جدل حول توزيع المساعدات الاجتماعية على الفئات الضعيفة في تونس

تونس - تثير عملية توزيع المساعدات الاجتماعية الموجّهة للفئات الضعيفة والمحتاجة في تونس جدلا واسعا في الأوساط السياسية والاجتماعية.
ومع كل مناسبة تطرح طرق توزيع تلك المساعدات وضمان إيصالها إلى أصحابها تساؤلات بشأن التجاوزات والإخلالات المرتكبة في تحديد الفئات التي تستحقها، فضلا عن التلاعب بالبيانات والمعلومات المتعلقة بقاعدة البيانات والقوائم.
وقال وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي إن “حوالي مليون عائلة محدودة الدخل تعيش في تونس”، مشيرا إلى أن “55 ألف عائلة أضيفت إلى سجل العائلات المعوزة لتتمتع بالمنحة القارة”.
وأضاف وزير الشؤون الاجتماعية في حوار مع جريدة الشروق المحلية أنه “سيتم منح مبلغ 60 دينارا إضافيا لكل عائلة بمناسبة عيد الفطر بعد أن تم تمتيعها بالمبلغ ذاته بمناسبة حلول شهر رمضان”، مؤكّدا أن “هناك اليوم 600 ألف عائلة محتاجة في تونس وتحتاج إلى دعم وتدخل الوزارة حيث سيتم إقرار برامج خاصة واستثنائية”.

منير حسين: قاعدة البيانات لم يتم تحيينها وارتبطت بتداعيات كورونا
وأفادت الوزارة أن قسطا أولا قدره 16.738 مليون دينار (5.57 مليون دولار) بعنوان مساعدات شهر رمضان صرف بداية من الثلاثين مارس 2022 لفائدة حوالي 273500 عائلة بحساب 60 دينارا لكل عائلة.
ويقدّر المبلغ الجملي لهذه المساعدات بـ33.538 مليون دينار (11.17 مليون دولار)، وفق البلاغ.
ويرى مراقبون أن تحديد طبيعة الفئات الفقيرة التي تستحق الانتفاع بالمساعدات الاجتماعية، يتطلب تحيينا دقيقا لقاعدة البيانات والقوائم، في ظلّ ارتفاع نسب الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار مقابل تراجع القدرة الشرائية للمواطن التونسي.
وأفاد منير حسين، عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن “مشكلة توزيع المساعدات قائمة قبل 2011، حيث كانت تستغل في الولاء للنظام السابق، وبعد ثورة يناير 2011 أصبحت الامتيازات مقابل الولاء لأحزاب السلطة، ما جعل الكثير من الفئات الاجتماعية لا تتحصّل على مساعدات”.
وأضاف لـ”العرب” أنه “لم يتم تحيين قاعدة البيانات، وارتبطت أساسا بتداعيات جائحة كورونا، فضلا عن توسّع دائرة الفقر (4 ملايين شخص)، وهناك أكثر من 600 ألف عائلة تستحق المساعدة ولم تشملها تلك المنح، وهذا يتطلّب تحيين القائمة بشكل جدّي”.
وتابع حسين “هذه المساعدات تبرّع بها صندوق النقد الدولي لتقديمها للطبقات الفقيرة في ظل ارتفاع الأسعار، ولا بدّ من تحيين مؤشرات الفقر في البلاد، خصوصا مع تراجع موارد الدولة والميزانية المخصصة لوزارة الشؤون الاجتماعية”.
واستنكر مراقبون طرق التعامل العشوائي من قبل هياكل الإشراف، مع المعطيات والمعلومات المتعلّقة بالأفراد والعائلات التي تستحق الدعم والمساعدة، وسط تلاعب متواصل يشمل تعدد المسالك وغياب رقمنة الإدارة وتخزين المعلومات.
وقال المحلّل السياسي المنذر ثابت إن “هناك مشكلة في قاعدة البيانات، والمسؤولون في الدولة ليس لديهم العدد الدقيق للمنتسبين إلى قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام، ولا يوجد ضبط لقاعدة دقيقة وقوائم اسمية بكل التفاصيل”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أننا “الآن أمام 4 ملايين ممن يحتاجون إلى الدعم والمساعدة، ومن الضروري أن تكون الآليات بالتعاون مع المجتمع المدني في توزيع مساعدات هي من واجب الدولة، لكن باب الإسهام من الخواص أيضا مفتوح، على أن يوجد تنسيق بين مختلف الأطراف”.
وأردف ثابت “هناك غياب للمعلومات والمعطيات الدقيقة عن الأفراد والأسر، ما يكرّس التلاعب، وهذا يتطلّب رقمنة الإدارة وتخزين المعلومات، وتونس من أكثر البلدان تخلّفا في الخدمات الإعلامية، وآن الأوان للقطع مع تلك التجاوزات بتأسيس وحدة معلوماتية بين الإدارات”.
ودعا المحلل السياسي إلى “ضرورة التحقيق في مآل تلك الأموال المخصصة للمساعدات ولم تستفد منها الأسر التونسية ولم تذهب إلى مستحقيها”، لافتا إلى أنه “لا بدّ من التحقيق بعد 2011 في الهبات الموجّهة للشأن الاجتماعي ومساعدة الأفراد والعائلات”.
وبرأي المنذر ثابت فإن “التلاعب يتم في مستوى تعدد المسالك والإدارات وتغيير الرقابة، ومسألة المقاييس وإعادة تحديد مفهوم الفقر تحتاج إلى معايير شفافة بالتعاون مع المتخصّصين”.

