جدل في تونس يمهد لفتح ملف تجاوزات الأحزاب خلال العشرية الماضية

قاضية بمحكمة المحاسبات: المحكمة أصدرت أكثر من 350 حكما ابتدائيا.
الخميس 2021/10/07
الصندوق يعجل بسقوط المنظومة

طالبت أوساط سياسية وحقوقية في تونس بالكشف عن إخلالات الأحزاب، وتفعيل أحكام محكمة المحاسبات المتعلقة بمخالفات مالية تم ارتكابها من قبل قائمات في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، ما يمهد لفتح ملف تجاوزات الأطراف السياسية التي تصدرت المشهد لأكثر من عشر سنوات.

تونس - تصاعد الجدل السياسي في الآونة الأخيرة في تونس بشأن الأحكام الابتدائية الصادرة عن محكمة المحاسبات بخصوص تلقي عدد من الأحزاب لتمويلات أجنبية في تمويل حملاتها الانتخابية، في خطوة تمهّد حسب المراقبين لفتح ملف تجاوزات الأحزاب السياسية خلال العشرية الماضية بقيادة حركة النهضة.

وأعلنت القاضية بمحكمة المحاسبات فضيلة القرقوري أن المحكمة أصدرت أكثر من 350 حكما ابتدائيا تعلقت بمخالفات تم ارتكابها من قبل قائمات في الانتخابات التشريعية لسنة 2019، على غرار عدم إيداع الحساب المالي وتحديد المنحة لمستحقيها وبعض المخالفات الانتخابية الأخرى.

وأضافت القاضية على هامش ورشة نقاش نظمتها محكمة المحاسبات الثلاثاء بالاشتراك مع مركز الكواكبي والنقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، أنه بخصوص “الانتخابات البلدية (مايو 2018)، فقد أصدرت المحكمة أحكاما ابتدائية تتعلق بإسقاط ثمانين قائمة بسبب عدم احترام مبدأ الشفافية”، مشيرة إلى أن “جميع هذه الأحكام لا تزال في مرحلة الاستئناف وأن الأحكام الباتة ستكون في مرحلة متقدمة جدا، طبقا للإجراءات والآجال المنصوص عليها في القانون الانتخابي”.

وكان القضاء التونسي أعلن إثر اتخاذ الرئيس قيس سعيّد تدابير استثنائية في البلاد في الخامس والعشرين من يوليو الماضي، فتح تحقيق بشأن ثلاثة أحزاب هي حزب النهضة وقلب تونس وعيش تونسي، للاشتباه في تلقيها أموالا من الخارج خلال الحملة الانتخابية عام 2019، إلى جانب ارتكاب تجاوزات مالية عبر الاتفاقيات التجارية.

فاروق بوعسكر: يجب أن تصدر الأحكام قبل نهاية المدة النيابية لضمان نجاعتها

ودعا مراقبون إلى ضرورة التسريع في إصدار الأحكام النهائية المتعلقة بتجاوزات الأحزاب قبل نهاية الفترة النيابية الحالية، مع تشديد الرقابة على الحملات الانتخابية.

وأفاد فاروق بوعسكر عضو الهيئة المستقلة للانتخابات أن “النظر في أحكام الدائرة يعتبر متأخرا، وما يعنينا بالأساس هي الأحكام النهائية التي ستأخذ شوطا كبيرا، لأن الخطايا المالية وإيقاف العضوية بمجرد الاستئناف يؤديان إلى إيقاف الحكم”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “يجب أن يصدر كل حكم قبل نهاية المدة النيابية حتى يكون ناجعا، وندعو دائرة المحاسبات إلى التسريع في إصدار أحكامها”، مضيفا “ظاهرة الإفلات من العقاب موجودة منذ 2011”.

واقترح بوعسكر “ضرورة تغيير القانون الانتخابي، مع تشديد الرقابة على الحملات الانتخابية، ووضع قواعد إجرائية تجزم القضاء على إصدار أحكام سريعة وناجعة مع مراعاة المبادئ الأصولية للمحاكمة العادلة”.

واستطرد “إذا تمسكنا بنفس الإجراءات السابقة فسنواصل في نفس الإخلالات”.

وطالبت شخصيات حقوقية الرئيس سعيد بضرورة تغيير النظام الانتخابي الحالي لتقليص الفارق بين الزمن الانتخابي والقضائي في النظر في الملفات وتجاوزات الأحزاب.

