جدل بشأن الترحيل القسري لمهاجرين تونسيين من أوروبا

فجرت عمليات الترحيل القسري لتونسيين من أوروبا جدلا جديدا لاسيما في ظل اتهامات للسلطات التي تحاول حشد دعم خارجي في مفاوضاتها مع المانحين الدوليين بالتواطؤ من خلال إبرام اتفاقيات مع الأوروبيين لا تحترم حقوق هؤلاء المهاجرين.
تونس - يثير ملفّ الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين من الدول الأوروبية جدلا واسعا لدى الأوساط السياسية والحقوقية بالبلاد، حيث تنتقد أطراف حقوقية وسياسية الانتهاكات التي تمارس على المهاجرين وحرمانهم من حقوقهم في التمتع بمحاكمات عادلة في صورة ما تمت إدانتهم.
ويطرح هذا الملف تساؤلات حول التعامل السياسي للسلطات التونسية تجاهه خاصة في ما يتعلق بالتفاوض مع الأوروبيين لإيجاد حلول لهذه الأزمة.
وأثير ملف الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين بعد أن نشر عضو البرلمان المنحل مجدي الكرباعي قصّة سائح تونسي وصل إلى إيطاليا بتأشيرة سياحية، غير أنه مُنع من الدخول إلى المطار وتمّ احتجازه مدة يومين قبل أن يعاد ترحيله إلى تونس.
كما نشر الكرباعي مقاطع فيديو على صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي قال إنها لتونسيين تمّ احتجازهم في مطار بلغراد رغم دخولهم البلاد بطرق قانونية.

نجاة الزموري: الترحيل يجعل المرحلين عرضة لشبكات الاتجار بالبشر
وتواجه السلطات التونسية تهمة التواطؤ مع دول من الضفة الشمالية للمتوسط وقبولها بترحيل مواطنيها بعد توقيع اتفاق سري.
وأفاد المحلل السياسي مراد علاّلة أنه “من المؤسف جدا أن يكون هناك تكتّم إعلامي على مسألة لا تهم فقط عددا من التونسيين (المهاجرين) بل أيضا كل المجتمع”، لافتا إلى أن “التكتّم يسعف كفة تفاوض تونس مع شركائها في شمال المتوسّط”.
وأضاف لـ”العرب” أن “الدولة تتحمّل مسؤوليتها في حماية أبنائها دون تخفّ أو حرج”، متسائلا ” ما الذي يمنع السلطات من أن تجاهر بحقيقة الأمر؟ كما أنه على الجانب الأوروبي أن يحترم الذات البشرية للمهاجرين وحتى في صورة محاكمتهم يجب أن تكون عادلة وليست خفيّة”.
وتابع علالة “الترحيل القسري يضرب حريّة التنقل، وهذه الدول تأخذ منّا كفاءاتنا وتمنع علينا إعطاء فرصة لشباب لم يجد فرصة عمل في بلاده، واليوم يجب أن نكون في موقع المفاوض القويّ حتى نفرض على هذه الدول احترام أبنائنا لأن المسألة تقريبا أصبحت عملية مقايضة، وعلينا أن نستثمر في ذلك ونطالب بعائدات واستثمارات أوروبية في تونس”.
واعتبر أن “مصداقية السلطة الآن في الميزان والاتفاق أحيانا لا يكون كتابيّا بل يمكن أن يكون بإشارة سياسية، ودخول طائرات تحمل مرحّلين تونسيين من أوروبا، يعني بالضرورة موافقة الجانب التونسي”.
واستطرد علالة “لا بدّ من احترام كرامة هؤلاء الشباب، والحلّ في التعامل مع الهجرة غير النظامية لا يكون عبر هذه الطرق”.
وتضاربت الأنباء بشأن موافقة تونس على الترحيل القسري لمواطنيها من الدول الأوروبية، فبينما أكّد مراقبون التوقيع، نفت مصادر رسمية الخبر، مؤكدة أن حماية مواطنينا في الخارج وضمان كرامتهم والدفاع عن إقامتهم يعتبر من الأولويات القصوى.
وكشف الكرباعي عن اتفاقيات أبرمتها بلاده مع أغلب الدول الأوروبية، تسمح بالترحيل القسري للتونسيين الموجودين فيها، منتقدا المساس بحرية التنقل التي ضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والدستور التونسي.
وقال في تصريحات إذاعية إن “التعامل مع الجنسية التونسية في هذه الدول يكون عبر الاحتجاز ثم الترحيل القسري، حيث يتم وضع المرحّلين تحت طائلة الإجراء الحدودي (S17 المثير للجدل في تونس)”.
كما انتقد الكرباعي قرار منع التونسيين الذين ينوون المرور من إسطنبول نحو صربيا، من السفر إلى تركيا، معتبرا أنه “قرار خطير، فالتونسيون يعاملون اليوم في صربيا كمهاجرين غير شرعيين لمجرّد أنهم قادمون من تونس”.

