جدل مصري حول آليات مبادرة الحكومة لضم اقتصاد الظل

وزارة المالية تطرح حزمة حوافز ضريبية للمشاريع الصغيرة بعد أن عمقت أعمالها الخفية ديون الموازنة.
السبت 2021/02/06
تجارة بعيدة عن أعين الرقابة

طرحت الحكومة المصرية حزمة من الحوافز والإعفاءات الضريبية عبر مبادرة أطلقتها وزارة المالية بهدف ضم الاقتصاد الموازي إلى المنظومة الاقتصادية الرسمية ولحصر مليارديرات الظل الذين يديرون ثرواتهم في الخفاء، ومع ذلك تباينت الآراء بين الأوساط الاقتصادية حول الآليات التي سيتم اتباعها لإنجاح هذه الخطوة.

القاهرة - أعلنت وزارة المالية عن مبادرة جديدة حملت شعار “اللي (الذي) فات مات.. احنا (نحن) ولاد النهاردة” من أجل تشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر على الاندماج في المنظومة الرسمية للاقتصاد.

وتستهدف المبادرة التي تعفي هذه المشروعات من جميع الضرائب خلال السنوات الماضية، وفتح صفحة جديدة بدءا من العام الحالي، تقنين أوضاع أصحابها الذين يعملون في الاقتصاد الموازي.

وتفتح المبادرة فصلا جديدا من الصراع بين جهات حكومية مختلفة، ما يعني الحاجة إلى استراتيجية واضحة المعالم ومحددة الإجراءات لمواجهة المشكلة بشكل فاعل ومنتج.

وتعد قضية اقتصاد الظل من المشكلات المعقدة في مصر، جراء تداخلها في أنشطة متباينة، لدرجة أن الحكومة دفعت بسلاح الفتاوى الدينية لتحريمها، لكنها لم تتمكن أيضا من مواجهتها.

علاء السقطي: أصحاب المشاريع بحاجة لفترة إمهال ضريبية لثلاث سنوات
علاء السقطي: أصحاب المشاريع بحاجة لفترة إمهال ضريبية لثلاث سنوات

ويصل حجم اقتصاد الظل نحو 173 مليار دولار، على اعتبار أنه يمثل حوالي 40 في المئة من الناتج المحلي البالغ 433 مليار دولار.

وقال محمد معيط وزير المالية، إن “المبادرة الجديدة حددت شرائح ضريبية تتناسب مع حجم هذا النوع من المشروعات، وبموجب هذا الإجراء يتمكن أصحابها من الحصول على تراخيص مؤقتة لتوفيق أوضاعهم ويجنبهم العمل في الخفاء”.

وأعدت وزارة المالية قانونا جديدا للمشروعات الصغيرة حددت مواده الشرائح الضريبية لهذه الفئات، وجاءت على نحو 63 دولار ضريبة مستحقة سنويا لمشروعات الاقتصاد غير الرسمي متناهية الصغر، ويقل حجم أعمالها السنوي عن 16 ألف دولار، وتزيد إلى 160 دولارا للمشروعات التي يتراوح حجم أعمالها السنوي من 16 ألف دولار إلى 32 ألف دولار.

وبالنسبة إلى المشروعات التي يزيد حجم أعمالها السنوي عن 32 ألف دولار وحتى 64 ألف دولار، حدد القانون شريحة ضريبية لها بنحو 320 دولارا، دون الحاجة لإمساك دفاتر.

وطبقت مصر، قبل هذه المبادرة، نظما لتتبع حركة المعاملات المالية إلكترونيا داخل الأسواق بهدف حصر الاقتصاد الخفي وضمه للمنظومة الرسمية، وتضييق الخناق على المتهربين ضريبيا عبر منظومة الفاتورة الإلكترونية.

ويحتاج تعميم هذا النظام تهيئة السوق من خلال استعداد صغار المتعاملين لتقبل تتبع حركات البيع والشراء، لضمان تكامل حلقات المنظومة.

وتعزز المبادرة خطوات القاهرة لزيادة حصيلتها الضريبية لمواجهة الأعباء المالية وتضييق فجوة العجز المستمر في الموازنة العامة للدولة، في ظل عدم توسيع الوعاء الضريبي عبر ضم القطاعات التي تسربت خارجه مع غياب منظومة رقابية متكاملة خلال السنوات الماضية.

