"جلسات الدوار" لخلخلة المفاهيم السلبية للأسرة في مصر

تعتمد الحكومة المصرية على برامج توعوية تعرف بـ"جلسات الدوار" والتي تهدف إلى توعية الأسر بقضايا تهم زواج القصر وختان الإناث والإنجاب المبكر، وتشارك فيها عضوات من المجلس القومي للمرأة في الأقاليم المستهدفة، وعدد من الشخصيات الدينية الموثوق بها من الأئمة والقساوسة والواعظات. وسيتم التوسع في "جلسات الدوار" ضمن سياسة تعتمد على طرق أبواب المنازل والحوار بشكل مباشر مع العائلات.
القاهرة - بدأت الهيئات المعنية بشؤون الأسرة في مصر تحركات لخلخلة الأفكار القديمة التي تعد جزءا من ثقافة الكثير من العائلات، على مستوى ختان الإناث، والزواج المبكر، وتعليم الفتيات، وكثرة الإنجاب، والتربية القائمة على العنف والترهيب، من خلال برامج توعوية منزلية تعرف بـ”جلسات الدوار”.
ويعني الدوار في مصر، بيت العائلة الكبير، وله رمزية اجتماعية في المناطق الريفية والقبلية والشعبية، ويمثل بالنسبة لكثير من الأسر، رأس السلطة داخل كل عائلة، ومن خلاله تصدر القرارات والتوجيهات التي تحكم الأفراد التابعين لتلك العائلة، ولو كانت تخص حياتهم الشخصية والأسرية.
يتشكل الدوار من مكان واسع به مقاعد متناثرة، ويخصص للجلسات العائلية، ويستضيف اللقاءات التي لها علاقة بشؤون الأفراد أو علاقاتهم مع الحكومة، وغالبا ما يكون تابعا لشخصية ذات نفوذ وكاريزما داخل العائلة، وما يصدر عنها من توصيات وقرارات تصبح أقرب إلى إلزام على الجميع، ولا يجوز التنصل منها.
التركيز بدأ مع القرى النائية التي يجري فيها تنفيذ مشروع "حياة كريمة"، وهذه تقدر بنحو ألفي قرية ضمن المرحلة الأولى
وأعلن المركز القومي للمرأة (جهة حكومية) أنه سيتم التوسع في جلسات الدوار الفترة المقبلة، ضمن سياسة تعتمد على طرق أبواب المنازل والتشاور بشكل مباشر مع أرباب العائلات لإقناعهم بمستجدات الحياة الأسرية المعاصرة، وكيف أن هناك عادات وتقاليد لم يعد يصلح أو يصح تطبيقها في الوقت الراهن.
تعتمد تلك الجلسات على توصيل خطاب توعوي وجها لوجه مع الآباء والأمهات والأجداد، والشباب والفتيات المقبلين على الزواج، وإقناعهم بالتخلي عن أية معتقدات قديمة تخص الأسرة، مع توصيل المعلومة بخطاب بسيط وسهل بعيدا عن الفوقية التي كان يتم من خلالها الخطاب التوعي، سواء إعلاميا أو ثقافيا.
بدأ التركيز مع القرى والمناطق النائية التي يجري فيها تنفيذ مشروع “حياة كريمة”، وهذه تقدر بنحو ألفي قرية ضمن المرحلة الأولى، حيث تعمل الحكومة على إنشاء خدمات متكاملة في كل قرية، وبالتوازي يتم تغيير سلوكيات الأسر عبر تغيير قناعاتهم القديمة تجاه بعض القضايا التي تخص صميم الكيان العائلي.
وتحظى جلسات الدوار بدعم من المسؤولين المعنيين بكل إقليم (محافظة) في مصر، لتوصيل رسائل بأن محاربة الأفكار القديمة هو توجه دولة وليس المجلس القومي للمرأة فقط، والذي يصنف في البلاد ككيان مختص بشؤون وقضايا النساء.
تشارك في الجلسات عضوات من المجلس القومي للمرأة في الأقاليم المستهدفة، وعدد من الشخصيات الدينية الموثوق بها من الأئمة والقساوسة والواعظات والراهبات لنفي وجود علاقة بين الطقوس الأسرية القديمة بالدين، ومنها ختان الإناث، والزواج المبكر، وكثرة الإنجاب، وحرمان الفتيات من التعليم.
ما يعزز بساطة الخطاب التوعوي أنه تمت الاستعانة بمتخصصين في العلاقات الاجتماعية والأسرية، لتكون الرسالة مقنعة وواقعية وتلامس أفكارهم، بحكم أن البعض من سكان تلك المناطق لا يستوعبون التغيير الكبير في أفكارهم بسهولة.
