جهود هياكل الدولة لا تكفي لرعاية الأطفال فاقدي السند في تونس

يؤكد خبراء الطفولة في تونس على وجود مشاكل تعيق الاهتمام بالأطفال فاقدي السند، مشيرين إلى أن جهود مؤسسات الدولة لتقديم الرعاية اللازمة لهم تبقى غير كافية في ظلّ تفاقم المشاكل الاجتماعية ومحدودية الموارد المالية، فضلا عن صعوبة إجراءات التبنّي. ويرى مراقبون أن الطفولة في تونس عموما تعيش وضعا هشّا.
تونس - أعلنت وزارة المرأة والأسرة في تونس تخصيص اعتمادات وإجراءات جديدة لفائدة الطفولة الفاقدة للسند في البلاد، بهدف تحسين وضعيتها، وسط إجماع المراقبين على أن مجهودات هياكل الدولة وإمكاناتها لا تكفي لذلك، في وقت تتصاعد فيه المطالب بالبحث عن حلول جديدة من بينها تسهيل إجراءات التبنّي.
وأكدت آمال بلحاج موسى وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السنّ في تونس خلال عرض مخطط التنمية 2023 /2025 على دور الوزارة في التعهّد بالأطفال في المراكز المندمجة للشباب والطفولة وإعادة إدماجهم بالمجتمع، حيث تمّ إلى حدود 2022 التعهّد بـ322 طفلا مقيما و261 طفلا ضمن الإيداع العائلي و1468 طفلا بالوسط الطبيعي بكلفة ماليّة تفوق 5.4 مليون دينار (1.73 مليون دولار).
وأضافت أنه “من المنتظر أن يتمّ التعهّد سنة 2023 بـ360 طفلا مقيما (ة) و285 طفلا ضمن الإيداع العائلي و1520 طفلا (ة) بالوسط الطبيعي بكلفة ماليّة تبلغ 5.2 مليون دينار. وفي سنة 2024 سيتم التعهد بـ380 طفلا مقيما (ة) و320 طفلا ضمن الإيداع العائلي و1600 طفل (ة) بالوسط الطبيعي بكلفة ماليّة تقدر بـ5.9 مليون دينار (1.89 مليون دولار)”.
أما سنة 2025 فسيتم التعهد بـ400 طفل مقيم (ة) و350 طفلا ضمن الإيداع العائلي و1700 طفل (ة) بالوسط الطبيعي بكلفة ماليّة تبلغ 6.3 مليون دينار (أكثر من 2 مليون دولار).
وقالت الوزيرة خلال مداخلتها إن “الوزارة تعهّدت بـ4457 طفلا في وضعيات الهشاشة بمركبات الطفولة إلى حدود 2022 وسيتمّ التعهّد سنة 2023 بـ5480 طفلا وستتعهد في 2024 بـ5900 طفل، في حين عدد الأطفال التي سيتم التعهد بهم في 2025 سيكون 6200 طفل”.
ولئن أقرّ مراقبون بوجود مشاكل للاهتمام بالأطفال فاقدي السند وتظافر جهود مؤسسات الدولة لتقديم الرعاية اللازمة لهم، إلا أنهم أكّدوا أن تلك الجهود تبقى غير كافية في ظلّ تفاقم المشاكل الاجتماعية ومحدودية الموارد المالية، فضلا عن غياب الإستراتيجيات والبرامج اللازمة لذلك.
وقال عامر الجريدي كاتب عام المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن “المشكلة حقيقية وتتفاقم مثل مختلف المشاكل الاجتماعية، والدولة الممثلة خصوصا في وزارة المرأة ووزارة الشؤون الاجتماعية تبذل مجهودا في هذا الصدد، لكن ذلك لا يكفي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “الميزانية المالية والاعتمادات المرصودة محدودة جدا، فضلا عن غياب مخطط تنموي شامل الذي يمثل عائقا أمام تنفيذ أي برامج وسياسات ولا يعطي حلاّ مستداما”.
وتابع “المجتمع المدني يقوم بمجهودات كبيرة، لكن توجد عطالة قانونية، والتشريعات القائمة لا تمككنا من تسهيل إجراءات التبني الذي يمكن أن يكون حلا من الحلول”.
