جدل في تونس بشأن مردودية الشركات الأهلية وانعكاساتها على التنمية في الجهات

إجماع على ضرورة توفّر مناخ اجتماعي وإطار قانوني مناسب لبعث المشاريع.
الأحد 2022/03/27
الاستقرار الاجتماعي أولوية الأولويات

بإعلانه عن توقيع مرسوم رئاسي بشأن إنشاء شركات أهلية، فتح الرئيس التونسي قيس سعيد المجال للنقاش حول الأثر المحتمل لهذه الشركات على الاقتصاد التونسي الذي يرزح تحت وطأة أزمة حادة.

تونس - أثار تأسيس الشركات الأهلية، تساؤلات لدى عدة أوساط في تونس، تتعلّق بطبيعة هذه المشاريع الجديدة وشروط تأسيسها، فضلا عن كيفية توزع أرباحها وانعكاساتها المنتظرة على مستوى المنوال التنموي في مختلف الجهات، خاصة بعدما فشلت الحكومات المتعاقبة، في إيجاد حل جذري لمعضلة البطالة وتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي أرّقت التونسيين.

وأعلن الرئيس قيس سعيّد عن تأسيس شركات جديدة، بنظام الشركات الأهلية، يكون فيها المساهمون من سكان المنطقة وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.

وصدر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، الاثنين مرسوم يتعلّق بالشركات الأهلية، يهدف إلى إحداث نظام قانوني خاص بالشركات الأهلية يقوم على المبادرة الجماعية والنفع الاجتماعي.

وتعتبر شركة أهلية على معنى أحكام هذا المرسوم كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة، يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرين بها.

منذر ثابت: فكرة الشركات الأهلية ليست بالجديدة، ونظريا الفكرة معقولة

وتهدف إلى تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتها، وتمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها.

وتتمتع الشركات الأهلية بالشخصية القانونية، وتتولى بعث المشاريع الاقتصادية استجابة لاحتياجات المتساكنين وتماشيا مع خصوصية الجهة المعنية، والتصرف وإدارة المشروع أو المشاريع الراجعة لها بالنظر في مستوى الجهة المعنية، فضلا عن التصرف في الأراضي الاشتراكية مع مراعاة التشريع الجاري به العمل بخصوص الملكية العقارية بناء على قرار مجلس التصرّف، إلى جانب المساهمة في مسار التنمية المستدامة والحوكمة الرشيدة بالجهة وفقا للتشريعات الجاري بها العمل (المسؤولية المجتمعية للمؤسسة).

وتمارس الشركات الأهلية نشاطها على المبادئ الخاصّة بالمبادرة الجماعية والتنمية الجهوية والنفع الاجتماعي. وتحدث مختلف الشركات الأهلية وفق نظام أساسي نموذجي يضبط بأمر رئاسي ويحدد خاصة التنظيم الإداري والمالي للشركات الأهلية وطرق تسييرها.

وتتكون من أشخاص طبيعيين لا يقل عددهم عن 50 شخصا وتتوفر فيهم صفة الناخب في الانتخابات البلدية.

ويمكن الجمع بين صفة المشارك في الشركة الأهلية وصفة العامل، ولا يمكن أن يقل رأس مال الشركة الأهلية المحلية عن عشرة آلاف دينار (3.36 ألف دولار) وإذا كانت الشركة الأهلية جهوية فإن رأس مالها لا يمكن أن يقل عن عشرين ألف دينار (6.71 ألف دولار).

وربط مراقبون نجاح هذه الشركات والمشاريع الجديدة بضرورة توفر مناخ من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي يسمح باستمرار النشاط وبعيدا عن المطبات والعراقيل التي من شأنها أن تؤثر على مردوديتها، وسط توقّعات بكونها ستنجح في حلّ جزء من أزمة البطالة المتزايدة.

وقال محمد الميموني الخبير المحاسب وعضو هيئة الخبراء المحاسبين، إن “الهدف من تأسيس الشركات الأهلية اقتصادي واجتماعي بالأساس، ونجاحها مرتبط بتوفر مناخ ملائم”.

وأكد لـ”العرب”، “هذه الشركات تهدف أيضا إلى القضاء على جزء كبير من البطالة وخلق فرص الشغل، وفيها منفعة للمساهمين والمحيط القريب، وإذا نجحت في نشاطها فإنها ستحلّ العديد من المشكلات”.

نسبة البطالة كانت تبلغ 15.1 في المئة في الربع الأول 2020، و18 في المئة في الربع الثاني، و16.2 في المئة في الربع الثالث

وتوقّع الميموني أن “لا تكون الشركات الأهلية مخصصة للمناطق المهمّشة، بل يمكن أن تشمل إقليم تونس الكبرى (العاصمة وضواحيها)، والمحافظات الكبرى، في مسعى لمحاربة التمييز الجهوي”.

وتوقّعت أوساط سياسية أن يقتصر نجاح هذه الشركات على مناطق حيوية دون غيرها، مطالبة بالحرص على وضع إطار قانوني كفيل بنشاطها، مع التحذير من تداعيات التكتل الاقتصادي داخل هياكل تلك الشركات وهو ما سيعمّق مشكلات التمويل.

