ذاته إنجاز مهمّ، فالاحتكام إلى صناديق الاقتراع بداية السير في الاتجاه السليم.
سيكون على السلطات الجديدة أن تواجه كل العراقيل بحزم، فليس هناك ما يؤخر خروج فايز السراج من مكتبه والذهاب إلى العاصمة الخليجية التي اشترى بها شقة محترمة ليستريح من عناء الحكم الذي جاء فجأة ليدفع به إلى سدته لمدة خمس سنوات.
على السراج أن يغادر ليترك المجال للمجلس الرئاسي الجديد الذي لا يحتاج إلى تزكية البرلمان، وعلى رئيس الحكومة الجديدة أن يشكّل حكومته بسرعة وأن يراعي في اختيار أعضائها الكفاءة والنزاهة قبل كل شيء، وألا يهتم كثيرا بموقف مجلس النواب منه، لأن البديل موجود في خارطة الطريق الأممية، وهو نيل الثقة من ملتقى الحوار السياسي الذي كان وراء انتخابه للمنصب، ومن انتخبه بالأمس لن يتخلى عنه اليوم.
صالح مطالب بالمساعدة على عقد جلسة برلمانية جامعة، وبعدم التعامل مع الحكومة الجديدة بشروط تعجيزية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس مجلس الدولة خالد المشري
يمكن لليبيين أن يتفاءلوا خيرا بالسلطات الجديدة، وعلى المجتمع الدولي أن يكون حازما في التعامل مع كل من يحاول إفساد المشهد الجديد، وعلى اللجنة العسكرية أن تستفيد من الأجواء الجديدة في تنفيذ كافة بنود اتفاق جنيف، وعلى الفعاليات الاجتماعية أن تتجه مباشرة نحو المصالحة الوطنية تمهيدا لانتخابات رئاسية وبرلمانية لا تقصي أحدا، ويمكن لليبيين عندئذ أن يفرضوا خياراتهم في بلادهم دون أن يتركوا لأي طرف خارجي فرصة تشتيت صفوفهم.
أهم ما يمكن التأكيد عليه هو ألا تنجح عصيّ الفاشلين في عرقلة خطى السلطات الجديدة في ليبيا، أو في تأخير موعد الانتخابات المقرر تنظيمها في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم.