جدل في تونس حول البرمجة الرمضانية للفضائيات وعلاقتها بتطلعات المشاهد

صراع بين الحنين إلى الدراما القديمة والإنتاج الجديد في معالجة القضايا المطروحة.
الجمعة 2022/04/08
مواضيع تثير حفيظة المشاهد

لم يمض أسبوع على بداية الموسم التلفزيوني الرمضاني حتى بدأت حالة من الجدل تظهر في صفوف الممثلين والمشاهدين على السواء حول المسلسلات الرمضانية، التي رأى البعض أنها لا ترتقي إلى تطلعاتهم نحو دراما ترتقي بالمجتمع فعادوا نحو المنتج القديم لاستهلاكه بالكثير من الحنين، فيما اعتبر آخرون أن مسلسلات هذا العام انعكاس لظواهر انتشرت داخل المجتمع التونسي ولا مفرّ من الحديث عنها.

تونس - أثارت البرمجة الرمضانية للقنوات التلفزيونية في تونس جدلا بشأن المواضيع التي تطرحها وجودة السيناريوات المتعلقة بها، ما أحدث صراعا واضحا بين الحنين إلى الدراما التقليدية والقديمة عبر إعادة الأعمال الخالدة في الذاكرة، والبرمجة الجديدة التي تكشف أنماطا سلوكية وظواهر اجتماعية لم يتعود التونسيّون على مشاهدتها في الشاشة الصغيرة، ما طرح بشدّة تساؤلات حول مدى توافق الأعمال المعروضة مع تطلّعات المشاهد التونسي.

ولئن ثمّنت أوساط فنية معروفة، الجهود المبذولة في إنتاج مادة درامية تستحق المتابعة، فإنها انتقدت بشدّة غياب الطابع الهزلي والكوميدي الذي يحتاجه المشاهد كثيرا في هذه الفترة، فضلا عن وجود أعمال جديدة ينفر منها أغلب التونسيون الذين تعودوا على أنماط فنية ودرامية معينة اقترنت خصوصا بالسنوات الماضية.

وأفاد الممثل، فتحي المسلماني في تصريح لـ”العرب”، أنه “توجد أعمال تلفزيونية كثيرة وأعجبتني البرمجة الرمضانية والمسلسلات المعروضة التي نستنتج من خلالها وجود جهد مبذول”، مستدركا “لكن ما ينقص هذه السنة هي الأعمال الكوميدية”.

الأعمال الدرامية الجديدة كرست لظواهر اجتماعية "هجينة" وسلوكيات يصفها البعض بـ"الغريبة" عن تقاليد المجتمع

وأضاف “هناك حنين للأعمال التلفزيونية القديمة فالتونسيون أصبحوا يعودون إلى المسلسلات التي كانت تبثّ سابقا، لأنهم وجدوا أن الإنتاجات الجديدة دخيلة على المجتمع وفيها الكثير من الجرأة في تناول المواضيع”.

وتابع المسلماني “التلفزة هي المدرسة الثانية بعد العائلة، ولم نرَ في أعمال معينة قيم تلك المدرسة وثوابتها، بل رأينا انحلالا أخلاقيا وظواهر سلوكية جديدة لم يتعود المشاهد على رؤيتها في الشاشة، بينما يعتقد أصحابها أنها لا بدّ أن تُعرض، لكنها تؤثر في المجتمع سلبا والدليل على ذلك أننا رأينا مؤخرا انتشار بعض الظواهر بكثرة على غرار الوشم واستهلاك المخدرات وغيرهما وذلك بعد إعطائها مساحة كبرى في الدراما”.

والمسلماني الممثل التونسي الذي كان له حضور كبير في الأعمال القديمة، ويصنف كأحد أهم الممثلين في تونس، انتقد طرق اختيار الممثلين لأداء الأدوار وشروط ذلك، قائلا “يقع الاختيار من قبل المخرجين، لكن أغلب الوجوه الجديدة لم تقدم المطلوب منها، فالكل أصبح يفكّر في الكمّ أكثر من الكيف، كما أن الاختيارات أصبحت عبر وسائل التواصل الاجتماعي على غرار موقع الإنستغرام والفيسبوك، وهناك أيضا وجوه من فنّ الراب التحقت بالميدان، وهو ما يطرح ضرورة تقنين القطاع”.

فتحي المسلماني: التونسيون يعتبرون المسلسلات الجديدة دخيلة على المجتمع

واستطرد المسلماني “مستوى الممثّل لم يتطوّر بعد، ومن غير المعقول أن نجد محللا أو ‘كرونيكور’ يؤدي دور الممثل، وعليه لا بدّ من الضرب على الأيادي المستهترة”.

ومن بين القنوات المتنافسة، تمكّنت القناة الوطنية الثانية (عمومية) من تصدّر نسب مشاهدة عالية بسبب إعادة المسلسلات الرمضانية القديمة التي لاقت إعجابا كبيرا لدى المتلقّي عموما، وتكثر تعليقات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على الصفحة الرسمية للقناة بموقع فيسبوك المطالبة بمواصلة الإعادة وتحديد توقيت بثها.

“وتواصل القناة على سبيل المثال برمجة سلسلة “شوفلي حل الكوميدية التي تتضمن ستة أجزاء وبثت منذ حوالي 15 عاما. ورغم إعادتها على مدار العام إلاّ أنها تتصدّر نسب المشاهدة في تونس، كما تُعيد القناة عرض مسلسلات أخرى على غرار “الخطاب على الباب” الذي بث منذ حوالي ربع قرن، ومسلسل “منامة عروسية”، ومسلسل “ريح المسك”، والسلسلة الكوميدية “بنت الخزاف”، والكاميرا الخفية، وغيرها من الأعمال الخالدة في ذاكرة التونسيين.

