جدل أسري في مصر حول عقوبات تخريب العلاقة الزوجية

إقرار عقوبة صارمة بسبب التخبيب أمر معمول به عربيا.
الثلاثاء 2023/05/30
اهتزاز العلاقة بين الزوجين يسهل تخريبها

تسعى الأطراف ذات العلاقة بالشؤون الأسرية في مصر إلى استصدار تشريع جديد يعاقب على التخبيب، باعتباره من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى انهيار العلاقة الزوجية، بينما يرى أساتذة الشريعة الإسلامية أن الأهم من سن عقوبة ضد التخبيب أن يكون هناك وعي لدى الشريكين بقدسية العلاقة الزوجية، وعدم السماح لأي طرف بالتدخل فيها، كما دعا خبراء علم الاجتماع إلى ضرورة توافر إرادة حكومية لتقييد تعدد الزوجات كونه السبب في هدم كيان الأسرة بشكل يفوق خطر التخبيب.

القاهرة– أثارت المطالبات الواسعة في مصر حول ضرورة سن تشريع يعاقب على تعمّد تخريب العلاقات الزوجية جدلا أسريا واسعا، لتزامن الطرح مع بلوغ معدلات الطلاق مستويات قياسية وتوجيه أصابع الاتهام إلى “طرف ثالث” يتعمد إفساد علاقة الشريكين، بغرض الزواج من المرأة المطلقة أو تعكير صفو الحياة الأسرية.

واستقبل رئيس مجلس النواب المصري عدة طلبات من أعضاء في البرلمان ترتبط بضرورة فتح النقاش حول استصدار تشريع جديد يعاقب على التخبيب باعتباره من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى انهيار العلاقة الزوجية، بطلب المرأة الطلاق أو حضّها على رفعها قضية خلع ضد الرجل، أو بث الفتنة بين الشريكين بشكل يدفع إلى الاتفاق على الانفصال.

ويعني التخبيب دخول شخص للفتنة بين الزوجين بغرض إفساد الزوجة على زوجها أو الزوج على زوجته والتفريق بينهما، وذلك بقصد الزواج من نفس المرأة لاحقا أو حتى من دون هدف الزواج، بحيث يتم استغلال الخلافات التي تقع بين الشريكين وتأجيجها بطرق مختلفة لتنتهي العلاقة بالانهيار وضرب استقرار الأسرة وتشريد الأبناء.

ودخلت دار الإفتاء على خط النقاش بتأكيدها أن الشريعة الإسلامية تحرّم التخبيب، ولا تقبل أن يقوم رجل بحضّ امرأة على الطلاق للزواج منها، وإذا حدث ذلك فتلك علاقة محرمة يجب ألا تكتمل، وهي فتوى رآها كثيرون كافية لحتمية تحرك مجلس النواب من أجل مناقشة القضية وإقرار عقوبات صارمة نظرا إلى خطورتها على الاستقرار الأسري.

المطالبة بتجريم التخبيب تستهدف إضافة مادة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية المزمع عرضه على مجلس النواب قريبا

وتستهدف مطالبات تجريم التخبيب إضافة مادة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية المزمع عرضه على مجلس النواب قريبا، تمنع وتعاقب تدخل أي طرف لإفساد الحياة الزوجية، مع التركيز على تخبيب المرأة، وتحظر على الرجل أن يتزوج من امرأة أفسدها على زوجها أو حضها على الطلاق منه للزواج بها، إلا إذا عادت إلى زوجها الأول ثم طلقها.

وطرحت القضية تساؤلات عديدة حول كيفية إثبات التخبيب قبل إدراج عقوبة له في مشروع قانون الأحوال الشخصية والشروط والإجراءات التي يجب توافرها لإقامة الدعوى القضائية من جانب الزوج قبل أن يتهم رجل آخر بإفساد حياته الزوجية.

وقال أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية والفقه المقارن بجامعة الأزهر، لـ”العرب” إن “الأهم من سن عقوبة ضد التخبيب أن يكون هناك وعي لدى الشريكين بقدسية العلاقة الزوجية، وعدم السماح لأي طرف بالتدخل فيها، لأن الحضّ على الطلاق يتم عبر تسلل شخص ليظهر أنه الناصح المشفق المتعاطف والمصلح، لكنه يستثمر الخلافات للوقيعة بأي طرف، وهنا يحدث الشقاق”.

ويقر المؤيدون لحتمية إقرار عقوبة ضد إفساد الحياة الزوجية بأن هذا الأمر ليس بدعة، وإنما هو موجود في دول عربية أخرى، مثل السعودية والكويت والأردن، وهناك عقوبات مشددة لمنع تخريب البيوت والنبش في الخلافات بين الشريكين بشكل يدفع أيا منهما إلى طلب الطلاق وإنهاء العلاقة وهدم الأسرة، مستغلا ضعف أحد الطرفين.

