جهود تونسية لمحاصرة ظاهرة الاتجار بالبشر

تونس - تعكس عمليات التبليغ المتكررة عن جرائم تتعلق بالاتجار بالبشر تنامي الوعي الجماعي في تونس بمخاطر هذه الظاهرة التي شهدت نسقا تصاعديا خلال السنوات الأخيرة.
وأعلنت رئيسة الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر روضة العبيدي أنّه تمّ تسجيل انخفاض في منسوب الأعداد المتعلقة بالاتجار بالبشر في تونس.
ويعرّف القانون التونسي جريمة الاتجار بالبشر على أنها “استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد بهما أو غير ذلك من أشكال الإكراه، وذلك بقصد الاستغلال أياً كانت صوره”.
ويعاقب القانون بـ”السجن 15 سنة وغرامة مالية تتراوح بين 50 ألف دينار (17 ألف دولار) و100 ألف دينار (33 ألف دولار) كل من يتاجر بالبشر”.
ويعتبر القانون رقم 61 لسنة 2016 ضمانة لكل من يتعرض لأي نوع من أنواع الاستغلال أو الإكراه، لكن الظاهرة تستفحل في المجتمع التونسي، الذي يشهد تحولات مجتمعية وديموغرافية لافتة، خصوصا مع توافد آلاف من المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، ما جعلهم أحيانا عرضة للاستغلال في البلد المتخبط في الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وبيّنت العبيدي أنّه “وفق آخر الإحصائيات لسنة 2022، التي تستعد الهيئة للإعلان عنها في الأيام القادمة، تمّ تسجيل 766 حالة اتجار بالبشر خلال سنة 2022 في حين سجلت 1100 حالة في 2021.
وقالت العبيدي في تصريحات صحافية إنّ “أغلب الوضعيات المسجلة متعلقة بالتشغيل القسري والذي يستهدف أساسا ضحايا أجانب خاصّة من أفريقيا جنوب الصحراء باعتبار أنّهم مهاجرون في وضعية غير نظامية”.
وشدّدت على أنّه “بالنسبة إلى الأطفال فإنّه ولأوّل مرّة انخفضت نسبة الاتجار إلى أقلّ من 50 في المئة حيث سجّلت الهيئة نسبة اتجار بالأطفال في حدود 45 في المئة من جملة الحالات”، لافتة إلى أنّ “الحالات مسجلة في مجالات الاستغلال الاقتصادي والتسول”.
وسجلت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر في عام 2021 “1100 حالة اتجار ثلث المستهدفين فيها نساء وأكثر من نصفها أطفال، كما استهدفت جرائم الاتجار الأجانب بنسبة 82 في المئة، 64 في المئة منهم من ساحل العاج”.
ويعتبر الاتجار بالبشر على اختلاف أشكاله انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وتعدّيا سافرا على كرامة الذات البشرية لما يتضمنه من ممارسات شبيهة بالعبودية.
وثمنت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان “جهود مختلف الهياكل التونسية في التصدي لظاهرة الاتجار بالبشر والوعي بمخاطر هذه الجرائم”، قائلة إنه “تم الاشتغال من طرف الهيئة على المسألة وبتظافر جهود عدة أطراف حكومية على غرار وزارة الأسرة والمرأة التي واكبت العديد من المسائل وخصوصا الاتجار بالأطفال”.
وأضافت الزموري في تصريحات لـ”العرب” أنه “عندما تكون هناك إرادة سياسية وانكباب فعلي من الهياكل المعنية، يمكن تحقيق نتائج، وننتظر أن نتقدم أشواطا أخرى لفكّ شفرة شبكات الاتجار بالبشر والوسطاء الناشطين في المجال خصوصا في مسألة المهاجرين القادمين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، والبحث عن المتسببين الحقيقيين في ذلك، بالعمل المشترك والتنسيق مع دول شمال المتوسط”.
ولفتت إلى أنه “تم تسجيل انخفاض في هذه الجرائم في ما يتعلق بعاملات المنازل، خصوصا بعد الاتفاقيات الأخيرة بين عدد من الوزارات وتعزيز ترسانة القوانين والتشريعات”.
وأشارت الزموري إلى أن “الوعي بمخاطر هذه الجرائم يتحقق عبر وجود مقاربات شاملة والتربية على ثقافة قبول الغير، كما أن القوانين الرادعة يمكن أن توقف هذا النزيف أو التفكير في الانخراط في الظاهرة”.
واستطردت قائلة “القانون ساهم في تغيير العقليات، ونأمل أن تكون المقاربات أكثر شمولية لتكريس مبدأ احترام الذات البشرية”.
ويستهدف العمل القسري على غرار العمل المنزلي مواطنين من مختلف جنسيات أفريقيا جنوب الصحراء المتواجدين بكثافة في تونس وخصوصا من ساحل العاج.
ووفق المعهد الوطني للإحصاء يقدر العدد الإجمالي للأجانب المتواجدين في تونس بنحو ستين ألفا، ثلاثة أرباعهم من أفريقيا جنوب الصحراء.
وقال المختصّ في علم الاجتماع مهدي مبروك إنّه “من المفارقة أنّنا نتحدث اليوم وفي القرن الـ21 عن المتاجرة أو الاتجار بالبشر”، لافتا إلى أنّ “هذه الظاهرة رافقت الإنسانية منذ القدم خاصة في أشكال العبودية والرقّ”.
وأكّد أنّه “منذ أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 بدأت تشريعات عالمية ووطنية لمنع كافة أشكال المتاجرة بالبشر ولكن ظلّت العديد من المجتمعات الأفريقية والخليجية محتفظة ببعض أشكال المتاجرة بالبشر واستغلال الأفراد جسديا ونفسيا واقتصاديا وحتى عبر استغلال الأعضاء وبيعها”.
وأضاف مبروك أن “الظروف المادية يمكن أن تهيّئ المناخ الاقتصادي والاجتماعي للقبول بمثل هذه الأعمال ولكن لا بد من تدريب وتنشئة الأطفال في مختلف المراحل التعليمية والتنصيص على أهمية الوعي بهذه الظاهرة ضمن البرامج الإصلاحية القادمة”.
وسبق أن أطلقت هيئة مكافحة الاتجار بالبشر العام الماضي “دليل مرافقة ضحايا الاتجار بالأشخاص نحو الإدماج أو إعادة الإدماج في تونس” بدعم من البرنامج المشترك بين مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي بغاية التعريف بالحقوق والخدمات المتاحة لضحايا الاتجار بالأشخاص، كما يساعد على توفير مرافقة اجتماعية في عملية الإدماج وإعادة الإدماج بشكل مستدام وفعال.
وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إنّ “محاربة المتاجرين بالبشر ومكافحة الهجرة غير النظامية أساسية بالنسبة إلى تونس وإيطاليا”.
وأضاف في أعقاب لقائه الخميس مع وزير الخارجية التونسي نبيل عمّار بمقرّ وزارة الخارجية في روما أن “التعاون بين بلدينا جاد، وهناك بالفعل اتفاقيات لا يزال يسري مفعولها وسيتم تطبيقها”، مشددا على “أهمية العمل المشترك لمواجهة هذه الظاهرة المقلقة”.
وتابع “سنعمل يدا بيد مع تونس للقضاء على هذه الآفة غير المقبولة التي لا تزال تسبب الكثير من الوفيات في البحر الأبيض المتوسط” في إطار “تعاون على المدى القصير والمتوسط والطويل”، وفق ما أوردته وكالة الأنباء الإيطالية.