المنذر ثابت: نحن الآن أمام 4 ملايين فقير يحتاجون إلى الدعم والمساعدة
وفي وقت سابق كشفت دراسة حول التفاوت الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أن 63 في المئة من التونسيين يعتبرون أن التفاوت اتسع أكثر بين الفئات الاجتماعية.
وأفاد الباحث عزام محجوب بأن “الدراسة سعت، بقدر الإمكان، لتسليط الضوء على أوجه عدم المساواة وفقاً للنوع الاجتماعي والفئات الاجتماعية والبعد الجغرافي بين المناطق، أي المناطق الداخلية والساحلية من جهة، والبيئات الحضرية والريفية من جهة أخرى، وأيضاً على مستوى الدخل والثروة”. وبحسب الدراسة “تم التأكيد على ازدياد التفاوتات البينية داخل الجهات المختلفة، بخاصة في المدن الكبرى”.
وأضاف محجوب أن “عدم المساواة في مداخيل العمل شهد تزايدا كبيرا في القطاع الخاص، وإذ لا يزال تركيز الممتلكات الزراعية قائماً، فإن الأسر الفقيرة تواجه صعوبات كبيرة في الحصول على سكن لائق وتكوين رصيد عقاري، كما يتمركز إسناد القروض المصرفية بأيدي عدد قليل من المنشآت، بما يشير إلى الطابع الريعي للاقتصاد التونسي”.
وأوضح محجوب أنه “من المفارقات الحقيقية أن تونس تحتل وفق الدراسة المرتبة 20 عالمياً (من بين الدول التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة) في ترتيب متوسط الدخل السنوي للفرد الواحد الذي يبلغ 8823 دولاراً، فهي بلد غني بالثروة، غير أنه فقير من حيث الدخل”.
وسلّطت الدراسة الضوء على انعكاسات جائحة كورونا على النمو الاقتصادي والتشغيل وتدعيم عدم المساواة، إذ كشف الوباء عن الصعوبات التي يواجهها نظام الصحة العامة في تلبية متطلبات الجائحة، خاصة من خلال التفاوتات بين مناطق تونس في البنية التحتية، وفشل الحكومة في إدارة الأزمة الصحية خصوصا قبل قرارات الخامس والعشرين من يوليو.