وتستحوذ الضرائب على نحو 78.5 في المئة من إجمالي موارد الموازنة الحالية للبلاد، وتستهدف وزارة المالية جباية ضريبية بنحو 60.4 مليار دولار، من إجمالي الموارد البالغة نحو 80.5 مليار دولار، فيما تبدأ الموازنة السنوية مع غرة شهر يوليو من كل عام.

ويعمق تسرب الاقتصاد الخفي خارج المنظومة الضريبية من زيادة معدلات الدين العام، حيث يتم تمويل هذا العجز عبر التوسع في الاقتراض، داخليا من البنوك المحلية، أو خارجيا من طرح سندات في أسواق المال الدولية.

وأكد علاء السقطي، رئيس اتحاد المشروعات الصغيرة، أن مبادرة “احنا ولاد النهاردة”، لن تشجع العاملين بالاقتصاد الموازي على الانضمام للاقتصاد الرسمي.

173

مليار دولار، حجم السوق الموازية، أي 40 في المئة من الناتج المحلي البالغ 433 مليار دولار

وقال لـ”العرب”، إن “السبب يكمن في عدم استجابة وزارة المالية لمطالب أصحاب المشروعات الصغيرة غير الرسمية، التي قدمها الاتحاد بإعفائهم من الضرائب لمدة ثلاث سنوات مقبلة، فهم لا يمانعون من دفع المبالغ التي حددها القانون الجديد للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، لكنهم في حاجة لمرحلة التقاط الأنفاس”.

ورغم شرعية المطلب بحسب القوانين التي تمنح فترات سماح، إلا أن القطاع غير الرسمي يفضل دفع إتاوات بشكل غير شرعي لفئات بعينها لغض الطرف عنها بدلا من دفعها للحكومة من أجل توفيق أوضاعها.

ويكشف هذا السلوك عن أزمة ثقة بين أصحاب المشروعات والقرارات الحكومية، حيث يرون أنهم في الوضع الجديد يكبدهم تكلفة الإتاوات غير الرسمية، بالإضافة إلى قيمة المبالغ الضريبية.

وأشار مجدي شرارة رئيس جمعية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بمدينة العاشر من رمضان الصناعية، وتبعد عن شرق القاهرة بنحو 40 كيلومترا، إلى أن مبادرات الحكومة غير واقعية وتحتاج نظرة عملية.

ولفت شرارة إلى أن ضم مشروعات الاقتصاد الموازي إلى الرسمي يتطلب الحصول على سجل صناعي برسوم تتراوح بين أربعة إلى خمسة آلاف دولار، بخلاف الرسوم الناشئة عن التعاقد مع مكاتب استشارات هندسية ومحاسبية لإنهاء إجراءات التسجيل.

هشام كمال: نجاح المبادرة مرهون بحل جميع العراقيل أمام المستثمرين
هشام كمال: نجاح المبادرة مرهون بحل جميع العراقيل أمام المستثمرين

وذكر عدد من أصحاب المشروعات التي تعمل في اقتصاد الظل، أن وزارة المالية تسعى لزيادة معدلات الجباية، فتوفيق الأوضاع وفق الإجراءات الضريبية يفتح عليهم أبواب جهنم من جهات حكومية تسعى كل منها لإجراءات تكبدهم تكاليف مالية جديدة.

وقال هشام كمال رئيس جمعية دعم وتنمية المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، إن “أصحاب مشروعات اقتصاد الظل لن ينضموا إلى الاقتصاد الرسمي، إلا إذا شاهدوا العاملين في القطاع الحكومي راضين عن عملهم بالمنظومة الرسمية”.

وشدد في تصريح لـ”العرب”، على أن مبادرة وزارة المالية غير مجدية، فعدد كبير من العاملين بالاقتصاد الرسمي يهربون إلى المنظومة غير الرسمية، بسبب نار المصروفات، مثل التأمينات الاجتماعية والضرائب بأشكالها المتعددة.

وكشفت دراسة للمركز المصري للدراسات الاقتصادية عن جملة من مؤشرات الاقتصاد غير الرسمي، حيث قدرت عدد منشآته في البلاد بنحو 2.7 مليون وحدة يعمل بها نحو خمسة ملايين عامل.

وأوضحت أن هذا القطاع يستوعب قرابة 66 في المئة من مجموع العمالة غير الزراعية في القطاع الخاص، والممتلكات العقارية التي يمتلكها 92 في المئة من المصريين غير مسجلة، وتتجاوز قيمتها أكثر من 70 مليار دولار، وتتركز 70 في المئة منها في أيدي أصحاب الدخل المنخفض.

11