وتعاقب المحاكم السعودية الشخص المخبب بطريقتين، الأولى الحبس المطوّل في حال لم يتراجع عن فعلته أو لم يتب عنها، أو الحبس المؤقت الذي يصل إلى عامين طالما اعترف بالخطأ وندم على ذلك، لكن العقوبة في مجملها تخضع لسلطة القاضي بعد إثبات التهمة على الطرف المتسبب في تخريب العلاقة الزوجية.

وينص القانون في الكويت على عدم الإجازة للرجل الذي خبب امرأة على زوجها أن يتزوجها إلا بشرط أن تعود إلى زوجها أولا فيطلقها، فيما برر المشرع الكويتي تلك العقوبة بأن التفريق بين المرأة وزوجها من الأفعال الشريرة، سواء أكان ذلك بطريقة الإغراء المادي أم عبر الوعد بالزواج لتضطر الزوجة إلى ترك شريكها والذهاب إلى آخر، فيما يعاقب القانون الأردني الرجل المخبب بالحبس ثلاثة أشهر.

عع

وطالت الأفكار المطروحة داخل البرلمان المصري آلية معاقبة الشخص الذي يحض على هدم العلاقة الزوجية، بأنه يمكن للزوج رفع دعوى تخبيب ضد الرجل الذي يسعى لاستمالة زوجته أو نجح في ذلك فعلا، ويحق للزوجة أن تقيم دعوى ضد المرأة التي خببت العلاقة مع زوجها أو ضد العشيقة بسبب التخبيب وإفساد العلاقة الزوجية.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن إفشاء الأسرار الزوجية يظل الخطر الأكبر على استقرار علاقة الشريكين بشكل يسمح لطرف ثالث بالتسلل بينهما، واللعب على وتر تلك المعلومات لاستمالة طرف بعينه ناحية الطلاق عبر تأجيج نيران الخلافات، بينما حل المشكلات بحكمة وبلا تدخل طرف ثالث يحافظ على تماسك الأسرة.

ويعتقد هؤلاء أن إقرار عقوبة ضد تخريب العلاقة الزوجية لا يعني أنه سيتم تطبيقها بسهولة، لأن البيئة الأسرية في مصر تحكمها عادات وتقاليد وأعراف تسمح بتدخل طرف ثالث وقت خلافات الشريكين، من الأقارب أو الأصدقاء، للصلح بين الطرفين، مع أنه يمكن التغرير بأي منهما وحضّه على الطلاق.

القضية طرحت تساؤلات عديدة حول كيفية إثبات التخبيب قبل إدراج عقوبة له في مشروع قانون الأحوال الشخصية والشروط والإجراءات التي يجب توافرها لإقامة الدعوى القضائية

وأوضحت هالة حماد، استشارية الطب النفسي وتقويم السلوك الأسري بالقاهرة، أن تخريب العلاقة الزوجية من طرف ثالث أمر موجود ويصعب إنكاره، لكنه في الحالة المصرية متشعب، فهناك الأهل وزملاء العمل والأصدقاء، وكل ذلك يرجع إلى الاحتكام لعناصر خارجية بعد فشل الشريكين في إدارة أمورهما، وقد تكون هناك امرأة تحضّ الزوج على الطلاق للزواج منه، وهذا موجود ولم يتم التطرق إليه وسط النقاشات الدائرة، ويتم قصر الحديث على التحريض الذكوري للمرأة ضد زوجها.

وذكرت لـ “العرب” أنه “ليس كل ما هو محرم دينيا يجب تجريمه قانونا، والعبرة في استمرارية العلاقة الزوجية أن يكون هناك تفاهم ومودة بين الشريكين عند إدارة خلافاتهما الشخصية، والكف عن إفشاء أسرار العلاقة، لأنه لا يمكن لأحد أن ينجح في تخريب الزواج إلا وهو يُمسك بالأسلحة التي يستخدمها في التدمير، وبالتالي المسؤولية الأكبر تقع على الزوجين إذا انهارت علاقتهما بسبب التخبيب”.

وإذا كانت الأصوات الداعية لتجريم التخبيب ترمي إلى إمكانية إثباته بدلائل مثل الرسائل المكتوبة أو التسجيلات الصوتية، فإن الحضّ على هدم العلاقة الزوجية في مصر يتخذ أشكالا متعددة، فهناك أُم قد تحضّ ابنها على تطليق زوجته بحجة أنها لا ترتاح لها أو ليست في وئام معها، وترغب في تزويجه من امرأة بعينها، وهو إفساد للعلاقة يصعب إثباته أو معاقبة مقترفه.

ويرى معارضون للفكرة أن استباحة الرجال للزواج الثاني والثالث والرابع تتعارض ضمنيا مع تهمة تخريب العلاقة بين الرجل وزوجته الأولى، فقد تكون المرأة التي قبلت بالزواج من شخص لديه أسرة وأبناء نجحت في إغرائه ماليا وعاطفيا، مستغلة خلافاته مع زوجته، وبالتالي من الصعب إثبات التهمة، ولا بد من توافر إرادة حكومية لتقييد تعدد الزوجات؛ لكونه سبب هدم كيان الأسرة بشكل يفوق خطر التخبيب.

15