مراد علاّلة: يجب أن نفاوض أوروبا جيّدا حتى نفرض عليها احترام أبنائنا
وأفادت منظمات تونسية أن إيطاليا ومن ورائها الاتحاد الأوروبي يحاولان استغلال ظرف الهشاشة والارتباك الاقتصادي لبلدان شمال أفريقيا وفي مقدمتها تونس وليبيا، في محاولة لفرض الشروط في ملف الهجرة واعتمادها كحرس حدود مقابل تقديم المساعدات.
وحذرت منظمات حقوقية تونسية ناشطة في مجال الهجرة، من تكرار عمليات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين، مؤكدة أن الممارسات القمعية في التعامل مع المهاجرين السريين لا تحترم القانون الدولي ولا حقوق الإنسان.
وقالت منسقة برامج بمنظمة محامون بلا حدود، زينب مروقي في تصريحات صحافية إن “الدراسة وقفت على جملة من المسائل، ومنها حرمان المهاجرين التونسيين المرحّلين من إيطاليا من النفاذ إلى المعلومة، ومن التأطير القانوني والإحاطة”، مؤكدة أنه “بمجرد وصول المهاجرين التونسيين إلى مراكز الاحتجاز لا يتم إعلامهم بحقهم في الحماية وطلب اللجوء بحسب القانون الإيطالي والاتفاقيات الدولية”.وكشفت نتائج دراسة مشتركة أجرتها منظمة محامون بلا حدود بالتعاون مع المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وجمعية الدراسات القانونية حول الهجرة بإيطاليا، نهاية مارس الماضي، أن المئات من المهاجرين التونسيين يتعرضون للترحيل القسري، ولمعاملات تمييزية، وظروف احتجاز سيئة، وأشارت إلى ترحيل 1922 تونسياً من إيطاليا خلال سنة 2020، وترحيل نحو 1822 خلال 2021.
بدورها، قالت نجاة الزموري عضو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إن ” الترحيل يُضبط بثوابت دولية، واتفاقية جينيف 1962 تنص على ألاّ يتم ترحيل قسري للمهاجرين عندما تمثّل بلادهم خطرا عليهم”.
وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن “هناك خطرا لأن الدولة التونسية لم تضمن الظروف الأساسية للحياة وأدنى مقومات العيش الكريم في البلاد، والآليات المعتمدة في الترحيل لا تخضع للحدّ الأدنى من الاحترام للذات البشرية لأن المرحّلين هم عرضة لشبكات الاتجار بالبشر، وغياب التفسير اللازم للوضعية والمحاضر التي يتم الإمضاء عليها، فضلا عن كونها آليات منافية لمبدأ حقوق الإنسان”.
وأردفت الزموري “هناك مساع من جهة الاتحاد الأوروبي لإتمام مراحل عملية الترحيل خصوصا بعد الزيارات المتواترة لمسؤولين أوروبيين إلى تونس في الفترة الأخيرة على غرار مسؤولين إيطاليين، وهذه مؤشرات تؤكد على مساعي أوروبا للتوقيع على اتفاقية وإيجاد مخيمات وملاجئ للمهاجرين من الأفارقة جنوب الصحراء وغيرهم”.
وترى شخصيات سياسية، أن الترحيل القسري أمر مرفوض، داعية الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة احترام حقوق المهاجرين وتجنب ممارسة الانتهاكات في حقّهم، فضلا عن مطالبة السلطات التونسية إعلام الجانب الأوروبي برفض التوقيع على مثل تلك الاتفاقيات.

زهير المغزاوي: نرفض الترحيل والأوروبيون ينتهكون حقوق الإنسان
وأكّد الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي في تصريح لـ”العرب” أن “الترحيل القسري للمهاجرين أمر مرفوض، وإذا تورّطت الحكومة في التوقيع على اتفاقية في المجال فسنندد بذلك، لأن الأوروبيين ينتهكون حقوق الإنسان وحقوق سكان الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسّط”.
وقال “هو ملفّ تفاوضي مهمّ ولم يتم استغلاله والتعامل معه كما ينبغي، والدول الأوروبية مطالبة أن تقدّم تعاونا لتونس وغيرها من أجل التنمية والاستثمار، كما أنه يجب على الحكومة التونسية والرئيس قيس سعيد مخاطبة أوروبا بأنهم يرفضون الترحيل القسري للمهاجرين”.
والخميس أعلنت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشانا لامورجيزي أنها ستقوم في شهر مايو المقبل بزيارة مشتركة إلى تونس وليبيا برفقة مفوضة الشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي إيفا جوهانسون.
وقالت، أمام مجلس النواب الإيطالي، إن “تونس وليبيا هما الدولتان الرئيسيتان التي نشأت منهما تدفقات الهجرة غير النظامية التي تؤثر على مناطق وسط البحر الأبيض المتوسط”.
وأشارت لامورجيزي إلى أنها كانت قد اتفقت مع إيفا جوهانسون على “القيام بزيارة مشتركة خلال شهر مايو القادم لتنفيذ عدد من الإجراءات وما يتعلق بالمساهمة المالية المرتبطة بالشراكة الاستراتيجية”.