جي. دي. فانس مع إسرائيل، قلبا وقالبا

إذا حالف الحظ ترامب ثمة ملفات أهم من فلسطين وهي تباعًا الحرب في أوكرانيا والحد من النفوذ الصيني واحتواء روسيا وتقزيم إيران، كل هذه القضايا ستنعكس سلبًا على القضية الفلسطينية.
السبت 2024/08/03
بوجود فانس هناك خطر أكبر على القضية الفلسطينية

تميز الخطاب السياسي الأميركي بشحنة من عبارات العداء تجاه الآخر، خاصة تلك المتعلقة بالمسلمين والمنطقة العربية والإسلامية عمومًا. ولعبت الهوية الأميركية بمكوناتها الدينية والثقافية دورًا أساسيًا في تشكيل حالة من الاستقطاب بين قطبي الأصدقاء والأعداء. وربما يفسر ذلك اختيار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب السيناتور جي. دي. فانس من ولاية أوهايو ليكون نائبًا له عن الحزب الجمهوري، وهو يمثل ما يعرف باسم “اليمين الجديد” في هذا المجال. هذا التيار الشعبوي المحافظ يرفض العديد من وجهات النظر الجمهورية التقليدية، ويدعم الرسوم الجمركية على التجارة، كما يدعم سياسات هجرة أكثر صرامة كوسيلة لحماية أمن الولايات المتحدة. يتكون اليمين الجديد من مجموعة مثقفين وناشطين محافظين برزوا خلال نهاية رئاسة ترامب.

اختيار ترامب لفانس ليكون نائبًا له في حال فاز في الانتخابات الأميركية القادمة خطوة أبعد باتجاه شيطنة الولايات المتحدة. اللافت أن فانس، وهو في مقتبل العمر (39 عامًا)، خاض غمار السياسة منذ وقت قريب. كما أنه مؤيد للتيار المسيحي في الولايات المتحدة، ويرى أن بلاده “لا تزال أكبر دولة ذات أغلبية مسيحية في العالم”، ويعتبر أن هذا التيار الديني هو السبب وراء الدعم الأميركي لإسرائيل. يرى أن ترامب على حق في الحد من الهجرة وتفوق العنصر الأبيض، رغم الخلاف الذي كان يومًا بينهما.

عرف عن فانس سابقًا انتقاده الشديد لترامب ومعارضته له، خاصة قبل انتخابات الرئاسة عام 2016، فقد شبهه في جلسات خاصة بالزعيم النازي الألماني، وسماه “هتلر أميركا”، وقال عنه إنه “أحمق” و”يستحق الشجب”. يؤيد فانس دعم إسرائيل في حربها على حماس وتدميرها. أخطر ما صرح به قوله إنه يجب ترك إسرائيل تعمل في غزة حسب رؤيتها وحسب ما تراه مناسبًا. نسب إليه القول “يجب أن أكون صادقًا، فأنا لا أهتم حقًا بما يحدث لأوكرانيا”. هذا الشعور شاركه فيه المعلق والكاتب السياسي الأميركي ديفيد فرينش، الذي أشار إلى أن فانس سوف يكون من الصقور في التعامل مع الصين. فرينش واحد من أربعة كتاب أعمدة في “نيويورك تايمز” ناقشوا اختيار فانس كنائب لترامب. هذا يدلل على أن الفترة القادمة للرئاسة الأميركية ستكون أكثر قسوة وخطرًا على القضية الفلسطينية.

◄ الدعاية الانتخابية الأميركية بدأت تزداد شراسة يومًا بعد يوم، ولا يوجد هناك متسع من الوقت للبت في وقف الحرب على غزة، خصوصًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول كسب الوقت لصالحه

في حال فوزه في الانتخابات القادمة، أمام ترامب برامج سياسية خارجية ضخمة، وأخطرها على القضية الفلسطينية في ظل تقارب في الرؤى بين الرئيس الأميركي ونائبه. سبق لترامب أن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ووقع على وثيقة بأن الجولان المحتل جزء من إسرائيل، ولم يبق شيء حتى يتنازل عنه لإسرائيل سوى محو غزة عن الخارطة.

أمام تلك التصورات، لم يقدم بايدن شيئًا للقضية الفلسطينية، ولم يمنع قتل المدنيين في غزة، بل قدم لإسرائيل الكثير من الدعم العسكري والسياسي. لهذا لم يكن هناك فرق بين الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية وبين الرئيس السابق ترامب. ولكن الاختلاف سيكون في حال فاز بالانتخابات الرئاسية الأميركية للفترة القادمة، ودخل ترامب البيت الأبيض، ستكون عهدة أكثر تطرفًا وهذا ما يقلق العالم.

أما على صعيد العلاقات الأميركية – السعودية في حال فوز ترامب، لا يتوقع أن يكون هناك أي تغيير عليها. سوف يكون هناك دعم سياسي وعسكري للرياض، وتساعد الولايات المتحدة الأميركية السعودية في بناء المفاعل النووي السلمي، مقابل وعود بحل القضية الفلسطينية. هذا ليس مجرد تحليل، ولكن صفقة القرن الأميركية أكبر شاهد على ذلك، والتي تنص على استمرار السيطرة الإسرائيلية على معظم الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وضم الكتل الاستيطانية الضخمة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل وبقاء مدينة القدس موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية.

تعهدت إسرائيل بالحد من النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة أربع سنوات، وهي الفترة الممنوحة للجانب الفلسطيني كي يقر الدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لتطبيق الخطة. ستكون للدولة الفلسطينية التي ستقام بموجب الخطة عاصمة تحمل اسم القدس في أي مكان آخر، لكن لا علاقة له بمدينة القدس التي ستبقى موحدة وتحت السيادة الإسرائيلية وعاصمة لها. ستضم العاصمة الفلسطينية بعض الضواحي النائية من القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967.

ملامح المرحلة القادمة فيما يتعلق بإسرائيل وما يتعلق بالقضية الفلسطينية، سواء كان مرشح الديمقراطيين رئيسًا للولايات المتحدة أو حل مكانه ترامب – ومن خلال متابعة الحملات الانتخابية، يمكن القول إن حظوظه في العودة إلى البيت الأبيض تزداد تأكيدًا يومًا إثر آخر – سوف تبقى القضية الفلسطينية تراوح مكانها. إذا حالف الحظ ترامب، كما قلنا، ثمة ملفات أهم من فلسطين، وهي تباعًا الحرب في أوكرانيا، والحد من النفوذ الصيني، واحتواء روسيا، والأهم هو تقزيم إيران. كل هذه القضايا سوف تنعكس سلبًا على القضية الفلسطينية، وتصب الزيت على النار وتبقي ما يعيثه المستوطنون في الضفة الغربية من خراب، وما يجري في غزة خارج دائرة الضوء، بمعنى لا يوجد خيار آخر ولا يوجد بصيص أمل لحلحلة القضية الفلسطينية.

وفق تقديري، بدأت الدعاية الانتخابية الأميركية تزداد شراسة يومًا بعد يوم، ولا يوجد هناك متسع من الوقت للبت في وقف الحرب على غزة، خصوصًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول كسب الوقت لصالحه، فهو يعول كثيرًا على ترامب صديقه الصدوق. هكذا تبدو الصورة.

8