وأفاد المحلل السياسي منذر ثابت بأن “فكرة الشركات الأهلية ليست بالجديدة، بل هي شكل من أشكال التعاضد وبعث المشاريع، ونظريا الفكرة معقولة ومورست سابقا في إسبانيا، وهي تمس الخدمات القاعدية في علاقة بالأحياء والنشاط التجاري والخدماتي، والفكرة ليست مستحيلة بل ممكنة”.

وأضاف لـ”العرب”، “أعتقد في ظل السلوك التونسي الفرداني (الشخص التونسي يحبّذ أن يمتلك المشروع)، هناك صعوبات، وفي مستوى تصور الإدارة لدينا تصورات في علاقة بالأحياء، لكن الملك المشترك دائما موضوع نزاع”.

وتابع ثابت “نظريا يمكن أن تنجح هذه الفكرة في أحياء معينة، لكن أعتقد التعميم لن يقود إلى النجاح، وأتوقّع بأن يمكّن هذا الإطار القانوني من بعث شركات ستنجح في بعض الأوساط”.

وأردف “الأمر لا يتعلّق بقلب ميكانيكي بل بتطور العامل الديموغرافي، ويجب تحويل عملية التنمية إلى أقطاب وبطريقة فيها توازن وتسلسل، والأمر يتعلق بتأسيس شركة يعني من سيمول هذه الشركات في نهاية المطاف”.

شرط التمويل أساسي في نجاح المشروع
شرط التمويل أساسي في نجاح المشروع

ونبه المحلل السياسي من أن “تكون هذه الشركات أذرعا لأطراف اقتصادية، ومشكلة التمويل ستطرح أيضا لأن المؤسسات ربحية بالأساس”، لافتا “عندما تكون لهذه الشركات صبغة اجتماعية (رأس مال متساو)، حينها يمكن أن نتحدث عن رقابة”.

وأشار إلى أن “الباب يبقى مفتوحا للتكتلات داخل الشركات، ولا بدّ من المساواة في رأس المال، ومنع وجود تكتل مالي قوي داخل هذه الشركات”.

وحسب بيانات المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، ارتفعت نسبة البطالة إلى 18.4 في المئة في الربع الثالث 2021، صعودا من 17.9 في المئة في الربع الثاني من العام نفسه، و17.8 في المئة في الربع الأول.

ووفقا للبيانات، فإن نسبة البطالة كانت تبلغ 15.1 في المئة في الربع الأول 2020، و18 في المئة في الربع الثاني، و16.2 في المئة في الربع الثالث، و17.4 في المئة في الربع الرابع من نفس العام، و14.9 في المئة في الربع الرابع 2019.

رضا قويعة: من الصعب خلق هذه الشركات في تونس بسبب التجاذبات

وسبق أن اعتبر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا قويعة، أنه “من الصعب خلق هذه الشركات في تونس، في ظل ما يحدث الآن من تجاذبات سياسية أو أمنية، هذا النوع من الشركات الأهلية يكون وسيلة لتنشيط الاقتصاد خاصة في الجهات الداخلية حيث نسب البطالة مرتفعة جدا”.

وقال قويعة في تصريح صحافي “هذا الحل يجب أن يتزامن مع جملة من الحلول الأخرى أهمّها إعطاء أكثر ما يمكن من التحفيز للمستثمر التونسي والأجنبي، وتقليص المشكلات الإدارية لبعث أكثر شركات في الجهات الداخلية”.

وتساءلت المنظمات التي تعنى بمعالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وتفاوض الحكومات بشأنها عن أهمية وجود الشركات الأهلية والأهداف المنتظرة منها.

وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نورالدين الطبوبي على هامش المؤتمر العادي للاتحاد الجهوي للشغل بتونس، “إنّ الاتحاد لا يعرف ماهية أو أهداف الشركات الأهلية”، مبيّنا أنّه سيحاول أن يفهم مقاصدها من عند صاحب المشروع، في إشارة إلى رئيس الجمهورية قيس سعيّد.

وتساءل الطبوبي في تصريح صحافي “هل ستعوّض الشركات الأهلية الاقتصاد الاجتماعي التضامني وهل سيتم عبرها منح الأراضي الدولية لأطراف معينة”، موضحا أنّه “من واجب صاحب المشروع أن يفسر مضامين هذا المشروع والتفسير الموثوق فيه هو تفسير مؤسسات الدولة”.

بدوره، قال أستاذ القانون العام الصغير الزكراوي في تصريح لوسائل إعلام محلية إن “الشركات الأهلية لن تعطي نتائج إلا بعد سنوات طويلة من العمل، وأكد أن منوال التنمية في تونس لا يمكن أن يكون من خلال صلح جزائي وشركات أهلية لن تعطي نتائج إلا بعد مرور مدة من الزمن، واعتبر أن هذا المرسوم لا يعترف بكل المراسم الصادرة قبله”.

2