واعتبرت شخصيات حقوقية أن وضعية الطفولة في تونس هي الأكثر هشاشة مقارنة ببقية الفئات تبعا لقصور دور الدولة في إيجاد حلول جذرية للملف من بينها ضعف إمكانات المراكز التي تعنى برعاية الطفولة، وسط دعوات لتسهيل إجراءت التبني على أن تتكفّل الدولة بالنفقات.
وأفادت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن “الطفولة في تونس عموما تعيش وضعا هشّا، فما بالك بوضعية الأطفال فاقدي السند الذين يعتبرون أضعفحلقة في السلم الاجتماعي”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “الدولة التونسية لم تعد قادرة على التحكم في المراكز التابعة لها واضطرت إلى إغلاق العديد منها، وعليه يجب التفكير في إيجاد آليات أخرى، لأن بعض المراكز تفتقد إلى الخبرة والمتخصصين في تربية الأطفال”.
وتابعت “هناك تفاضل بين المراكز ما يخلق نوعا من التفرقة والتمييز، ولا بد من البحث عن حلول جديدة منها مثلا التشجيع على التبنّي وتسهيل إجراءاته بالنسبة إلى الأسر، ويمكن للدولة أن تتكفل بتلك النفقات”.
وتعيش غالبية قرى ‘أس.أو.أس’ في تونس أزمة عامة ما يهدد عددا هاما من الأطفال فاقدي السند بمستقبل غامض وربما يصبحون من أطفال الشوارع والمشردين في حال تم إخراجهم من هذه القرى دون توفير بدائل ومقرات سكن وموارد عيش لهم.
ويتواصل الجدل في تونس حول وضع قرى الأطفال المعروفة باسم قرى “أس.أو.أس” وهي مؤسسات أنشأتها جمعية أهلية لرعاية الأطفال فاقدي السند العائلي، وذلك بعد صيحة فزع أطلقها القائمون على الجمعية التونسية لقرى الأطفال حول التهديدات المتربصة بهذه المؤسسات في ظل المتاعب المالية التي تعيشها بعد تقلص دعم المنظمة الدولية الأم التي كانت تمولها بالكامل.
وقرية الأطفال بقمرت كانت أول مشاريع الجمعية التونسية لقرى الأطفال “أس.أو.أس”، وهي جمعية غير حكومية تأسست في عام 1981 بدعم من الفيدرالية الدولية لقرى الأطفال”أس.أو.أس”، وقد افتتحت رسميا في العام 1984 ليتم بعد ذلك تأسيس قرية أخرى للأطفال في سليانة الواقعة في شمال غربي البلاد وبعدها بسنوات قرية المحرص التابعة لمحافظة صفاقس بالجنوب الشرقي لتونس، فضلا عن قرية أكودة التابعة لمحافظة سوسة بالوسط الشرقي للبلاد.
وتبلغ طاقة استيعاب هذه القرى قرابة الـ320 طفلا أي بمعدل 80 طفلا في كل قرية موزعين على عشر منازل، ولكلّ قرية منها روضة أطفال وناد متنوع الأنشطة.
وتشرف على رعاية هؤلاء الأطفال فاقدي السند منذ تأسيس أول قرية ما يسمى بـ”الأمهات البديلات” اللواتي تسهر كل واحدة منهن على رعاية ثمانية أطفال في أقصى الحالات. ويمتع بخدمات هذه القرى، التي تتلقى ما بين 60 و80 في المئة من ميزانيتها من الجمعية العالمية لقرى الأطفال، قرابة 1300 طفل وذلك منذ تأسيس أول قرية سنة 1984.
ويعيش أطفال قرى ‘أس.أو.أس’ المهددة بالغلق حالة من القلق والضياع في انتظار الحلول الناجعة من أجل حمايتهم من الشوارع ومن العيش من دون عائلة ومن دون أم ومن دون مأوى أيضا.
وتعتبر تونس من بين الدول العربية القليلة التي تعنى بأبناء دور رعاية الأطفال حتى بعد بلوغهم سن الرشد فينتقلون إلى مرحلة السكن المؤطر أي تسوّغ شقة مشتركة كما ترصد لهم منحة قارة إلى حين حصولهم على عمل قار.