جنات الأرض في لوحات اللبنانية تمارا حداد والهنغاري سيلار هوسزانك

الجانب الخيالي من الطبيعة يحضر في أعمال الفنان الهولندي ويحضر الجانب الواقعي الجيولوجي في لوحات الفنانة اللبنانية.
الأربعاء 2023/06/07
طبيعة متناقضة (لوحة تمارا حداد)

في زمن تثور فيه الطبيعة على الإنسان الذي يدمرها ويتجاهلها، التفت الفنانان التشكيليان تمارا حداد وسيلار هوسزانك إلى الأرض والبيئة من حولهما، ليصورا الربيع في أبهى حلته وبألوان زاهية، كل واحد منهما حسب أسلوبه الخاص الذي تطغى عليه الواقعية السحرية.

افتتحت صالة "تانيت" اللبنانية في الثالث من مايو الماضي معرضا مشتركا للفنانة اللبنانية تمارا حداد والفنان الهنغاري سيلار هوسزانك تحت عنوان "مشاهد متخايلة: بين الواقع والخيال". ويضم المعرض مجموعة من الأعمال معظمها بالقياسات الكبيرة لتنسجم مع طبيعة الموضوع المُتناول، ويستمر حتى الثالث عشر من يونيو الحالي. 

في الفترة المُتفق عليها أنها تنتمي إلى فصل الربيع، تقدم صالة "تانيت" معرضا مشتركا للفنانين تمارا حداد وسيلار هوسزانك موضوعه بشكل عام الأرض والبيئة من خلال مجموعة مشاهد مُستمدة بشكل أو بآخر من الطبيعة.  

الغوص في معالم الأعمال الفنية من خلال ما تطرحه من جماليات تعبيرية مختلفة، ومن خلال الأفكار التي تتناولها، يؤكد لنا أننا نعيش في زمن لم يعد ما "اتفق عليه على أنه فصل الربيع" ربيعا بسماته المعهودة. إذ أزهر الشوك وذوت الأزهار إلى جانب آخر وحافظت على رونقها وقوة نضارتها، كما ترافق ارتفاع حرارة الجوّ مع تلبد السماء بغيوم رمادية وهطول أمطار ليست بأمطار بقدر ما هي ذرات رملية  تشبعت بالرطوبة وانهمرت على الأرض بالوحل والغبار. 

 الأرض تزهر من جديد )لوحة سيلار هوسزانك(
◙ الأرض تزهر من جديد (لوحة سيلار هوسزانك)

ولم يَطَل هذا التبدل (والمقصود به هنا الترديّ والخلل) فصل الربيع فقط، بل كل فصول السنة، كما لم يعكر هذا التبدل فصول السنة فقط، بل طبيعة البشر والعيش بشكل عام إلى حدّ الوصول إلى زمن بات الآلي/الافتراضي يحلحل شيئا فشيئا نسيج الإنسانية نحو ردها إلى محض معنى “البشرية”، وشتان بين الاثنين. 

وشيئا فشيئا تتحول المشاهد الطبيعية إلى يوتوبيا بعيدة المنال في عين وخيال الإنسان وهو يتحول بدوره إلى مجرد "بشري". ولعل هذا المعرض الذي نحن بصدده هنا هو من أهم المعارض التي تتناول الطبيعة في زمن اقتربت فيه هذه الطبيعة من أن تكون من آخر هموم البشري لاسيما بعد حلول سنة 2000.

في معرض "مشاهد متخايلة: بين الواقع والخيال" يحضر الجانب الخيالي من الطبيعة من خلال أعمال الفنان التشكيلي الهولندي سيلار هوسزانك ويحضر الجانب الواقعي/ الجيولوجي في لوحات الفنانة اللبنانية تمارا حداد. 

ويشكل هذا الحضور المزدوج كل البعد عن التناقض ليحل التكامل والتوافق فيفضي أحدهما إلى الآخر وذلك بالرغم من أن البيان الصحفي المرافق للمعرض يذكر أن ما سيراه زائر “تانيت” هو “جانب كبير من التناقض يحضر بين النصين الفنيين المختلفين في الأسلوب وزاوية النظرة إلى الطبيعة؛ جمال ودمار، تشكيل وتجريد، تقليدي وغير نمطيّ”.

