ثلاثية المرأة والموسيقى والحرب في معرض تشكيلي سوري

تشكل حالة الحرب بما تحمله من صور لمآس وعذابات وأحداث إنسانية عصيبة مادة خصبة للمبدعين الذين ينهلون منها ليبتكروا أعمالهم الإبداعية. وفي الحرب تدفع المرأة أثمانا أكبر من غيرها، وتتربص بها الأخطار الجسدية والروحية، وتحيق بها المصائب من كل حدب وصوب، ولطالما خلدت الفنون أعمالا إنسانية كبرى قامت بها نساء في أزمنة الحرب.
على خلفية المأساة السورية، التي لا تزال تتوالى فصولا، قدم الفنان أديب مخزوم معرضه التشكيلي الأحدث في أوبرا دمشق. وحمل عنوان (بكائيات الحرب والأقنعة والانبعاث الجديد). قدم فيه مجموعات من اللوحات التي عبرت كل منها عن فكرة محددة تبدأ بالدموع، وتمر بالأقنعة، وصولا إلى لحظة الانبعاث، وهي رحلة يعبرها الفنان في مغامرة من يؤمن بالمستقبل.
قدم المعرض أربعين لوحة فنية رسمها الفنان بالزيت والأكريليك، وهي أعمال تشكل ذروة في مسيرة الفنان التي تمتد لما يقارب الخمسة والثلاثين عاما أبدع خلالها المئات من اللوحات التشكيلية التي عبرت عن مراحل مختلفة من تطوره الفني.
علاقة الفنان مخزوم بالفن التشكيلي تبدو جدلية وعضوية ومرتبطة على نحو ما بالموسيقى فهو باحث في التاريخ الموسيقي. وقد شكلت ثلاثية المرأة والموسيقى والحرب ثيمات متكررة في لوحات معرضه الجديد.
عن طبيعة وجود المرأة المتكرر في لوحاته والحالات التي تحضر فيها يقول الفنان لصحيفة العرب “دأبت على رسم المرأة مستنبطا عوالمها الداخلية التي تشكل برأيي العمق الأكثر غنى في وجدان الإنسان، حاولت في هذا المعرض أن أعالج حضور المؤنث بصيغ جمالية مختلفة، وقد جدلت ضربات الريشة مع دفق الموسيقى وتجلياتها من خلال استحضار المرأة مع العديد من الآلات الموسيقية التي تعبر عن أفق آخر.
كذلك أفردت مساحة للمرأة من خلال الوجوه (البورتريه) التي رصدت فيها خبايا تلك الوجوه والعيون من رؤى وأحاسيس مختلفة تعبر عن لحظات تعيشها المرأة في يومياتها. في نظري، ومن زاويتي أرى أن المعرض يحمل تجديدا يتمثل في حضور وجوه النساء وقد توجن رؤوسهن بأكاليل من الزهور وهو ما ألمحت من خلاله إلى المكانة التي تستحقها المرأة في عالمنا خلافا للمكانة التي يريد البعض أن يهبط بها إليها”.
وحول أثر الحرب على مشاعر الفنان وأفكاره وتصوراته يرى أديب مخزوم أن “الحرب حالة طاغية وطبيعي أن يتأثر الفنان بها. وهو ما كان في الحالة السورية وظهر أثرها جليا في أعمال الفنانين التشكيليين، ولكن هذا التأثير يجب أن يكون منعكسا عبر وعي خلاق يتسلح به الفنان ووجدانه، ليظهر في أعماله الإبداعية بشكل مبتكر، لا أن يكون مجرد اجترار لأفكار ذهنية تتعلق بالحرب فيكون عمله أقرب إلى الملصق الإعلاني منه إلى الإبداع الخلاق القادر على تحدي الزمن”.
ويضيف “في سوريا أقيمت العشرات من المعارض خلال سنوات الحرب، وقد استطاع عدد من الفنانين أن يقدم أعمالا ترقى إلى مستوى إبداعي لافت”.
تجدر الإشارة إلى أن الفنان أديب مخزوم يتمتع بحضور مهم في الوسط التشكيلي السوري، وكذلك في النقد التشكيلي، وكان من أهم ما قدمه نقديا في بداية تسعينات القرن
الماضي على إثر إطلاقه البيان التشكيلي الأول (مشروعية التشكيل المعاصر) الذي سبب حينها حراكا واستقطابا فكريا عنيفا بين تيارين فنيين في سوريا. حول هذه المسألة يقول الفنان “كان البيان خطوة أولى في مشروع نقدي فكري متكامل، وكان هنالك رأيان يتجاذبان الفن التشكيلي في سوريا، فأصحاب التيار الانطباعي والواقعي وجدوا فيه تأييدا لأصحاب التيار العبثي في التشكيل الذي كان يتصاعد يوما بعد آخر ويزداد قوة وتأثيرا”.
ويضيف الفنان “البيان الذي نشرته حينذاك كان الخارطة الأساسية التي اعتمدتها لتحديد المنهج الذي سأعتمد عليه في تشريح اللوحة فنيا والمعتمد على قراءة فكرية معمقة وجمالية في مكنونات اللوحة. لاحقا بينت ذلك كله في كتاب (تيارات الحداثة في التشكيل السوري) الذي صدر عام 2010 وصار كتابا مرجعيا في التوثيق للحياة التشكيلية السورية عبر مئة عام”.
الفنان أديب مخزوم من مواليد طرطوس عام 1962. بدأ بالرسم في مراحل مبكرة، تأثر بالموسيقى فكتب فيها وأرخ لها، كتب في قصيدة النثر وكرس جزءا كبيرا من جهده للنقد التشكيلي. أقام خلال ما يقارب الثلاثين عاما العشرات من المعارض الفردية وشارك في معارض جماعية في سوريا وخارجها.
يكتب في الصحافة الفنية في سوريا والصحافة العربية، وهو عضو اتحاد الصحافيين والتشكيليين السوريين، أحد مؤسسي جمعية النقاد والباحثين التشكيليين. عام 2015 وبمناسبة اعتبار فريد الأطرش شخصية العام من قبل اليونيسكو أقام معرضا بعنوان “فريد الأطرش قيثارة السماء” قدم من خلاله صورا نادرة عن الموسيقار، كما أقام معرضا بعنوان كنوز عباقرة النغم 2017 عرض فيه ألف أسطوانة موسيقية نادرة شكلت حالة توثيقية هامة لمجموعة من الأسماء الفنية العربية الشهيرة.