وأظهر الاعتماد على الجلسات التوعوية من أرض الميدان اعترافا متأخرا من جانب الحكومة بأن أي مواجهة الأفكار الأسرية بشكل تقليدي عبر الإعلام وبلا احتكاك مباشر مع الأهالي لن يُجدي نفعا، وسوف تستمر المعتقدات المجتمعية والدينية راسخة، ما لم تذهب المؤسسات المختصة بشؤون الأسرة إلى الأهالي حتى أبواب منازلهم.
وتظل الميزة الواضحة أن جلسات الدوار تستهدف الرجال والنساء، بعد أن بقي الخطاب المرتبط بالتقاليد الأسرية موجها فقط إلى الآباء، في الختان أو الزواج المبكر، ولو كان الخطاب مرتبطا بالإنجاب المبكر فهو يوجه إلى السيدات، مع أن كليهما يتشاركان في القرارات الناتجة عن ثقافة قديمة، ولا يملك الأبناء فيها أي سلطة.
وإلى جانب المتخصصين في شؤون المرأة والأسرة ورجال الدين، يتم اختيار أشخاص موثوق بهم عند أهالي كل منطقة أو قرية، للمشاركة في جلسات الدوار، مثل المعلمين ومدراء المدارس والشخصيات العامة المؤثرة، لتكون الرسالة التوعوية مدعومة منهم.
وقامت بعض المؤسسات المعنية بشؤون الأسرة في الماضي بتنظيم لقاءات جماهيرية مع الأسر في مراكز الشباب أو المراكز الثقافية، لكن مردودها الإيجابي لم يتحقق بصورة جيدة، بعكس الدوار كرمز وقيمة، حيث يتم تجميع مجموعة من أرباب الأسر للتحاور معهم بشكل مباشر ومن دون وسيط.
وتبدأ الجلسة بالاستماع إلى رب الأسرة عن رؤيته لختان الأنثى مثلا، وكيف ينظر إلى هذا الفعل، ويشرح الأسباب التي تجعله يؤمن بأن هذه العادة انعكاس للعفة والطهارة والشرف، وبعدها يتدخل المتخصصون لتفنيد تلك الأفكار ودحضها بأسلوب علمي وديني يتناسب مع مستوى تعليم تلك الفئة.
وإذا كانت الجلسة تناقش الزواج المبكر مثلا، يتم بث مقاطع فيديو لحالات تعرضن لزيجات مبكرة وعانين من مشكلات صحية خطيرة، لتثبيت فكرة أن هذا التصرف لا يحمل سعادة للفتاة، بل مقدمة لجريمة ترتكبها الأسرة، لإقناع الأبوين بالمنطق والدليل.
تركز جلسات الدوار على التوعية بالتشريعات الصارمة التي تخص كل تصرف أسري خاطئ، وهناك قوانين تحارب الختان والزواج المبكر وعدم تعليم الفتيات، لكن الكثير من الأسر في تلك المناطق لم تسمع عنها من قبل ولا تعرف أن هناك قوانين موضوعة تعاقب على هذه التصرفات.
يرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن العقوبات الصارمة ضد التصرفات الأسرية التي تتأسس عن ثقافات قديمة، بلا قيمة طالما أن الخطاب التوعوي المقدم إلى نفس الفئة عقيم، أما الوصول إلى الفئات الأكثر قدسية للتقاليد البالية والتواصل المباشر معهم، يُسهل مهمة الخلاص من تلك المعتقدات، سواء ارتبطت بالعرف أو الدين.
قال محمد هاني استشاري العلاقة الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة إن المواجهة الفكرية والثقافية على الأرض، أهم من التشريعات، لأن الكثير من الأسر التي ترتكب تصرفات خاطئة هي ضحية موروثات لم تجد من يصوبها لهم بخطاب واقعي.
وأضاف لـ”العرب” أن العبرة في الجلسات التوعوية أن تغلق أي ثغرة يمكن أن تنفذ منها أفكار قديمة، فهناك أسباب دينية واجتماعية وثقافية يجب دحضها بعقلانية، لأن من عاش لسنوات على قيمة الزواج المبكر ليس من السهل عليه الإقلاع، إلا إذا اقتنع بخطاب يناسبه، وهذه مهمة ليست سهلة، لكنها بداية لخلاص المجتمع من أفكار أسرية بالية يتم استسهال مواجهتها بالتشريعات فقط.
وأعلن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي) أن الكثير من الأسر التي أقلعت عن عادة ختان الأنثى أو الزواج المبكر في مصر، تربت على أن هذا التصرف إرث ثقافي وفكري يجب الالتزام به، وتخلت عنه بعد أن وجدت من يرشدها إلى الصواب ويصحح مفاهيمها ويصل إليها بخطاب مقنع يفند كل الادعاءات القديمة.