وقال أحمد صواب القاضي السابق بالمحكمة الإدارية “قانون دائرة المحاسبات فرض إجراءات وثلاثة أطوار من التقاضي (ابتدائي، استئناف، ونهائي)، ومن يريد أن يسرع في الفارق بين الزمن الانتخابي والقضائي عليه أن يغيّر القانون الانتخابي”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “يمكن للرئيس  سعيّد أن يفعل ذلك عبر تغيير القانون الانتخابي باعتباره يمثل السلطة التشريعية، ويمكن أن يعتمد مدة ستّة أشهر للإجراءات السريعة”.

وتابع صواب “هناك عيوب في الانتخابات تظهر في المواعيد الكبرى خصوصا، والنيابة العمومية أيضا عليها أن تتحرك”، لافتا “بمقتضى القانون الحالي لا يمكن البت في هذه الأحكام قبل الموعد الانتخابي القادم، (انتخابات 2024)”.

ومازالت شبهات الفساد تلاحق حزب حركة النهضة، حيث أعلنت منظمة “أنا يقظ”، غير الحكومية، أنها ستقاضي الحركة بشبهة الحصول على تمويلات أجنبية مجهولة المصدر عامي 2016 و2018.

والثلاثاء قالت المنظمة المتخصصة بقضايا الفساد، في بيان لها، إن “الحركة وقعت عقدين مع إحدى الشركات الأجنبية بقيمة تتجاوز 355 ألف دولار، قبل مؤتمرها العاشر عام 2016 وقبل الانتخابات البلدية عام 2018”.

أحمد صواب: التسريع في إصدار الأحكام يقتضي تغيير القانون الانتخابي

وأشارت إلى أنها ستتولى تقديم طلب تعهّد لمحكمة المحاسبات لاتخاذ ما يوجبه القانون الانتخابي من إجراءات ضدّ حركة النهضة بشأن ذلك.

وأضافت أنها ستتقدم بشكوى جزائية لدى وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس، لوجود شبهة تمويل مجهول المصدر وفق القانون الأساسي عدد 26 لسنة 2015، الذي يتعلق بمكافحة الإرهاب ومنع غسيل الأموال.

ويحظر القانون التونسي على الأحزاب السياسية قبول تمويل مباشر أو غير مباشر صادر عن أي جهة أجنبية ويمنع حيازة أموال بالخارج، ويعتبر أن البحث عن دعم أجنبي جريمة.

وتلاحق حركة النهضة شبهات حول تلقيها تمويلات أجنبية مجهولة المصدر وتخضع منذ أكثر من شهرين إلى تحقيقين قضائيين.

ويتعلق التحقيق الأول بعقد “لوبينغ” أبرمته الحركة نهاية شهر يوليو الماضي للقيام بحملة لصالحها في الولايات المتحدة وتسيير تواصل الحزب مع الفاعلين الرئيسيين وتوفير دعم وسائل الإعلام من أجل تشكيل مجموعة ضغط ضد الرئيس سعيد بعد قراراته الاستثنائية.

ومنتصف شهر يوليو الماضي فتح القضاء الاقتصادي والمالي تحقيقا حول عقود “اللوبينغ” التي تتعلق بالحصول على تمويل أجنبي للحملة الانتخابية وقبول تمويلات مجهولة المصدر، وذلك اعتمادا على ما كشفه التقرير الختامي لدائرة المحاسبات حول نتائج مراقبة تمويل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها والانتخابات التشريعية لسنة 2019.

ورجّح النائب في البرلمان التونسي المجمد محمد عمار أن يصدر القضاء خلال الأيام القليلة القادمة أحكاما بحل حزبي حركة النهضة وقلب تونس على خلفية "الجرائم الانتخابية التي ارتكبها الحزبان في استحقاقات عام 2019".

وقال عمار في تصريحات صحافية إن "محكمة المحاسبات أصدرت أحكاما ابتدائية بحق عدد من القوائم الانتخابية لحركة النهضة وقلب تونس"، مؤكدا أن "أمام الحزبين مهلة شهرين لاستئناف هذه الأحكام".

وكان رئيس محكمة المحاسبات نجيب القطاري صرح في وقت سابق أنه سيتم إسقاط عضوية كل قائمة تثبت عليها شبهة تمويل أجنبي.

وأوضح القطاري على إثر لقاء جمعه بالرئيس  سعيد أنّ تقرير محكمة المحاسبات يؤكد وجود شبهات تمويل أجنبية لبعض الأحزاب، كما أن خمسة أحزاب فقط صرّحت بقوائمها المالية وتقارير نشاطها لدى محكمة المحاسبات.

وأشار عضو هيئة الانتخابات أنيس الجربوعي إلى أن الهيئة قامت بقضايا جزائية في بعض المترشحين للانتخابات منذ انتخابات 2019 و2014، لكن القضاء تأخر في البت فيها بسبب بطء الإجراءات وعدم وجود قضاء مخصص للجرائم الانتخابية.

4