جهات تونسية بلا ولّاة: توجه من سعيد أم غياب للكفاءة

تونس - لا تزال بعض الولايات (المحافظات) التونسية بلا ولّاة منذ أكثر من سبعة أشهر، وهو ما طرح لدى المراقبين حزمة من التساؤلات، خصوصا في ظل تردي مستوى الخدمات في الجهات وتشتت القرار الإداري.
وعزا متابعون للشأن التونسي التأخير المستمر في تعيين ولاة جدد بعد إعفاء آخرين إلى بحث الرئيس قيس سعيد عن مسؤولين جهويين يتوفرون على عامل الكفاءة في خدمة تلك الجهات، في المقابل يرى البعض أن سعيد يدير الأمور بنفسه معتبرا أن منصب الوالي ليس مهما.
وظّلت ولايات صفاقس وقابس (جنوب) والكاف (شمال غرب) والعاصمة تونس (شمال) دون تعيين ولاة منذ فترة ليست بالقصيرة.
وتشهد بعض الولايات منذ أشهر غيابا لمنصب الوالي بعد إنهاء مهام الولاة من قبل الرئيس سعيد على غرار العاصمة تونس والكاف وباجة وصفاقس وقابس.
وفي يناير الماضي، تلقى المعتمد الأول لولاية صفاقس الحبيب بلغوثي تكليفا رسميا من وزير الداخلية للاضطلاع بمهمة تسيير شؤون الولاية إلى حين تعيين وال جديد للجهة، وذلك بعد قرار رئيس الجمهورية بإنهاء مهام فاخر الفخفاخ على رأس ولاية صفاقس بتاريخ 6 يناير الماضي.
وقرر سعيد نهاية مارس الماضي إعفاء مصباح كردمين والي ولاية قابس جنوب شرقي البلاد من مهامه وملاحقته قضائيا بتهمة “ارتكاب أفعال يجرمها القانون”.
وقالت الرئاسة التونسية في بيان إن سعيد “قرّر إعفاء مصباح كردمين والي قابس من مهامه”.
وفي بيان ثان ذكرت الرئاسة أنه بناء على تعليمات من سعيد “أذنت النيابة العمومية بطلب من وزيرة العدل ليلى جفال بفتح تحقيق عدلي ضد والي قابس السابق تتعلق بأفعال قام بها ويُجرمها القانون”، دون مزيد من التفاصيل.
ونقل البيان عن سعيد قوله إن “الشعب يريد تطهير البلاد وإن الذي يتحمل المسؤولية يجب أن يكون في مستواها، فلا مجال لتجاوز القانون سواء بالنسبة إلى من كان في السلطة أو خارجها”.
وفي 6 يونيو 2022 عين الرئيس سعيد مصباح كردمين واليا على قابس ضمن حركة جزئية لتعيين ولاة.
منظمة "أنا يقظ" تساءلت "هل أنّ خلق الشغورات بصفة اعتباطية سببها انعدام الكفاءات أم غياب الولاءات؟"
وأفاد الناشط السياسي حاتم المليكي بأن “عدم وجود ولاة في تلك الجهات يعني سياسيا أن صاحب القرار (رئيس الجمهورية) يعتبر أنه ليس منصبا مهما، وبالتالي يعتبر غياب الوالي أمرا غير مقلق، والأمر أيضا ينطبق على عدد من السفراء والقناصل”.
وأضاف لـ”العرب”، “هناك احتمال ثان، وهو أن الرئيس لديه عدة اعتبارات تتعلق بالكفاءة لاختيار الوالي، وهو منصب مهم نظرا إلى ارتباطه مباشرة بخدمة المواطنين، فضلا عن كون الوالي هو ممثل رئيس الجمهورية في جهة معينة”.
وكانت منظمة “أنا يقظ” أصدرت بيانا تحدثت من خلاله عن أنّ الشغورات التي تتزايد يوما بعد يوم من شأنها إرباك عمل الدولة وتدعيم سياسة التملص من المسؤولية والإفلات من العقاب.
وتساءلت المنظمة في بلاغها “هل أنّ خلق الشغورات بصفة اعتباطية وانتهاج سياسة التكليف بالتسيير سببها انعدام الكفاءات أم غياب الولاءات؟”.
كما تطرقت “أنا يقظ” إلى مرور سنة كاملة على “استقالة أو إقالة” مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة ليبقى بذلك هذا المنصب شاغرا مع غياب بوادر لسدّ هذا الشغور رغم أهميّة هذا المنصب، إضافة إلى شغور بقية المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية مثل منصب رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان منذ شهر أكتوبر 2021 ومنصب الموفق الإداري منذ 18 يناير 2022.
وقال الكاتب والمحلل السياسي مراد علالة “فضلا عن عدم تعيين ولاة في بعض الجهات، هناك وزير في الحكومة غير موجود (وزير التشغيل)، وهيئة الانتخابات تدار بثلاثة أعضاء، إلى جانب غياب عدد من السفراء”.
وصرّح لـ”العرب”، “يبدو أن الرئيس سعيد يريد تمرير مشروع سياسي ناعم ويصطدم بصعوبتين، الأولى تتعلق باختيار الأشخاص، والثانية تتعلق بالضغوطات التي يتعرض لها من قبل المحسوبين على مسار 25 يوليو 2021، حيث توجد أطراف تريد نصيبها من التعيينات، وهي أحرص من المعارضة على ذلك”.
وأردف علالة “هناك حالة من الانفلات الاجتماعي خصوصا في المدن الكبرى على غرار العاصمة تونس وصفاقس بخصوص الأنشطة العشوائية ووجود الباعة المتجولين، فضلا عن تكدس الفضلات في الشوارع”.
وأشار إلى أن “الرئيس سعيد يبدو أنه لم يجد أسماء مناسبة إلى حد الآن للاضطلاع بمناصب الولاة في تلك الجهات”، لافتا إلى أن “هذه الجهات تمثل حزام الجمهورية وتعاني من مشاكل اجتماعية وبيئية”.
وتشهد تونس شغورات في العديد من المناصب والوظائف الحساسة مثل البعثات الدبلوماسية في العديد من الدول، حيث تشير آخر الأرقام إلى أن الشغورات الموجودة على مستوى السفراء والقناصل تتجاوز الـ30 على غرار سفارات الصيّن وتركيا وقطر وإيطاليا.
وقد أكد إبراهيم الرزقي كاتب عام نقابة السلك الدبلوماسي في تصريحات سابقة وجود شغورات في حوالي 33 مركزا دبلوماسيا وقنصليا بالخارج منذ سنة 2021، مبينا أن الشغورات تتوزع بين 21 سفارة و12 بين قنصلية عامة وقنصلية.