◙ أعمال الفنان سيلار هوسزانك بألوانها المضيئة غير الطبيعية تحيلنا إلى ما يُسمى "الفن الغامر"

من ناحية أخرى يذكر البيان الصحفي أن المعرض يضم سلسلة من الأعمال التي تتناول واحدا من أهم المواضيع التي يجدر بنا الالتفات إليها نظرا لتأثيرها العظيم في حياتنا ككل وهو موضوع الطبيعة والبيئة وما يهددها من الأخطار المقْرونة بالحالة الرائجة والمتمثلة في حرص معظمنا على تجاهل وجود الخلل أو عدم النظر إليه بغية إيجاد حلول ممكنة التطبيق.

وقد حضرت الطبيعة في لوحات الفنان سيلار هوسزانك عبر استخدام أسلوب إضافة الطبقات اللونية بحيث تتشكل مشاهد طبيعية التي أراد الفنان الإشارة إليها على أنها “كولاج مشهدي” أو “مشاهد طبيعية خيالية”.  

وقد استحضر الفنان من الطبيعة عناصر بصرية كالأغصان والأشجار وأوراق الأشجار والجبال وما إلى ذلك من الموجودات الطبيعية ليمدّها من خلال ريشته بغرائبية سحرية تعج بالألوان الصارخة بشكل يجعل كل من وقف أمامها حائرا وغير قادر على استكمال المشهد والتعرّف إليه بكل وضوح. 

والجدير بالذكر هنا هو أن أعمال هذا الفنان بألوانها المضيئة غير الطبيعية تحيلنا إلى ما يسمى “الفن الغامر” أو “إمرسيف آرت” الذي فيه الكثير من السينوغرافيا المعتمدة اعتمادا شبه كلي على ما يمده عالم الديجيتال من قدرة على اختلاق مشاهد يمكن السير فيها واختبارها بثلاثية الأبعاد. 

◙ للطبيعة سر مبهم (لوحة تمارا حداد)
◙ للطبيعة سر مبهم (لوحة تمارا حداد)

ويذكر البيان الصحفي أن أعمال “الفنان الهنغاري تذكّر بالحدائق المسحورة البعيدة عن حياة المدينة وسكانها. في حين أن لوحات الفنانة تمارا حداد بالرغم من عدم وجود أي عنصر بشري فيها تأخذ مُشاهدها إلى أثر أفعال الإنسان في الطبيعة، من التصحر والاحتباس الحراري وحرائق الغابات والتلوث. وقد استوحت لوحاتها، بما فيها من عناصر ومشاهد جيولوجية وطبيعية آسرة، من زيارتها إلى جبال لبنان والنيبال والتيبت”.

وسبق للفنانة تمارا حداد أن عرضت جانبا من الأجواء التي لا تنضب من لوحاتها الحاضرة اليوم في معرض فردي في صالة "تانيت"، وهي اليوم في لوحاتها المعروضة تتابع هذا الفيض الفني الهاجس بالطبيعة. وقد استخدمت في لوحاتها السابقة والحاضرة مواد وعناصر من الطبيعة كالتراب والحصى والرمل ولحاء الأشجار وأغصانها وأوراقها. 

ويشير البيان الصحفي للمعرض إلى أن أعمال الفنانة تمارا حداد هي من “واقع الطبيعة والجيولوجيا الزاخرة بالألوان وبخشونة الملمس ونعومته. أما لوحات الفنان سيلار هوسزانك فهي خيالية تنبض بالألوان غير الطبيعية”.

غير أن المثير والأهم فيما رأيناه وذكره البيان الصحفي على حد السواء هو أن الناظر إلى لوحات تمارا حداد سيجد نفسه يبحث في هذه “الواقعية” عن سحر مبهم حاضر ومختبئ في زاوية ما. أما أمام لوحات الفنان سيلار هوسزانك فسيسعى إلى ما هو ضد ذلك؛ أي سيحاول الناظر إلى لوحاته أن يبحث في هذا المعنى السحري والعجائبي الطاغي عن الواقعي والمعهود المتمثل في العناصر والأجزاء الطبيعية التي أحضرها الفنان إلى عالم لوحاته الصاخبة بغنائية مفرطة ليدمجها مع بعضها البعض بأسلوبه المبتكر.

يُذكر أن سيلار هوسزانك هو فنان من هنغاريا ويعيش في ألمانيا. شارك في معارض جماعية كثيرة داخل ألمانيا وخارجها وله معارض فردية. وهو حاصل على جوائز فنية عديدة.  أما الفنانة تمارا حداد فهي مولودة سنة 1982 في بيروت. وقد حصلت على شهادة جامعية في الإعلان من جامعة "ألبا" اللبنانية، غير أنها تفرغت للعمل الفني بعيدا عن عالم الإعلان.

◙ طبيعة زاخرة بالألوان
◙ طبيعة زاخرة بالألوان 

14