جدل حول الإطار القانوني يمهد لتأجيل الانتخابات المحلية التونسية

تونس - يتصاعد الجدل في تونس بشأن تحديد موعد الانتخابات المحلية القادمة، مع اقتراب نهاية المدة النيابية للمجالس المحلية، حيث دعا مسؤولون إلى التريث قبل إجرائها والحسم في وضع إطار قانوني يتلاءم مع فصول دستور 25 يوليو 2022، في وقت تتمسّك فيه البلديات بالموعد المحدّد والحفاظ على مسار اللامركزية الذي أسسه دستور 2014 كإطار لعمل المجالس المحلية.
وتثير عملية الإعداد للانتخابات المحلية المقبلة تساؤلات تتعلّق أساسا بالجانب القانوني للانتخابات، إمّا بتحيين المجلة الانتخابية أو وضع قانون انتخابي جديد.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد أدخل تعديلات على الإطار القانوني للانتخابات التشريعية بإلغاء طريقة الاقتراع من نظام التمثيل النسبي عبر القائمات إلى نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين.
واعتبر ماهر الجديدي، نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، الاثنين أنه من الأفضل التريّث وعدم الاستعجال في تنظيم الانتخابات المحلية رغم أن آجال المجالس الحالية تنقضي بين شهري يونيو ويوليو المقبلين.
ويبلغ عدد المجالس المحلية 350 مجلسا في تونس، منتخبة في انتخابات الثامن من مايو 2018، بكلفة تجاوزت 46 مليون دينار (14.70 مليون دولار)، وفق تقرير محكمة المحاسبات للانتخابات البلدية الصادر في يوليو 2021.
وقال الجديدي في تصريحات لإذاعة محلية “هذه المسألة من المسائل السياسية والتقديرات تعود إلى السلط السياسية، وليس من دوري كعضو في الهيئة أن أُعطي رأيي ولكن كرجل قانون أقول إن مسألة الانتخابات مسألة دقيقة جدا لأن الانتخابات البلدية (المحلية) ستتم وفق بناء دستوري جديد باعتبار أن المجالس السابقة تمت على أساس بناء دستوري يعود إلى دستور 2014، لكن الآن أصبح لدينا دستور 25 يوليو وبناء دستوري جديد، ولما نعود إلى دستور 2014 نجده يتحدث عن سلطة محلية تمارس المصالح المحلية في إطار مبدأ التدبير الحر وهذه فلسفة وبناء دستوري مخالفان تماما للفلسفة وللبناء الدستوري اللذين جاء بهما دستور 25 يوليو الذي لا يتحدث عن مبدأ التدبير الحرّ وإنما عن مصالح محلية تقوم بها المجالس المحلية ومجالس الجهات ومجالس الأقاليم”.
وأضاف الجديدي “البناء الدستوري لسنة 2014 يختلف عن البناء الحالي ويجب أن نتريث ولا نستعجل تنظيم انتخابات بلدية حتى نستكمل البناء الدستوري للانتخابات البلدية، فالدستور الحالي يحيل ضبط القانون المتعلق بالجماعات المحلية إلى المجلس النيابي، وننتظر مجلس نواب الشعب في تفاعله مع رئاسة الجمهورية حتى نضبط الملامح العامة للبناء الدستوري بخصوص الجماعات المحلية والقوانين المتعلقة بها، وهناك خيارات سياسية كبيرة جدا في ما يخص نظام الاقتراع الذي سيتم اعتماده في الانتخابات البلدية، هذه كلها مسائل وتقديرات سياسية وملاءمات دستورية يجب الحسم فيها بين السلط العمومية ودور الهيئة تقني ولما تتفق السلطات السياسية على الملامح العامة للمجالس البلدية وعلى طريقة الانتخاب سوف تقوم الهيئة بدورها التقني واللوجستي والتحضير للعملية الانتخابية”.
وهناك اختلاف في المواقف بين الإبقاء على نفس الإطار الحالي المنظم بالقانون الأساسي عدد 16 المؤرخ في 26 مايو 2014 والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء خاصة في قسمه المتعلق بالانتخابات المحلية والجهوية، وتنقيح كامل الباب المتعلق بالانتخابات المحلية والجهوية، وهو ما يفسح المجال أمام وضع إطار قانوني جديد قد يضم إلى جانب البلدية، المجالس الجهوية، علاوة على الإطار القانوني المنظم لمجلس الأقاليم والجهات.
