جمال من غير ثرثرة

الطبيعة ليست صيغة جامدة. إنها تتجلى بصور مختلفة مع اختلاف الوقت وتبدل الفصول وما لا يُرى منها مباشرة هو جوهر جمالها.
الاثنين 2021/09/13
رسوم نيكولا دي ستايل خلاصات بسيطة تغني عن الأصول المعقدة

أن ترسم الطبيعة كما هي غير أن ترسمها كما تراها. حالتان تختلفان في كل شيء بالرغم من أن مصدرهما واحد. ستكون الطبيعة ملهمة مرة ومرة أخرى سيكون الرسم هو الملهم.

كان الانطباعيون الفرنسيون منتصف القرن التاسع قد تنبّهوا إلى أن الطبيعة ليست صيغة جامدة. إنها تتجلى بصور مختلفة مع اختلاف الوقت وتبدل الفصول وما لا يُرى منها مباشرة هو جوهر جمالها. وهكذا صار لكل رسام طبيعته. تلك الطبيعة التي يتدخل في إنشائها مزاج الرسام وطريقته في النظر والهدف الغامض الذي يسعى إليه.

هناك فرق كبير بين طبيعة رسمها كلود مونيه وطبيعة رسمها رينوار بالرغم من أنهما عاشا في إطار مؤثر ثقافي واحد.

غير أن هناك مظهرا آخر من مظاهر استلهام الطبيعة تجلى من خلال محاولات عدد من الرسامين للوصول إلى الجوهر التجريدي للمشهد الطبيعي.

يقف الفرنسي من أصول روسية نيكولاس دي ستايل (1914-1955) في مقدّمة أولئك الرسامين الذين غيّروا طريقة النظر إلى الطبيعة، بل أنهم جعلونا ننظر بطريقة مختلفة إلى رسوم البريطاني تيرنر والفرنسي مونيه باعتبارها القاعدة التي مهّدت للأسلوب التجريدي في الرسم.

من بعيد تبدو رسوم دي ستايل كما لو أنها تتألّف من مساحات لونية متجاورة ومتناغمة يطغى عليها اللون الواحد كما في لوحته “الطريق”.

غير أن تفحّص أي لوحة من لوحاته بصريا وبطريقة دقيقة لا بد أن يجعلنا على قناعة من أن الرسام استطاع عن طريق ضربات فرشاته البسيطة والبارعة في الوقت نفسه من أن يستحضر مشاهد مستلهمة من الطبيعة، لكن من خلال عناصر الرسم التي تبدو كما لو أنها تتآلف في ما بينها لتشكيل مشهد بصري خالص. مشهد مستقل عن المنظر الطبيعي الذي هو مصدره.

رسوم دي ستايل تشبه الخلاصات البسيطة التي يمكن أن تغني عن الأصول المعقدة. وهي في ذلك إنما تستعيد تقنية الرسامين الصينيين في اختصار المشهد الطبيعي إلى مجموعة من الخطوط التي تقبض على الجمال من غير أن تثير أي نوع من الضجيج.

16