ودعت وجوه فنية إلى المزيد من الانتظار في تقييم الأعمال الرمضانية التونسية، وأكدت أنها لم ترَ أعمالا تستحق المتابعة إلى حدّ الآن.

وقال الفنان والمسرحي محمد رجاء فرحات، “علينا أن نتريثّ أكثر في الحكم على الأعمال الرمضانية المعروضة، ولدينا عشر قنوات تلفزية وزخم في المواد، يجعلنا لا نستطيع الحكم برويّة في تقييمها”.

أسماء بن عثمان: هناك ثراء وتنوّع في المادة فضلا عن الصورة المعبّرة والحرفيّة

وأكد في تصريح لـ”العرب”، “إلى حدّ الآن لم يلفت انتباهي أي عمل لا في التلفزيون الرسمي ولا في القنوات الخاصة، وهذا ربما يعود إلى عدم حرفية الممثلين وإقناعهم في أداء الأدوار”.

في المقابل، يرى عدد من الممثلين، أن الأعمال الدرامية الحالية شهدت تطوّرا ملحوظا على مستوى الصورة والسيناريو المحكم والأداء التمثيلي والتقنيات، ودعت إلى ضرورة الكشف عن الظواهر المجتمعية وأنماط السلوك المسكوت عنها في السابق وإظهارها للمشاهد.

ورأت الممثلة التونسية أسماء بن عثمان، أن “هناك منافسة بين الأعمال الدرامية القديمة والأعمال الحالية التي تراعي خصوصيات الأجيال الجديدة المتأثرة بعصر الصورة والتكنولوجيا الحديثة، كما أن الأداء تغيّر أيضا وعلى المشاهد أن يشاهد ويغربل حسب السنّ ومستوى التفكير”.

وأضافت في تصريح لـ”العرب”، “هناك ثراء وتنوّع في المادة المقدمة، فضلا عن حضور عناصر التشويق والصورة المعبّرة والحرفيّة، على غرار مسلسلي ‘براءة’ و’الفوندو’ على قناة الحوار التونسي، وهذا ما يثبت أن الإبداع ليس مرتبطا بالتجربة”.

وبخصوص فقدان جانب الفكاهة في الشبكة الرمضانية، أكّدت بن عثمان أن “هناك أعمالا قديمة لا يمكن منافستها، ولا توجد نصوص قادرة على مزاحمتها، على غرار السلسلة الكوميدية ‘شوفلي حل’ التي يعاد بثّها منذ سنوات”.

محمد رجاء فرحات: لم يلفت انتباهي أي عمل وعلينا أن نتريّث في الحكم على الأعمال

وتعتبر أوساط ثقافية تونسية أن الأعمال الدرامية الجديدة كرست لظواهر اجتماعية “هجينة” وسلوكيات يصفها البعض بـ”الغريبة” عن تقاليد المجتمع التونسي ونواميسه.

لكن بن عثمان تعتبر أن “تلك الظواهر مسكوت عنها، والدراما الجديدة تحدثت عن وقائع يومية موجودة في المجتمع وعملت على إبرازها في محاولة منها لتشخيصها ومعالجتها”، وأضافت “الدراما كشفت تلك السلوكيات على غرار الوشم وتعاطي المخدرات، وشهر رمضان يجمع مختلف أفراد العائلة، ولا بد من تحقيق أهداف سامية مثل ترشيد سلوك الأطفال وتوجيههم وتنبيههم من مخاطر ذلك”.

وبعد ثورة يناير 2011، تم إنتاج أعمال درامية حديثة اقترنت في ذاكرة التونسيين بظواهر يراها البعض “غريبة” نظرا لاستهدافها لقيم الواقع ومقوماته التقليدية، وتعمل على كشف جوانب ظلت خفية على الشاشة في ما مضى، خصوصا وأنها عرفت بجرأة أصحابها في طرح عدد من القضايا والمسائل المحرّمة سابقا.

ويمثّل شهر رمضان موعدا سنويا للإنتاج الدرامي في تونس، حيث يتسابق المخرجون وكُتاب السيناريو من أجل كسب ودّ المشاهد، عبر عرض مادة درامية أو كوميدية جديدة، تعبّر عن تفاصيل الواقع المعيش وتعالج قضايا يومية تؤرق التونسيين، لكنّ المسألة تحولت في السنوات الأخيرة إلى عملية ربحية وتجارية باستغلال عامل الشهرة والنجومية للبعض على حساب القامات الفنية والدرامية المألوفة لدى المشاهد التونسي.

وعلى غرار الموسم الماضي، شهدت الأعمال الدرامية الرمضانية حضورا لافتا لمغنّي الراب، واقتحم هؤلاء ميدان التمثيل من الباب الكبير بالاستناد إلى القواعد الشعبية والجماهيرية الواسعة لدى فئات الشباب خصوصا، ما فسح للعاملين في الدراما مجال استغلال شهرتهم وتوظيفها في أعمالهم لكسب رهان نسب المشاهدة.

وحسب إحصائيات المشاهدات تتابع الفئات الشبابية باهتمام هذه النوعية الموسيقية وأعمال الفنانين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي.

وتصل أرقام المشاهدات على قنوات فناني الراب التونسيين في يوتيوب إلى المئات من الملايين، بينما لا تتجاوز لدى غيرهم من الفنانين التونسيين مئات الآلاف، ما يبرز فوارق واضحة في تغيّر الأنماط الموسيقية والفنية التي أصبحت تستهدف الشباب.

15