وقال المحلل السياسي المنذر ثابت “منطقيا لا بدّ من التريّث وتأجيل موعد الانتخابات البلدية إلى حين الحسم في الآليات القانونية المتعلقة بها، وهناك سلّم النظم القانونية والتشريعية التي يحددها الدستور”.
وأضاف لـ”العرب”، “ما صرّح به نائب رئيس هيئة الانتخابات منطقي ومنسجم مع الوضع الحالي للبلاد، لكن هناك مشكلة في البلديات القائمة، وهنالك تعقيدات قانونية تتطلّب فتوى دستورية لإخراج هيئات المجالس البلدية من الحرج القانوني”.
وتابع ثابت “من المفروض أن يدعو الرئيس قيس سعيد قريبا إلى انتخاب المجالس البلدية مع ضرورة حسم المسألة، لأن الدستور الذي يحكم البلاد هو دستور 25 يوليو 2022 وهو أعلى من الهيئات السفلى في البلاد”.
وأشار المحلل السياسي إلى “وجود قراءة سياسية مختلفة لوضعية المجالس البلدية، وما دام هنالك دستور جديد، فمن الطبيعي جدّا أن يؤدي إلى إعادة صهر المؤسسات والتشريعات تبعا لهذا الدستور”.
ويرى مراقبون أن الإطار القانوني للانتخابات المحلية يحتاج إلى المراجعة في علاقة بضرورة التناغم مع مضمون الدستور الجديد، فضلا عن توضيح العلاقة بين المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجلس الأقاليم.
وقال الناشط السياسي نبيل الرابحي “الفتوى الدستورية موجودة باعتبار الاستفتاء الذي تم تنظيمه منذ فترة، وبالتالي تم إلغاء العمل بدستور 1959 ودستور 2014”.
وأكّد لـ”العرب” أن “الرؤية غير واضحة لأنّ الرئيس سعيّد قال إنّ الدستور الحالي فيه مجلس وطني للأقاليم والجهات، وبالنسبة إلى الانتخابات البلدية لم يتم إلى حدّ الآن ضبط قانون انتخابي خاصّ بها، وبالتالي ننتظر الرئيس حتى يضع مرسوما لذلك”.
وأوضح الرابحي أن “جامعة البلديات تريد الاستمرارية وتتمسّك بذلك، لأنها تعتبر أن الجدل سياسي قائم بالأساس بين الرئيس سعيّد وحزب حركة النهضة، وتسعى لإحراج الرئيس، لأنه إذا تحدّث عن موعد انتخابات بلدية فسيتحدث حتما عن إجراء انتخابات رئاسية ومجلس وطني للجهات”.
في المقابل، تتمسّك الجامعة الوطنية للبلديات التونسية بإجراء الانتخابات في موعدها، وبمسار اللامركزية كإطار لعمل المجالس البلدية.
ونظمت جامعة البلديات في الأسبوع الماضي بالعاصمة تونس يوما دراسيا تحت عنوان “المجالس البلدية ، أي مصير”، وطالبت بإجراء الانتخابات البلدية في موعدها المحدّد ، وبالمحافظة على مكاسب القانون الانتخابي.
وأكّد رئيس الجامعة عدنان بوعصيدة على “ضرورة الإعلان عن موعد الانتخابات قبل 12 مارس القادم بموجب القانون المنظم للجماعات المحلية والقانون الانتخابي، وفق ما تقتضيه المدة النيابية المحددة بخمس سنوات”.
ودعا إلى التعديل الجزئي لمجلة الجماعات المحلية بصفة تشاركية، وبشكل يضمن عدم المساس بما تحقق في القانون الانتخابي بخصوص التمثيلية المحلية للمرأة والشباب وذوي الاحتياجات الخاصّة، مذكرا بأن “مجالس البلدية المنتخبة ظلت قائمة رغم حل مجلس نواب الشعب المنتخب سنة 2019، ولم يتم تغيير الإطار القانوني المنظم لها رغم حذف مبادئ السلطة المحلية من النص الدستوري لسنة 2022، والتوجه نحو إحداث المجالس والأقاليم”.